"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
أسبوعٌ من عمر الزلزال لم تكفِ في وضع حدٍّ لهزاته الارتدادية، وتحت جنح حرارة النهار تسلّلت "نترات الامونيوم" إلى السراي لتحرق من فيه من الرئيس وحتّى الوزراء، إنضموا بتشكيلتهم الـ 20 إلى قائمة الضحايا، لتحيل مبنى الحكومة إلى ركام سياسي وتضع البلاد على شفير فراغ يُنذر بفوضى.
ومن "نجم" كلود انجلى ليل الحكومة على مشهدٍ فادح. وزارة مهزوزة على "شوار" الاستقالات، خيض فيها السباق تحت راية "من يقدم إستقالته أولاً" لينجو من مركب يغرق، فيما كان "عصف بري" شديد إذ أعاق عمليات إنتشال الجثث ورفع الانقاض التي تولّتها "بعثة الطوارئ" المتمثلة باللواء عباس إبراهيم الذي لم يبخل في مسار التنقيب عن حل في حشد خدمات مختلف الآليات ومن كافة الاحجام. في النتيجة، استقال حسان دياب جماعياً مع حكومته.
وهنا، من الواجب القول، أن المشهدين الداخلي والدولي المرتبطين بـ"انفجار الإهمال" لم يسعفاه. كانا أكبر بل أقوى منه. حضورهما فجأة ومن خارج أي سياق أسقطا مبررات استمرار الحكومة، حتى الحلفاء لاذوا عنها هاربين طمعاً في إغراء تقدّم به ماكرون "حكومة وحدة وطنية" بضمانة فرنسية لتخفيف القيود عن لبنان... ولما كان هذا الطرح لم ينضج بعد جاء الخبر من الحكومة "المستوية"، فجأة تحوّلت إلى مصيدة تهدّد كل من يقترب منها. منذ ليل الأحد نفضَ الجميع يده منها. يقال أن النفضة جاءت قبل ذلك، عمّدت حين أسسَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لـ"الفترة الانتقالية" تحت عنوان "حكومة وحدة وطنية".
حسناً فعل حسان دياب حين أعلن إستقالة جماعية. ففيما لو لم يفعل ذلك وترك الوزراء يتقدموا بإستقالات فردية طائشة، لكن أوقعَ البلاد في شرور تطيير الحكومة وإحالتها على التقاعد من دون تصريف الاعمال في ظرفٍ شديد الحساسية.
منذ الصباح الباكر، بدأت الاستقالات تتبلور لدى أكثر من وزير، حتّى اولئك المحسوبين على تيارات سياسية "رفيقة" للحكومة أبلغوا الرئيس دياب عبر "واتس آب" انهم في حلٍّ منها. بدا الامر أشبه بإعلان "نزع غطاء" من جانب أطراف أساسية، الثنائي الشيعي والثنائي العوني أبرزهما، اللذان ما زالا تحت تأثير نشوة الزيارة الفرنسية. آخرون كانت حجتهم أنهم يبحثون عن "صدمة إيجابية" بعد التفجير، جزء آخر كان أقرب إلى البحث عن "سبق صحفي"، كان بفعلته أقرب إلى من يغسل يديه من دماء هذه الحكومة.
رغم ذلك، حاول دياب ثني الجميع عن إستقالات بدعوى أن لديه خطة عمل والآن الظرف مؤاتٍ، وأنه ليس في وارد ترك البلاد تنهشها "غربان السياسة". لم يقتنع أحد بما قاله بل الكل بدأ يهدده برمي استقالات فردية في وجهه في حال لم يقدم على اتخاذ قرار بالاستقالة. أمام ذلك، أدركَ أن اللعبة إنتهت، مع ذلك كان لا بد من نصائح، تولى تخريجها اللواء عباس إبراهيم الذي كان ينتقل من مقر إلى آخر بخفة الفراشة، حتى تمكن من اقناع "دياب الغاضب" أخيراً بترك السفينة قبل ان تغرقه وتغرق البلاد معه كي لا تسجل عليه "إستقالة أقسى".
