المحلية

الثلاثاء 08 كانون الأول 2020 - 01:45

التّرسيم: عون يخشى الفشل!

التّرسيم: عون يخشى الفشل!

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

لم تؤدِ الوساطة الاميركية التي دخلت على خط توتر ترسيم الحدود إلى شيء. ما حمله الموفد الأميركي إلى بيروت جون ديروشر مؤخراً كان مزيجاً من النصائح والابتزاز وفق المقاييس الاسرائيلية إلى حد كاد أن يظهر الموفد كطرف وليس كمفاوضٍ نزيه ومحايد.

هناك فكرة تحتل عقول متابعي ملف الترسيم مفادها، أن الاسرائيليين يستغلون الاندفاعة اللبنانية صوب تأمين حقوق لبنان البحرية تبعاً لمجموعة خرائط وقرائن، وذلك من أجل نسف مسار التفاوض غير المباشر برمته وتحميل لبنان النتائج بدعم اميركي ظاهر، ذلك بعدما اتضح لدى المستوى السياسي في تل أبيب أن المفاوضات لم تكن قط مجدية بل قد تؤدي في حال استمرارها على نحو ما بدأت به، إلى خسائر اسرائيلية متنوعة على رأسها خسائر إقتصادية، هذا بعد أن حولت الجانب الاسرائيلي إلى طرف مدافع بعد أن كان يفترض نفسه مهاجماً.

بصراحة، حمل الموفد الأميركي إلى بيروت رسائل بالجملة. هو قال بحضور مسؤولين كبار أن لا مصلحة للبنان في عرقلة المفاوضات عبر التشدد في التمسك بما هو ابعد من خط هوف ويمثل أكثر من ٢٢٠٠ كلم٢، تقول بيروت ان سقف ملكيتها للحدود البحرية بالاستناد إلى مجموعة دراسات وترسيمات قديمة. وتابع أن للبنان حاجة ملحة ومصلحة في الوصول إلى تفاهم.

يلمح الموفد الاميركي هنا إلى الأزمات الاقتصادية المتفاوتة وحاجة بيروت إلى إمدادات مالية عاجلة. يتماهى بصورة علنية مع الطرح الاسرائيلي الذي دشّن المفاوضات بمحاولة مغازلة بيروت باستخدام الثروات الموجودة في باطن البحر، في محاولة منه لاستدراجها إلى إتفاق سريع تحت ضغط الحاجة. وكلمة عرقلة التي وجهت بحضور مسؤولين كبار تتضمن إتهاماً صريحاً من الجانب الأميركي إلى الطرف اللبناني بالدفع نحو نسف المفاوضات، وبطبيعة الحال فإن إتهاماً من هذا النوع قد يستبطن موقفاً اميركياً متصلباً ويستدرج ردود فعل سياسية تجاه بيروت من قبيل تحميلها رسمياً مسؤولية إنهيار المفاوضات. وطالما ان الجانب الاميركي راعٍ للتفاوض بشراكة الأمم المتحدة، قد يعتبر أنه قد تم إسقاط وساطته إلى جانب الوساطة الدولية، وبالتالي هناك طرف يجب عليه دفع الثمن في المقابل. هذه الفقرة يمكن ضمها إلى السياق الأول، عامل إغراء لبنان بالمخزون الغازي، وهي علامة من علامات إبتزاز لبنان بين فوزه بسعة نفطية محددة او خسارة جميع إمتيازاته المتوقعة!

بصراحة، ثمة مستوى داخلي لبناني يتماهى مع الطروحات الاميركية بالفعل. منذ البداية إعتبرَ أن الطرح اللبناني القائل بحق لبنان بمسافة ١٤٣٠ كلم٢ زيادة عن الـ٨٦٥ كلم٢ التي افتتحت بها المفاوضات، بمثابة لغم لن ينفع لبنان بشيء وسيقود إلى "تفشيل المفاوضات من خلال تهشيل الاسرائيلي والاميركي منها"، والمستوى عينه، سوّق لفكرة أن الوفد "تسرّع في رمي جميع الأوراق على الطاولة دفعة واحدة" مع العلم أن الجانب اللبناني قدم رؤيته للحدود حين كانت المفاوضات تسير على تحديد كل طرف لوجهة نظره، وفيما لو أغفلَ لبنان تقديم وجهة نظره تلك مفضلاً تقديم نسخة أخف ليعود ويقدم نسخة أدسم، لكان الاسرائيلي استغل تلك الهفوة لاحقاً، وزعم أن لبنان يُغير في أقواله ومطالبه ما كان سيؤدي إلى توفير مظلة تبرير للكلام الاسرائيلي واحاطته بمصداقية عاليه، بخلاف ما وردَ اخيراً عن لسان وزير الطاقة الصهيوني الذي لم يحمل على علامة صدق واحدة بشهادة الجميع.

والمصيبة، ان هذا الطرف اللبناني الذي ومع الاسف يظهر وكأنه متضرّر من تعزيز أوراق لبنان على الطاولة تمهيداً لبدء مفاوضات من منطلق قوة، ما برح يزج بقضية العقوبات في كل مسألة، ومؤخراً، بدأ الترويج لامكانية فرض عقوبات على الجانب اللبناني في حال تهاوت المفاوضات وقدرت واشنطن ان التهاوي سببه لبنان واقرّت بذلك رسمياً، رغم أن جميع المراجع يؤكدون أن العقوبات لها مسارها الخاص ولا يمكن استيلادها بظرف ساعات كما يحلو للبعض التكهن.

لكن هذا لا يعفي أن الاميركي الذي يُعبر عن إنزعاجه من الطرف اللبناني قد لا يشفع لبيروت في حال تحول جمود المفاوضات المتوقع ان يستمر حتى العام المقبل إلى "فك ارتباط" بين الوفود المشاركة.

في المقابل، تبدو رئاسة الجمهورية عالقة بين شاقوفين: شاقوف الحفاظ على السيادة اللبنانية وعدم السماح بجر لبنان إلى خانة تسمح للاسرائيلي بفرض شروطه تحت الضغط، ومنها دفع لبنان نحو التخلي عما طرح على الطاولة، وشاقوف الحفاظ على استمرارية مسار التفاوض، وهنا يسكن القصر هاجس تحقيق إنجاز على مستوى المفاوضات غير المباشرة يمكن الاستفادة منه في خريف العهد.

وللحقيقة، ثمة وجهة نظر قديمة قامت على فكرة أن عين التينة التي أمّنت اتفاق الإطار واعتبرته انجازاً حقق لها صورة الطرف الذي نجح في إدارة المفاوضات على مدى ١٠ أعوام مستمرة، لم تكن تريد الاستمرار في الإمساك بالملف لعلمها المسبق بدرجة المراوغة الاسرائيلية التي لن تقبل منطق السماح للبنان بتأمين انتصار بحري، لذلك أعادت الإطار إلى وجهته الدستورية الاصلية اي رئاسة الجمهورية وأنهت التفويض السابق وتركت الرئاسة تستكمل المشوار.

وهنا، في حال حقق العهد نجاحاً فهذا يُحسب له وسيجعل من عين التينة فائزة بحكم رعايتها للإطار منذ البداية أي سيعطى طابعاً تشاركياً، وفي حال فشل العهد فسيتحمل وحده النتيجة كونه الفريق الذي رعى إدارة المفاوضات الاجرائية غير المباشرة واستلاد آلياتها ورسم تكتيكاتها، وهو ما يخشاه العهد الذي يعمل الآن على محاولة "لملمة المفاوضات" ضمن اطر لا تمس المكتسبات التي تحققت او بنود السيادة اللبنانية.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة