"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
عدّلت تل أبيب في برنامج عملها "التفاوضي"، على أبواب الجولة الخامسة من جلسات ترسيم الحدود غير المباشرة تحت رعاية أميركية تراجعت خطوة إلى الوراء ثم فتحت النار على الجلسات، هو التراجع الذي لا يمكن اصباغه إلا صفة الإنسحاب!
قبل أيام، أبلغ الجانبين الاممي والاميركي من قبل تل أبيب، أن الوفد الاسرائيلي لن يُشارك في الجلسة الخامسة التي ستعقد بتاريخ ٢ كانون الأول في الخيمة الزرقاء الكبيرة المنصوبة في باحة قيادة قوات اليونيفيل في الناقورة. زعم الاسرائيليون أن الخلفيات تقنية، ثم حاولوا اللعب على أعصاب الجانب اللبناني من خلال رمي مسؤولية التعطيل عليه وفق الذريعة ذاتها التي ردّدها وزير الطاقة عندهم يوفال شتاينيتس قبل أيام، أي أن "لبنان بدّل في وجهة نظره حيال الحدود ٧ مرات".
يوم أمس، أبلغ الجانب اللبناني بالموقف الاسرائيلي. بناءاً عليه شطب من على جدول أعماله موعد جلسة الأربعاء وتابع أعضاء الوفد حياتهم كالمعتاد. على إثر ذلك لوحظ أن الأميركيين بدأوا بالتحرّك وعلى أكثر من صعيد، على أن يحط موفدهم في بيروت نهار الأربعاء أي في نفس موعد الجلسة الملغاة من طرف واحد، في محاولة منه لإنقاذ إطار التفاوض وإيجاد نقاط إلتقاء مشتركة تعيد دفع العملية قدماً.
في الحقيقة، يحاول الإسرائيليون اعطاء خطوة المقاطعة بعداً إعتراضياً علهم ينجحون في إستدراج "مرونة" لبنانية، ذلك من خلال وضع كامل مسار المفاوضات على كف عفريت ما يوحي بأنه سيسقط ويتهاوى. لكن الجانب اللبناني تعامل مع القضية على أنها "مشكلة إسرائيلية تتحمل نتيجتها تل أبيب وحدها". تبعاً لذلك، لا يسع الجانب اللبناني تقديم أي خدمات لإنقاذ المسار طالما انه ليس المسؤول عن انهياره!
التجاهل اللبناني أعمى الجانب الاسرائيلي الذي استبق خطواته بالايعاز إلى المستوى الصحافي لديه البدء بإطلاق النار على مسار التفاوض. في الواقع بدأ إطلاق النار منذ فترة، بحيث أن الجانب الاسرائيلي تولى رفد آلته الاعلامية بخرائط مبعثرة في محاولةٍ منه لقطع الطريق على المحاولات اللبنانية. تريد إسرائيل من وراء ذلك إيهام، سواء الجانب اللبناني أو رعاة التفاوض، أنها ترزح تحت ضغط سياسي وإعلامي داخلي واسع، وما على الجانب اللبناني إلا التنازل لتمكين الجميع من استئناف المسار.
طبعاً أعاد الجانب اللبناني تجاهل كافة الاحداث والتشديد على ما طرحه في الجلسة الاخيرة من حقوق مكتسبة له بالاستناد إلى معايير واتفاقات دولية. في مكانٍ آخر التزم الصمت ولم يقدم على إرسال ولو رسالة إيجابية واحدة من خارج ما ثبته على طاولة التفاوض الاخيرة وما قبل الاخيرة.