بدا حسان دياب منهكاً، متأثراً بفعل تركه وحيداً من قبل حلفائه قبل غيرهم وسط الطريق. كانوا غير آسفين على ال حكومة، تماماً كما نحن لا نأسف عليها لكننا نأسف على رئيسها الذي ظن لمدة معينة ان بمقدوره الاصلاح، لكنه اصطدمَ بصنف مريب من الوزراء "غريبي الأطوار" الذين لم يفلحوا بشيء سوى بالحرتقة السياسية وتنفيذ أوامر أربابهم الواردة إليهم عبر الهاتف.
في مكانٍ آخر، كان القواتيون والاشتراكيون في معراب والمختارة يفركون أيديهم غبطة. يعتقدون أن مشروعهم بات يصلح تمريره. رئيس حزب القوات سمير جعجع وحين لاحَ في الأفق أمر الحكومة خرجَ عبر الاعلام محاولاً تظهير أن الاستقالات من صنع يديه! شيء أراده كأداة تستخدم في تسويق نفسه كمنقذ أمام الرأيين الداخلي والخارجي. رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط وإن غاب عن "تويتر" اللعبة الاحب إلى قلبه، لكنه ظهر في فلتات كلمات نوابه من معراب، الذين بدوا كأنهم يعدون العدة لمرحلة ما بعد الحكومة.
وحده رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري كان صامتاً، وفي صمته أكثر من علامة.
وصمت الحريري مريب، يخيف القواتيون والاشتراكيون الباحثون عن إستغلالٍ "الانفجار" بعلامة كاملة بالاضافة إلى النتائج المترتبة عنه. طموحهما يقودهما في اتجاه محاولة جرّ الحريري بصفته الممثل الاكبر للسنة، إلى المخطط الثنائي كي يصبح ثلاثياً. لكن للحريري حسابات أخرى. ما زال يتعامل مع الامر بدقة شديدة، خشية من مغبة إيقاعه في فخ ما، والتجارب مرّة.
والحريري، بدا وكأنه تحت تأثير "الصدمة الفرنسية". في قرارة نفسه، يعتقد أن طرح الرئيس الفرنسي القائل بحكومة وحدة وطنية يعنيه بالاسم، وعليه يظن أن الفيتو الأميركي – السعودي الذي كان يحول دون دخوله حكومة فيها حزب الله قد زال أو يكاد. لذا اتخذَ قراره في التموضع في الوسط، يُساير الثنائي الماروني - الدرزي ويُغازل الشيعي.
على المقلب الآخر، لا يوافق القواتيون والاشتراكيون على قراءة الحريري. هما يسعيان إلى حكومة حيادية ويعملان عليها من خارج الرأي الفرنسي. قالها جنبلاط صراحةً في ردٍ مباشر على "دعوة ماكرون" "نعم لحكومة حيادية" ثم كررها جعجع من بعده، وقد أضافا إليها فكرة إضافية "محاولة إسترداد التفويض من المجلس النيابي" عبر توفير أرضية لاستقالات ثلاثية الابعاد تؤدي خدمة "نزع الشرعية الميثاقية" المتمثّلة بالطوائف ظناً منهم أن ذلك يتيح فرض انتخابات مبكرة، وبالتالي هم يتحركون الآن من خارج الملعب الفرنسي إن لم يكونوا قد انقلبوا عليه، ويسعيان إلى اغواء الحريري.
والحريري يعلم بالأهداف الكامنة وراء محاولة استمالته.كل من جعجع وجنبلاط لا يستطيعان إضفاء شرعية كاملة على مسعاهما بغياب الحريري عن المشهد، لذلك برعا في الساعات الماضية في تقديم الاغراءات بهدف جرّه إلى مربعهم. مع ذلك، يلعب الحريري "جوكر"، وبهدف كسب الجميع لا بد ان يقوم بحركة. أوعزَ إلى ديما جمالي إعلان إستقالة "فلكلورية"، يقدم فيها ورقة إعتماد إلى الشارع المنتفض، وثم يغازل فيها الثنائي جنبلاط – جعجع، ثم بعثَ برسالة "إيجابية" إلى الثنائي الشيعي من خلال إبقاء تياره خارج الشارع وكتلة خارج مدار المعارضة الصريحة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News