"ليبانون ديبايت" - علي الحسيني
حتّى الساعة لا أرضية ثابتة للعلاقة بين رئيس الحزب "التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط و"حزب الله"، فالترنّح السياسي المُمتد من حارة حريك إلى المختارة المعطوف على كيديّات وتحالفات هدفها الاقتصاص والتحجيم، ما زال يتحكّم بمصير ومسار العلاقة التي لم تُفلح حوارات عين التينة السابقة، في إيصالها إلى ضفّة النهر الآمنة التي لطالما كانت وما زالت هاجس "البَيك" على عكس "الحزب" الذي يتنقّل ببزّته العسكرية على ضفاف المنطقة، متسلّحاً بعسكر بات يُضرب له ألف حساب، ويضرب من خلاله كل هاجس يُمكن أن يُقلقه ويُهدد وجوده.
تميّزت الفترة الأخيرة بإطلالات ومواقف لكل من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وزعيم المختارة وليد جنبلاط، وعلى الرغم من التفاوت الواضح في المضمون وفي تنقية العبارات والرسائل التي استخدمها الطرفان، إلّا أن مواقف جنبلاط مالت إلى حد ما نحو التصعيد خصوصاً في الهجوم على إيران من خلال محاولات هيمنتها على لبنان، استناداً لتصريح مسؤول كبير في "الحرس الثوري الإيراني" اعتبر فيه لبنان منصّة ايرانية متقدمة في مواجهة اسرائيل.
بدا كلام جنبلاط في إطلالته الأخيرة مع الإعلامي مارسيل غانم، وكأنه أمام خيارين: إمّا المواجهة وحيداً ولو بالحد الأدنى من السياسة التي يتقنها إلى أقصى الحدود ويتفنّن بها ولو تحت بند "ربط النزاع"، أو السكوت وغض الطرف عن ما يحصل في البلد على الرغم نفض يده لجهة التعويل على أي دور خارجي كما يُتهم، وهذا ما تبيّن بكلامه أن "العالم العربي تغير ويجب أن نعتمد على الجيل الجديد في لبنان وفلسطين وتونس لكي يخرجوا بشيء جديد"، ذلك بعدما أصبح "كل شيء مقفل ونحن تحت سيطرة "حزب الله" المدعوم من ايران".
عيار جنبلاط المصوّب بإحكام، وربّما أصاب بعض من تلحّف بمحور "المقاومة" فجاءت الردود على أن هجومه على إيران و"الحزب" في آن، سببه "رفض نصرالله وساطة كان تقدم بها جنبلاط لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري من أجل إعادة إحياء اللقاءات الثنائية بين حزب الله" و"التقدمي" برعاية عين التينة. وأن ذهابه إلى حد الدعوة لإحياء حلف جديد، هو بمثابة ناقوس خطر يجب التنبّه منه خصوصاً وأن معروف عن "البيك" بأنه لا ينطق عن الهوا".
في السياق، تؤكد مصادر مقربة من المختارة أن كلام جنبلاط كان واضحاً لأقصى الحدود ولا يحتاج إلى تفسيرات البعض وخصوصاً "فريق التخوين"، وهو ليس بوارد تكوين جبهة جديدة على غرار "14 أذار" إنما تحدث انطلاقاً من الحرص على النضال المُستمر للحفاظ على النظام الديمقراطي وتنوعه وسياسته واستقلاله وقراره الحر، وهذا بطبيعة الحال لا يمنع من التنسيق مع شرائح متعددة في البلد من دون أن يكون هناك وجهة مُحددة مع أي طرف سياسي أو حزبي.
لكن هل يُدرك جنبلاط فعلاً مدى خطورة وحساسية اللحظة التي يمر بها لبنان حتّى يخرج بطرح لمواجهة "حزب الله" وسياسته في هذا التوقيت؟ تُجيب المصادر: أولاً نكرر أنه لا يوجد توجه لتكوين جبهة سياسية، جل ما فعله جنبلاط انه عبّر عن موقف يُمكن أن يتلاقى فيه مع مواطن عادي أو مع طرف سياسي، أمّا الحديث عن تحضير لمشروع أخر لمواجهة طرف سياسي محلي، فهذا أمر غير وارد ولا هو مطروح اليوم.
