"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
على يسار الرئيس سعد الحريري كما يمينه ينبت المستشارون كالفطر. أرض الحريري خصبة ومجاله واسع وصدره رحب، وأصحاب فن الاستشارة "يجودون" في مساعدته! لكن غالباً ما تأتي تلك المساعدات على قدرٍ يزيد من طينة الحريري بلة.
على قدر ما يوجد مستشارون إلى جانب رئيس تيار المستقبل كذلك يتوفّر الناصحون، هؤلاء، وغالباً يتوزعون على القماشة السياسية ومنهم من هو نقيض في السياسة احياناً، يسدون النصائح إلى الحريري بصفته رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة ويفتحون أمامه المجال السياسي كي يتسنى له قراءة المشهد وما في داخل الكوب برويّة ووضوح حتى يتمكن من تقدير الموقف السياسي الافضل.
في المسألة الاخيرة، ثمة من ارشده إلى سلوك طريق قصر بعبدا وتقديم تشكيلة حكومية "بما تيسّر" إلى رئيس الجمهورية ميشال عون عوضاً عن الانتظار في بيت الوسط على ان يضعها في متناول الرئيس ثم يغادر، وعلى الاغلب جاء الارشاد وفق ما كان قد رسم خلال فترة ولاية السفير مصطفى أديب في التأليف مع تعديلات طفيفة أدخلها الحريري على صيغة مؤلفة من 18 وزيراً، لم يمنح فيها الكثير من وعوده إلى الافرقاء الذين ارتبط معهم بعهود منذ ما قبل تكليفه.
لكن، وقبل حدوث ذلك، وردت النصيحة إلى الحريري من أطراف مسؤولة تنذره من مغبة إتمام ما بدأه الآن لما يحمله ذلك من عواقب وخيمة، فتقديم الحريري لصيغة حكومية وفق ما كان يُسرّب في الاعلام، لن يحول الاقتراح إلى مرسوم بل سيضع كامل مسار التأليف وربما التكليف في مهب الريح، اي عملياً سينهي مشوار الحريري باكراً. وغالباً، الفرنسيون ليسوا من دعاة دفع الحريري صوب تقديم تشكيلة "على منهج الامر الواقع"، وعلى الاعم الاغلب، هم من اسدوا إلى الحريري نصيحة اضافية في التمهل ريثما تتبلور ليس فقط الصورة اللبنانية بل صورة الاقليم الملتهب المعكوس على الصيغة اللبنانية، بدليل أن الفرنسيين عادوا ومنحوا الحريري "فترة سماح مشروطة" طويلة الامد تمتد إلى تخوم 20 كانون الثاني المقبل.
عملياً، اقرّ الفرنسيون وكذلك بعض اللبنانيين من أن ربط الملف الحكومي اللبناني بمسارات الانتخابات الرئاسية الاميركية، جعل من الملف اسير هذه الانتخابات ونتائجها، وقصر الاليزيه حين تحدث قبل ايام عن القضايا الاميركية ومنها العقوبات واسقطها على الواقع اللبناني من قبيل مردود العقوبات وما شاكل، يقر ظاهراً بتأثيرات السياسة الاميركية على الوضع اللبناني برمته. إلى جانب ذلك، ثمة تأثيرات محلية صرف تفرض نفسها على مسار التأليف ولا يمكن بأي حال من الاحوال تجاهل تأثيراتها ابداً. فبالاضافة إلى العامل الدولي، تمثل المطالب اللبنانية الصادرة عن الافرقاء كافة "أحجار تعطيل" تفوق بقدرتها قدرة "العامل الخارجي" بكل ما يستبطنه من سلبيات.
في الواقع، إن النصيحة مترامية الاطراف التي وردت وعلى شكل رسائل مباشرة وغير مباشرة إلى بيت الوسط، دفعت بالحريري إلى التريث قليلاً قبل صعوده إلى قصر بعبدا أي عملياً نزع فكرة تقديم تشكيلة حكومية من رأسه ولو مرحلياً وفق الشكل الذي بلورة فيه، ومن جملة النتائج التي تحققت صب المياه الباردة على الرؤوس الحامية المنتشرة في محيطه، التي ما برحت لغة التعاطي السابقة، والتي تثبت في كل مرة انها ادوات تزيد من توريط الحريري في مسرح الاخطاء الداخلية وتحد من حركته وقدرته.
ليس سراً، ان الثنائي الشيعي مثّل جانباً من ادوات نصح الحريري عبر رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي ما برح لغة التعقل ونصح الرئيس المكلف ان يأخذها كما هي ويضعها في ميزانه السياسي. لكن، وعلى قدرة إحاطة بري للحريري بالانابة عن الثنائي الشيعي، لكن ذلك له حدوده النسبية، فالثنائي قرّر وما زال عدم التدخل في مسار تأليف الحكومة بشكل مباشر او غير مباشر، يختصر حضوره الحالي على متابعة ما يجري وإنتظار فراغ الحريري من مفاوضة الاطراف الاخرى كي يصل التفاوض إليه وعندها يفتح حصالته، ولو ان جميع التقديرات تقود إلى ليونة شيعية واضحة تجاه الحريري.
في الحقيقة، المستوى الشيعي أبلغ إلى الرئيس المكلف كما سائر المشتغلين على خط تأليف الحكومة، الآن وسابقاً، أنه في حلٍ من أي تدخل لا سيما بعدما ورده اكثر من طلب معالجة مصدرها فرقاء داخليين، بعضها، حاول اللعب على الحقائق من خلال الايحاء للمستوى الشيعي أن حضوره في الحكومة معرّض للتشحيل في الحقائب وتقديم اسماء من خارج مشورته في مسودة الحريري المفترضة، وهو ما لم يأخذ به المستوى الشيعي بدرجة كاملة تبعاً لعدم ورود اي جو مماثل من قبل الحريري.
لكن، وفيما لو صح ذلك، فسيكون للمستوى الشيعي موقفه من اي تصرف. فمثلاً، يرفض الثنائي الشيعي أن يتولى الرئيس الحريري تقديم اسماء الوزراء الشيعة المقترحين من دون علمه، وهو، اي الثنائي، اودعَ مطلبه ذا عند الحريري منذ البداية. ثم ان جميع المعطيات المتجمعة لدى الثنائي، تدحض إمكانية أن يكون الحريري قد ضم إلى تشكيلته المزعومة اسماءاً شيعية من خارج التنسيق مع الثنائي، بل وفي الحقيقة، لم يقدم الثنائي الشيعي اي اسم مرشح من قبله وقد اقتصر الامر على رفع لوائح ضمت اكثر من 30 اسماً من دون تزكية اي منها حتى يفرغ الحريري من مفاوضاته مع الاطراف الاخرى.
ما هو ثابت حتى الآن أن الحريري فعّل وضعية التريث، كذلك الأمر بالنسبة إلى الثنائي الشيعي وغالباً عموم الفرقاء الآخرين الذين باتوا يترصدون طبيعة توجهات مصرف لبنان حيال استئناف الدعم من عدمه او مسارات التدقيق الجنائي الواقعة عند فالق الزلزال!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News