مع صعود الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم في السعودية في كانون الثاني 2015، برز نجم نجله الأمير محمد بن سلمان، الذي أصبح رئيسا للديوان الملكي في ذلك العام، ثم تدرج بين المناصب بسرعة كبيرة حتى أصبح وليا للعهد في 2017، والحاكم الفعلي للبلاد.
لكن منذ ظهور الأمير محمد على الساحة السعودية، أصبح أكثر الشخصيات جدلا في المنطقة وربما العالم، بسبب الخطوات الانفتاحية التي أقدم عليها، وبسبب اتهامات انتهاكات حقوق الإنسان أيضا.
يمنح المرأة حق قيادة السيارات بيمينه، ويحبس المطالبات به بيساره. تتزامن أخبار جهوده في إصلاح المناهج الدراسية وإزالة إشارات الكراهية، مع اتهامات باستهداف معارض في الخارج.
في وسائل الإعلام الأجنبية، تتجاور أنباء انفتاح السعودية على السياح مع انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، فتنسب الفضل في هذا، واللوم في ذاك إلى ذات الشخص: محمد بن سلمان. فما سر هذا التناقض؟
من ناحية، تقول الدكتورة أميمة النجار، المعارضة سعودية المقيمة بروما، إن "التغيرات التي يقوم بها ولي العهد هي محاولة للتقرب للمجتمع الدولي لأن صعوده للمنصب كان غير شرعي، بعد إزاحة ولي العهد السابق واعتقال العديد من الأمراء".
وأضافت النجار في تصريحات، أن محمد بن سلمان يحاول من خلال هذه القرارات تحسين صورته أمام الرأي العالمي، وخاصة بعد الحرب في اليمن وما نتج عنها من أزمة إنسانية،
من ناحية أخري، يقول مبارك آل عاتي، الكاتب والمحلل السياسي، إنه رغم العوائق والاعتراضات التي تواجه إصلاحات ولي العهد إلا أنها لقيت ترحيبا ودعما وتفاعلا كبيرا في الداخل وفي الخارج خاصة من خلال رؤية 2030 الطموحة، التي ترسم صورة لمملكة حديثة منفتحة على العالم ولا يعتمد اقتصادها على النفط.
وأضاف آل عاتي في تصريحات، أن محمد بن سلمان بات يحظى بتأييد قوي وبدعم شعبي خصوصا في قطاع الشباب بعد نجاحه في قطع خطوات كبيرة نحو الانفتاح ومقاومة المتشددين.
في عهد الأمير محمد، سُمح للمرأة السعودية لأول مرة في تاريخ المملكة بقيادة السيارة في عام 2018، كما سُمح للنساء بحضور مباريات كرة القدم، وتم تقليص صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
كما أصبح في عهده المواطن السعودي قادر على حضور الحفلات الموسيقية بعد توقفها في العاصمة الرياض لأكثر من عقد، إضافة لإعادة افتتاح دور السينما بعد عقود من إغلاقها، فقد أنشأ هيئة الترفيه، التي تولت إقامة الحفلات الموسيقية لأشهر فناني العالم، وعروض الأزياء.
و بأمر من محمد بن سلمان، ألغت السعودية للمرة الأولى النصوص التي تحض على الكراهية تجاه الأديان الأخرى، من الطبعات الجديدة للكتب المدرسية، حسبما أفاد تقرير لمعهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي.
وشملت التعديلات الجديدة حذف دروس الكراهية سواء تجاه المسيحية أو اليهودية وحتى ضد مثليي الجنس، إضافة إلى الإملاءات الإسلامية المتمثلة بالدفاع عن العقيدة باستخدام العنف.
ويقول المدير التنفيذي لمعهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي، ماركوس شيف، إن "هذا التغيير يدعو للتفاؤل (...). إنه جهد مؤسسي حقيقي على أعلى المستويات لتحديث المناهج التعليمية في السعودية".
وبحسب التقرير، حذفت الأجزاء الأكثر تعصبا في هذه المناهج ومنها عقوبة الإعدام بكافة أشكاله على "الزنا وأفعال الشذوذ الجنسي وأعمال السحر"، بحسب توصيف هذه المناهج سابقا.