وترى المصادر نفسها أن كلام جنبلاط في هذه المرحلة، هو مفصلي واستثنائي ويُمكن القول أنه يضع النقاط على الحروف في ما يتعلّق بمصير البلد وفي الموضوع الإيراني على وجه الخصوص وقرار الاستقلال ورفض الوصاية الايرانية الجديدة. وموقفه هذا يؤكد على ثوابت أساسية مرتبطة بلبنان الذي يتساوى فيه الجميع من دون غلبة لفريق على أخر.
أمّا حول الإشارات الخارجية التي وصلت إلى زعيم المختارة والتي جعلته بحسب البعض ينتقد الدور الإيراني في لبنان وملف تأليف الحكومية، تؤكد المصادر أن هذا الكلام الممجوج قد تعودنا عليه، فكل نظريات هذا الفريق قائمة على تخوين الأخر وشرعية المقاومة ومواجهة إسرائيل. ومع هذا، فلنُحّيل كلام المسؤول الإيراني بأن سلاح حزب الله قراره في إيران، اليس في هذا الكلام إنتفاء أي مبرّر لوجود هذا السلاح لمواجهة اسرائيل أو لحماية لبنان بعد تحوّله بشكل أو بأخر إلى ورقة بيد الإيراني لحماية نفوذه في المنطقة؟
وتضيف المصادر: لقد تعودنا على لغة التهديد والتخوين ليس من اليوم فقط، بل منذ زمن وجود النظام السوري في لبنان، يومها كان يتهم من يُطالبونه بالإنسحاب من لبنان، بأنهم خونة وعملاء لإسرائيل. واليوم ثمة من يُعيد ويستعيد سياسة قمع النظام السوري، مع العلم أن المسألة أكبر وأعمق من إتهامات، فهي تتعلق بمصير وطن وشعب وإذا لم نستبق المجهول فقد نخسر جميعاً وأولهم "حزب الله".
أمّا بالنسبة إلى الجدل مع الرئيس المُكلّف سعد الحريري، فعادت المصادر وأوضحت ان جنبلاط توجه إلى الحريري بشكل مباشر طالباً منه أن لا يكون على رأس الحكومة، وذلك لسبب جوهري أن القرار فيها لن يكون له ولا لنا لأن الفريق الأخر لن يرضى مشاركتنا بأي قرار. وما قاله جنبلاط للحريري أنهم يُريدون مشاركتنا في الحكومة لكنهم لا يُريدون مشاركتهم القرار.
وفي نقطة الخلاف أو الاختلاف مع الحريري، توضح المصادر التالي: في البداية لم يكن الحزب التقدمي الاشتراكي جزءاً من المفاوضات بشأن تأليف الحكومة، لكن بعدها تقدم الحريري بطرح قدّم فيه للحزب حقيبتي الخارجية والسياحة، ومع اعتراض جنبلاط على الاقتراح هذا عاد الحريري ليعرض عليه حقيبتي الخارجية والزراعة بدل السياحة. لكن اليوم علينا أن ننتظر ما هو جديد في ملف التأليف، فربما هناك متغيّرات في الحقائب أو الأسماء قد يفرضها الفريق الأخر مُجدداً.
أمّا في ما يتعلق بالاحتياطات الأمنية التي يتخذها كل فريق سياسي في البلد في هذه المرحلة، تلفت المصادر إلى أنه في المفاصل الأساسية يتحوّل الوضع إلى خطر بنسبة معينة ليس علينا فقط بل على الجميع، وفي مراحل كهذه وفي ظل تحولات مفصلية وصراعات في المنطقة، يتحتم على الجميع الانتباه وأخذ بعض الاحتياطات الذاتية. لكن هذا لا يعني أننا ننطلق في هذا الموضوع من معلومات وصلتنا أو تحذيرات.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News