"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
يغلب "التشاؤل" على مسار تأليف الحكومة. على نقيض ذلك، من الواضح أن جهداً يبذل في مسألة إنتاج وتسويق نسب تفاؤل عالية طمعاً على ما يبدو في إستدراج أجواء جيدة تطبع المهلة الجديدة الموضوعة لتشكيل الحكومة، ما أوحى أن الأجواء "من عنديات" الرئيسين المشتغلين على خط التأليف.
الثابت لغاية الساعة، أن تفاهماً ثُبّتَ على صيغة رست على 18 مقعداً، أما البحث المتبقي فيدور حول كيفية توزيع التوازنات السياسية والطائفية داخل الحكومة وصولاً إلى توزيع الحقائب. في هذا الوقت يُفهم من الأجواء المتداولة، أن المداورة سقطت بفعل التسليم المبدئي ببقاء "الطاقة" لدى الفريق المسيحي الممثل من قبل رئيس الجمهورية. خطوة كهذه أدت إلى خلط أوراق التأليف، وسط إيحاءات تتسرّب من جهة المشتغلين على خط التشكيل، تفيد أن تجميد خطوة المداورة سيسري على باقي الحقائب الخدماتية الاساسية، وبهذا المعنى يُفترض أن تبقى التوزيعة المعتمدة في حكومة حسّان دياب كما هي، اي "الصحة" لحزب الله، الاشغال لتيار المردة، الطاقة لـ "التيار"، "الاتصالات" للمستقبل و"التربية" تعود إلى حصة التقدمي الاشتراكي، لكن ماذا عن الحقيبتين السياديتين المتبقيتين، "الخارجية" و"الداخلية"؟
منذ تسمية سعد الحريري رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة، تولّد شعورٌ داخل لقاء رؤساء الحكومات السابقين الاربعة المحتجب عن الانعقاد مفاده: "سعد الحريري عادَ إلى لغة التنازلات" وها هو يقدم وزارة المليون خدمة في الصنائع على طبق من ذهب إلى بعبدا.
حدث ذلك خلال تمحيص المتابعين في أسلوب تفاوض الحريري مع "قصر الشعب"، بعدما قرّر ومن خارج مشاورة أحد، منح حقيبة الداخلية إلى رئاسة الجمهورية لقاء نيله "الخارجية". فعل لم يصب إلا في خانة محاولة الحريري "تلميع صورته الخارجية" بوزير من طراز دبلوماسي والحؤول دون تنصيب أي سني آخر في الصنائع مخافة أن يتم استنساخ "نهاد مشنوق" ثانٍ.
مع تطور طرح الحريري من بلورة فكرة إلى البدء بالتنفيذ، دخل "اصدقاء" من رؤساء الحكومات السابقين بالاضافة إلى مستويات سياسية ودينية سنية معينة على خط بيت الوسط، في محاولة لاحتواء اندفاعة الحريري، عبر الاشارة إليه حيال المخاطر السياسية المترتبة عن اي خطوة مماثلة وبأن أي تصرف مشابه قد يطال أذاه أبعد من الدائرة السياسية التي يمثلها، وقد يصل إلى مستوى التسبب في إشكال أمني بين جدران قوى الامن الداخلي قد تطال شظاياه حدوداً غير مسموحة طائفياً.
الخشية من ذلك تأتي بفعل "النزعة العونية" تجاه اللواء عماد عثمان. أضف إلى ذلك، ان "وزارة الصنائع" التي تدرّ ملايين الخدمات لا يجوز التفريط فيها قبل عامين من الاستحقاق الانتخابي وقبل عامين من مغادرة ميشال عون قصر بعبدا.
ثمة أمر آخر يثير حساسية المستوى السني، فالداخلية منشأة أمنية تحمل صفة سياسية "رُكّبت" على أساس أنها "وزارة سيادية ذات بعد سني" بفعل التفاهمات "المبرمة من دون توقيع" بين أكثر من فريق داخلي حيال تقاسم الوزارات السيادية. بهذا المعنى، قد تتحول الوزارة إلى "جبهة إشتباك نارية" بين مكون ثابت وراسخ وآخر وافد حديثاً بنزعة تغييرية، بما سيحول الوزارة إلى ركام في النتيجة.
إلى جانب ذلك، ثمة أسباب أخرى لا تقل أهمية، فوضع كافة الوزارات ذات التصنيف الامني في جعبة رئاسة الجمهورية التي يتربص بها "رئيس ظل" اسمه جبران باسيل – وفق المضبطة الاتهامية المعدة من قبل مصادر زرقاء – في آخر شوط من عهده، يؤسس إلى "إفرازات أمنية" في داخل المؤسسات المعنية قد تتجاوز مدة صلاحيتها المضبوطة على ساعة العامين فيسري عليها التعميم، لتصبح أدوات في يد الوريث السياسي المفترض لاحقاً.
مع ذلك، ظل الحريري ولفترة محدودة، يتجاهل كل تلك النصائح، حتى ادرك اخيراً أن توسيع إطار الاعتراض على أي خطوة قد يقوم بها من هذا الوزن، يحتمل أن يكلفه غالياً على مستوى الحضور والعلاقات السياسية في محيطه، وثمة من نصحه أن تشدده، قد يمنح "الشركاء الأعداء" مادة دسمة للحرتقة عليه من زاوية الاتهام السابق: "التفريط بحقوق السنة"، لا سيما وأن كافة المؤشرات باتت تجمع على أن علاقة الحريري مع شخصية رئاسية سنية سابقة على الأقل تعيش مرحلة إهتزاز. في النتيجة، توصل الحريري إلى استنتاج مبدئي بضرورة التخلي عن طلبه والبدء بمرحلة التراجع عن الخطأ.
بقيت المهمة الأصعب بنظر متابعين، تكمن في كيفية إبلاغ رئاسة الجمهورية القرار. فالحريري، لا يريد زيادة طين علاقته مع بعبدا بلة. وسط هذه الأجواء بدأ تسريب علامات حيال تراجع الحريري عن تنازله، وهو فعل لم يلقَ أي تدقيق أو متابعة جدية من قبل القصر، الذي بدا في الساعات الماضية وكأنه يمارس لعبة "الراغب المتمنع". فعينه على "الداخلية" لكنه في نفس الوقت يريد "الخارجية". وتبعاً للحكم الشرعي السياسي بعدم جواز الجمع بين وزارتين سياديتين، اختارت بعبدا على ما يبدو المفاضلة بين حقيبتين أساسيتين، والميل يذهب أكثر صوب أفضلية أن تبقى الخارجية في حضن بعبدا لضرورة الحشد السياسي والدبلوماسي في آخر سنتين من عمر العهد. إلى جانب ذلك، ثمة من يعتبر أن هناك مصلحة لـ"الحليف المفترض" في إبقاء الحقيبة في متناوله، اقله ضمن هذه الفترة.
في المقابل، يميل "الثنائي الشيعي" لان تبقى الحقيبة في بعبدا، تبعاً لادراكه بسهولة إبقائها "تحت السيطرة" بإستخدام ريموت كونترول الرئيس، وهذا غير متوفر في بيت الوسط بأي حال من الأحوال!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News