هذه الإصلاحات كلها "سطحية" في نظر الصحفية الأميركية ريم عبد اللطيف، التي عملت في عدد من وسائل الإعلام السعودية. وفي مقال رأي نشر في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية وحمل عنوان "كيف ترهب السعودية النساء" أن ما شاهدته في المملكة الخليجية دفعها إلى التأكد من أن "الإصلاحات التي نادى بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كانت سطحية واستخدمت كوسيلة لقمع الأفراد الذين يؤمنون بالتغيير الحقيقي".
وقالت ريم "بعد ما شاهدته هناك، علمت أن الوقت قد حان ليس فقط للاستقالة من منصبي، ولكن لمغادرة منطقة الخليج بالكامل، وأضافت "لقد شاهدت الإساءة اللفظية المستمرة تجاه زميلاتي في العمل وترهيب النساء والاعتداء والتنمر عليهن".
لم تقتصر الإساءات على الجانب الشخصي فقط، وفقا لريم، بل كانت تتعلق بالجانب المهني أيضا، حيث تم التقليل من شأن الصحفيات وتهميش أفكارهن الإبداعية.
ويرى عبد العزيز المؤيد، الناشط والمعارض السعودي المقيم في أيرلندا، يقول إن "محمد بن سلمان ثمرة لنظام مستبد وديكتاتور وبالتالي لا يمكن أن يطلق عليه مجدد ومصلح، وأنه إذا أراد الإصلاح فعليه تغيير نظام الحكم، لأن المشكلة ليست في أفراد بل في نظام الحكم وهي الملكية المطلقة".
وأوضح المؤيد، أن السعودية وصلت لمرحلة الانفجار على المستوى المالي والسياسي، وأن الحكومة تدرك ذلك لذلك قامت بهذه الإصلاحات، وأضاف أن ما قام به محمد بن سلمان كان سيقوم به أي شخص آخر، مشيرا إلى أن حركة هذه الإصلاحات بدأت في عهد الملك عبدالله.
وقال "الأمير محمد عنيف وحاد لا يهتم برأي الشعب السعودي ويرى أنه الشعب غير مؤهل للمشاركة في صنع القرار".
بدوره، قال نصير العمري، كاتب ومحلل سياسي، إن ما يقوم به ولي العهد السعودي لا يمكن أن يُطلق عليه إصلاح سياسي بمعنى الكلمة، وأضاف "هو لم يقم بتعديل الدستور أو تغير طريقة تداول السلطة أو التوجه إلى ملكية برلمانية، ولم يتحدث عنها".
وترى مجلة "فورين بوليسي" أنه تم بيع هذه التغييرات كإصلاحات رئيسية لكل من السعوديين والغرب، بهدف كسب الشباب في المملكة، فنحو ثلثا سكان السعودية تحت سن 35 سنة، وثنيهم عن تحدي النظام الملكي، بالإضافة إلى جذب الاستثمار الأجنبي للمساعدة في تنويع الاقتصاد.
صحيح أن الأمير الشاب لم يغير من نظام الحكم للملكية المطلقة، لكن ذلك لم يمنعه من أن يستخدم صلاحياته في تنفيذ إصلاحات كثيرة.
ويقول العاتي: أن "الإصلاحات قطعت طريق الابتزاز الذي دأبت عليه بعض المنظمات ووسائل الإعلام التي تتخفى وراء مقولات حقوق الإنسان وأوضاع المرأة، وأشار إلى أن المرأة السعودية شريكا للرجل في تحمل مسؤولية البناء والعمل والادارة في كافة مرافق الدولة.
وأضاف عاتي إن ما وصفه بـ"حملات التشويه" التي يتعرض لها ولي العهد وإصلاحاته الجذرية في المجتمع يقف خلفها دوائر متشددة ومتطرفة داخليا وخارجيا، خاصة من الجماعات التي حظرتها السعودية بالقانون وصنفتها كيانات إرهابية مثل جماعة الإخوان المسلمين، وتنظيمي القاعدة وداعش.
وأضاف عاتي، أن قرارات الأمير محمد سحبت من يد هذه الجماعات أهم الأوراق التي كانت تسطير بها على القرار السعودي تحت جبة الفتاوى، مثل المنابر الدينية والتعليمية والإعلامية، فضلا عن شبكات التمويل والتبرعات التي تم تنظيمها وإصدار قوانين صارمة بشأن التمويلات التي تذهب إلى جهات مشبوهة في الداخل والخارج.
