"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
مع مرور الأحد الأول من مهلة التأليف الممدّدة خالياً من الدسم الحكومي، أعلن رأس الكنيسة المارونية إنحيازه التام إلى الخطاب الأميركي الذي يتبناه فريق سياسي في الداخل ويعمل بموجبه ويدعو إلى انتزاع حقيبة المالية من سلة الثنائي الشيعي. البطريرك الراعي الذي تولى تقديم خدمات ضمن هذا المسار، يعلم أن الخلاف الدائر حالياً والذي يُعيق تشكيل الحكومة لا يمكن تقزيمه إلى درجة النزاع حول التمثيل في حقيبة أو الخلاف على درجة التمثيل، بل هو أشمل من ذلك ويتصل بوضع "فيتو" على حضور قوي للسلك الشيعي في الحكومة إن لم يكن أبعد من ذلك.
كان يجدر بالراعي أن ينأى بنفسه عن النزاع الدائر وأن يكون حيادياً لكنه أبى وتحول في عظة الأحد إلى طرف صريح، خرجَ عن "الميثاق الطائفي" الذي يحاذر على أي رجل دين تناول أي طائفة أخرى بما لا يتناسب وطبيعة الميثاق، بل أنه كان شديد الوضوح في أن جعل من نفسه جزءاً من مشروع يجري تركيبه في لبنان تحت شعار تفريغ الأكثرية النيابية الحاكمة والعهد من قدراتهما وإدخال تعديلات على آليات الحكم والتوازنات بالممارسة بعد أن جرى إسقاط محاولات التفريغ ونزع الشرعية إن من خلال اللجوء إلى صناديق الاقتراع المبكرة أو عبر إعتماد الشارع شعاراً للمرحلة.
هذا التوجه الذي إنضم اليه الراعي، تبلور مع بدء سريان مفعول العقوبات على المعاون السياسي لرئيس حركة أمل والمجلس النيابي نبيه بري الوزير علي حسن خليل، وشعاره توحيد النظرة حيال "الشيعية السياسية" وتالياً ربط جميع الشيعة بحزب الله ما يخدم فكرة تعميم مفهوم العقوبات على سائر الطائفة، وهذا يتم على مستويين: من خلال العقوبات الاميركية ذات الوجه الاقتصادي، وعبر اللجوء إلى نموذج جديد من العقوبات تحت مسمى "عقوبات سياسية"، اي تلك التي يجري تطبيقها الآن وفق أكثر من نموذج وأسلوب، يطمح في أن يعيد ترتيب المسرح السياسي على نحوٍ يحد من نفوذ الشيعة وإدخال تعديلات على هذا الحضور ضمن المعادلة ويُمهد إلى مؤتمر تأسيسي مختلف عن ذلك الذي يُتهم حزب الله بتبنيه وفق "ذريعة المثالثة"، مقابل آخر يسعى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى تمريره تحت جناح العقوبات وبعنوان "ترتيب الميثاق السياسي في لبنان".
ما تقدم ينقلنا إلى المستوى الحكومي. فما يجري الآن ضمن التأليف يعكس وجهة النظر هذه. ثمة قرار صدر عن أعلى مرجعية تُدير عملية التأليف مفاده: "منع الثنائي الشيعي من تسمية العناصر الوزارية في التشكيلة". يتم تنفيذ هذا القرار في ظل شعار تشكيل حكومة اختصاصيين ورفض أي وجود للأحزاب داخل التركيبة الجديدة.
صحيح أن آخر إجتماع عقد بين أديب و"الخليلين" لم يفصح عن وجود "رغبة فاقعة" من قبل الرئيس المكلف الذي رد سائليه إلى بيت الوسط، لكن ثمة إنطباع راسخ لدى الثنائي حول وجود مثل هذا المشروع، بدليل أن الأسماء الشيعية التي اسقطت على التشكيلة الحكومية التي يحتفظ بها أديب، لم تراعِ حسن التمثيل ولم تأخذ بوجهة النظر الشيعية في هذا المجال، بل حددت وجودهم في وزارات "صفة ثاني". أكثر من ذلك، ما أجّجَ الصف السياسي الشيعي، ان الاسماء التي اختيرت لملء تلك المراكز، معارضة في طبيعتها للثنائي الشيعي بل وشديدة العداء تجاه حزب الله وقسم منهم مزدوج الجنسية، ما أعده الثنائي بمثابة عدوان لا يقل عن عدوان تموز في حال طبق.
هذا الكلام، قيل صراحة إلى أديب من بوابة "رمي الحجة". مع تأكيد على عدم تراجع الثنائي الشيعي عن مطالبه تحت أي ظرف، وبالتحديد حقيبة المالية التي رفعت إلى مرتبة "القداسة الميثاقية"، وأعيد تجديده في اللقاء الذي عقد بعيداً عن الإعلام بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد في بعبدا نهاية الأسبوع المنصرم. الرئيس المكلف فهمَ إن القراءة الشيعية لما يحصل تتجاوز النظرة الى فكرة الاعتراض على حقائب معينة، بل تصل الى حدود وجود عدوان!
هذا الجو، إنعكسَ على اتصالات تشكيل الحكومة بشكل سلبي. لغاية هذه اللحظة، ما برحَ أديب خانة انتظار المساعي السياسية. يُقال أنه يرغم على رفض مطالب الثنائي، ويتردّد أن الفرنسيون يحاولون إنقاذه من هذا المأزق عبر المزيد من التدخلات لدى الفرق السياسية المعنية، لكنهم يصطدمون بـ"فيتو" أميركي يتولى جزء من نادي رؤساء الحكومات السابقين تنفيذه من الداخل، ما يعيق الوصول إلى نتائج إيجابية.
حتى الآن، الاجواء تميل إلى تجديد التفويض الممنوح إلى الطبقة السياسية من الوصي السياسي الفرنسي 24 ساعة إضافية قد تكون الاخيرة. مع ذلك، كافة الترجيحات تصب في خانة إعتذار أديب. كلام نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي يوم أمس يوحي بذلك. لقد وضعَ الفرزلي أسفل أقدام مطصفى أديب جسراً يتيح له الخروج من نفق التأليف.
في بعض المجالس السياسية، عاد إسم رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري للتداول ولو بالهمس. ثمة من يعتقد أن مسار إحراق المراكب قد بدأ فعلاً ترتيباً لعودة آمنة للحريري. في أعقاب ذلك بدأ البحث عن السيناريو الذي سيعود على إثره الحريري وما هي شروط هذه العودة. الأهم في حال حدوث ذلك، هل سيعود إلى السراي متجاهلاً التلويح بضمه إلى رزم العقوبات بذريعة وجود علاقة خفية تجمعه بالثنائي الشيعي أم أنه سيفوض نفسه تأمين تنازلات من الأطراف المتصارعة؟
للبحث صلة...
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News