عملياً، أدرك الاسرائيليون أن الاستراتيجية التي رسموها حيال التعامل مع ملف ترسيم الحدود مع لبنان اصطدمت بجدار كبير من الباطون المسلّح، لذا، يريدون الآن ممارسة الضغط من أجل التعديل في شروط التفاوض. في الأساس، بنوا نظريتهم على قاعدة أنهم يحضرون الجلسات بناء على تفاوض على أساس خط هوف وكان في بالهم أنهم في صدد الحصول على كمية إضافية من الكيلومترات المنهوبة من البحر اللبناني، ليكتشفوا لاحقاً أن الجانب اللبناني تسلّل من خرم إبرة المعايير ورمى في وجههم خرائط تستند إلى الاتفاقات الدولية، تمنحه حقاً مكتسباً من ملكية بحرية تفوق خط هوف والخط ٢٣ بـ ١٤٣٠ كلم مربّع. ما يساوي مجموع حقوقه ٢٢٩٠ كم٢
في الواقع، أدرك الاسرائيليون دقّة الملف اللبناني ومتانته، لذلك يعملون على محاولة تفخيخه في أكثر من مكان. بالنسبة إليهم، ما عادت المفاوضات مرغوبة ويجب "تصفيرها"، في الطريق إلى ذلك ينشطون في تدبير المكائد عبر طرق متعددة من بينها محاولة إستدراج لبنان إلى خطوات تدعي إسرائيل أنها "فعالة أكثر" ويدرك لبنان أنها عبارة عن "فرمانات" وظيفتها تبرر الفرار الاسرائيلي من أرض المفاوضات ورمي التهمة عليه.
كلمة السر وردت مؤخراً على لسان وزير الطاقة الاسرائيلي يوفال شتاينيتس بعد عرض قدمه عبر تويتر الى رئيس الجمهورية ميشال عون يقضي باجراء تعديل على طبيعة المفاوضات، من غير مباشرة إلى علنية أو سرية تتكفل بإستضافتها إحدى الدول الاوروبية "ليأتي الحل للحدود البحرية مرة واحدة وللأبد". استتبع دعوته باستعراض نفذه قبل أيام بمحاذاة الحدود اللبنانية على شكل رحلة بحرية إلى الصخرة "تخليت" ضم إليها الوفد الصهيوني المفاوض، ليؤكد أن الصخرة هي معتبرة في الوجود كأرض مسكونة وهي بالعرف الدولي ليست سوى صخرة مهجورة لا يعطيها الوفد اللبناني أي تأثير او اعتبار...
وعليه، تعاظم الاستنتاج لدى المستوى اللبناني بأن تل أبيب ما عادت ترغب بمفاوضات "تحت صفة غير مباشرة" بل ترمي إلى تعميم منطق التطبيع بالاستناد إلى الاجواء الاقليمية من خلال تقديمها ما يشبه الاغراءات للمستوى اللبناني، وهو أمر مرفوض لبنانياً طبعاً.
لكن كل ذلك، لا يمكنه ان يحجب حالة الضياع الاسرائيلية المعطوفة على حالة الفراغ التي تشهدها الادارة الاميركية، ويبدو، أن أحد الاهداف الاسرائيلية من وراء فرض أمر التأجيل، قذف جلسات التفاوض إلى ما بعد موعد الـ٢٠ من كانون الثاني موعد التسلم والتسليم في الادارة الاميركية ومحاولة انتزاع ما أمكن من تنازلات. وفي تقدير متابعين، سيعمل الاسرائيليون على محاولة دفع الأميركيين صوب "دوزنة" المفاوضات من خلال الضغط على الجانب اللبناني لتقديم تنازلات، وهذه طبعاً يحتاج إلى مهلة زمنية معينة، لذلك يربط المتابعون بين الخطوة الاسرائيلية وإعلان عن خطوات سيتولى تنفيذها الموفد الاميركي الراعي لأعمال التفاوض بدأ من لبنان، إذ تشير المعلومات أنه في صدد إدارة "مفاوضات جوالة" بين الجانبين اللبناني والاسرائيلي بهدف إعادة الحيوية إلى المسار.
عملياً، تريد تل أبيب بالحد الادنى تعزيز شروطها في التفاوض بنية إعادة التوازن إلى مسار المفاوضات بعد سيل الضربات التي تلقتها. في مكانٍ آخر، تريد تمرير المرحلة الانتقالية الاميركية وملء فراغ غياب ديفيد شينكر حتى يتسنى توفير ظروف تعيين بديل له. حتى ذلك الحين ستبقى الجسات مدار أخذٍ ورد.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News