وأشار إلى أن " من يقف خلف حملات التشويه والشيطنة أنظمة اقليمية معادية كالنظام الإيراني المتطرف والنظام التركي الاستبدادي إضافة لنظام الدوحة الذي تزعم كل ما من شأنه الإساءة للمملكة وولي العهد".
لكن مازالت نقطة التناقض الرئيسية، هي أن هذه الإصلاحات لا تقلل أبدا من وتير مطاردة الحقوقيين والنشطاء في الداخل والخارج. فقد كشفت تقارير لمنظمات حقوقية أن ناشطات حقوق المرأة المسجونات والسجناء السياسيين تعرضوا للاعتداء الجنسي والتعذيب في سجون المملكة العربية السعودية، وفقا لصحيفة الإندبندنت.
وبحسب تقرير أعدتها منظمة "جرانت ليبرتي لحقوق الإنسان"، فإن نحو 309 من السجناء السياسيين السعوديين عانوا من انتهاكات حقوق الإنسان منذ أن أصبح الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد في المملكة في عام 2017.
وأكد التقرير أن 20 سجيناً اعتقلوا بسبب جرائم سياسية ارتكبوها وهم أطفال، مشيرا إلى أنه تم إعدام خمسة منهم، و13 آخرين محكوم عليه بالإعدام.
والغريب أن حملة الاعتقالات التي شنها ولي العهد شملت النشطاء الحقوقيين الذين نادوا بالإصلاحات التي قام بتنفيذها، مثل الناشطة لجين الهذلول، التي تم اعتقالها للمطالبة بالسماح للنساء بقيادة السيارة.
ويفسر النجار هذا التناقص النجار أن محمد بن سلمان اعتقل النشطاء الذين طالبوا بنفس الإصلاحات، حتى يقضي على أي حراك شعبي أو مدني قد يهدد سلطاته، لأن كثير من النشطاء المعتقلين مؤثرين في الرأي العام ولهم كلمة مسموعة على المستوى الاجتماعي في البلاد.
وأضافت "لا تريد السلطات أن تأخذ لجين وزميلاتها فخر وشرف التغيير. ولا تريد السلطات أن ينسب أي تغيير إلى أشخاص مدنيين لهم تأثير لأن هذا قد يشكل تهديد للسلطات السعودية لتي اعتادت أن تكون سلطة أبوية مطلقة".
وتابعت "الحراك النسوي السعودي هو أول حراك مدني ناجح وهذا يجعل السلطات في خوف مستمر. أن يؤدي هذا الحراك المستمر إلى ثورة أخرى".
بدوره، قال المؤيد إن ولي العهد "يخشى من وجود شخصيات ينظر إليها الشعب كمصلحين حقيقيين يضحون بحياتهم من أجل التغيير والإصلاح، ويمكن أن يلتف حولهم الشعب"، وتابع: "الحكومة تخشى أن يقول الناس قد وافقت الحكومة على هذه الإصلاحات بعد مطالبتنا، فلماذا لا نقوم بالمطالبة بحقوقنا الأخرى مثل حق التصويت".
وقالت لينا الهذلول، شقيقة الناشطة لجين الهذلول، إنه بعد فترة وجيزة من تعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد، تم محو الخطوط الحمراء القديمة بينما ظلت الخطوط الجديدة غير معروفة، وأضافت: "في وقت سابق كنا نعرف عدم تحدي العائلة المالكة والدين، لكننا الآن لا نعرف ما هي الخطوط الحمراء".
من جانب آخر، يقول العمري إلى أن محمد بن سلمان يسعى لإسكات أي صوت في المملكة حتى لو كانت تتعالى في القضايا الاجتماعية، لأنه يخشى من أن يكون لها تأثير سياسي وأن تتحول هذه الأصوات إلى استقطاب سياسي تؤثر على سلطاته وطريقة الحكم في البلاد.
ولفت إلى أن ولي العهد وظف مصطلح الإصلاح الديني، لقمع الشيوخ ورموز الدين في المملكة، وقال: "هو يسعى لتجميع كل السلطات في يده، ليس السياسية فقط، بل أيضا للسلطة فكرية بحيث لا يكون هناك أصوات تخالف توجهات ورغبته (ولي العهد) في هذه المرحلة".
ولذلك، يستنتج المؤيد أنه بعيدا عن الإصلاحات السطحية، فإن "الوضع الحقوقي في السعودية من أخطر الأوضاع في العالم، وأن قليل من دول العالم تعاني من الذي تعاني منه البلاد في عهد محمد بن سلمان".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News