المحلية

الاثنين 01 شباط 2021 - 03:34

"اتفاق الإطار" غير صالح

"اتفاق الإطار" غير صالح

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

مريب هذا التقاتل في ما له صلة بالحقوق السيادية بين الأقطاب، وكم هو مؤذٍ إختلاف التعريف فيما بينهم على حقوق لبنان، وعلى ذمّة متابعين، لم يحصل سابقاً ما نشهده اليوم من تباينات شديدة حول الحقوق اللبنانية. هل يعقل مثلاً أن يقف طرف بوجه تعزيز حدود لبنان، أو أن يقف آخر في وجه الوصول بتلك الحقوق إلى برّ الأمان؟ إنها معضلة لا يمكن إسقاطها إلا على الواقع اللبناني.

ما يحصل على حلبة النزاع السياسي اللبناني – اللبناني حول الحقوق والسيادة اللبنانية في عرض البحر يمكن اختصاره بالتالي: طرف يشدّ وطرف يرخي! بمعنى أن طرفاً يؤيّد توسيع حقوق لبنان البحرية عملاً بالقواعد الدولية وبقوانين البحار كافة، ويبيح لنفسه وبشكل قانوني استخدام كافة الأشكال المؤدّية إلى ذلك، وطرف يقلّص تلك الحقوق، عملاً بالمصالح السياسية ربما.

بعد عودتها من مصر الأسبوع الماضي، جالت السفيرة الأميركية دوروثي شيا على عدد من المقار الرسمية، وفي توقيت أتى على إثر التغيير الذي طرأ في البيت الأبيض، ومن خلفية إبلاغ الجانب اللبناني نتيجة المتغيّرات التي حدثت، وذلك في خطوة روتينية.

غرق المتابعون في رصد المتغيّرات التي دخلت على شخصية "شيا" الدبلوماسية المعروفة بالشدّة، أو هكذا خبرها اللبنانيون، وغاب عنهم التدقيق في نوعية ما حملته من "تعليمات" مصدرها واشنطن. في الواقع، ثمة بنود كثيرة طرحت أثناء لقائها تحديداً برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، أبرزها ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الاسرائيلي، والذي تهتم به واشنطن بشكل خاص. فما فُهم من السفيرة شيا أن إدارتها ما زالت تراهن على إمكان إحداث خرق يؤدي إلى إتفاق ما بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي، على الرغم من توقّف المفاوضات كنتيجة للقرار الإسرائيلي، وفي مواجهة ما طرحه الوفد اللبناني من أدلّة تثبت حق لبنان، يجد الإسرائيلي في سرّه أنها واقعية وتضرّه. لأجل ذلك وجد أن الأنسب، هو تعليق مشاركته وممارسة الضغوط من الخارج عبر الإدعاء بعكس ما يعرف.

في الواقع، ما طرحته السفيرة الأميركية ينسحب على نية للعودة إلى الطاولة، لكن ضمن شروط معينة، على رأسها "العودة إلى اتفاق الإطار" الأساسي الذي جرى التوصل إليه مع الطرف اللبناني عبر الرئيس نبيه بري، أي أن المطلوب عملياً هو إقرار لبناني بالتخلّي عن خط الـ1430 كلم2 الذي وضعته قيادة الجيش كسقف لحدود لبنان البحرية بناءً على دراسات عدة وطرحته في إحدى جلسات النقاش رسمياً، ما يعني تراجعاً عن الحقوق، ولكن قيادة الجيش تبدو غير معنية به على الإطلاق، والخيار الأنسب لديها في حالة المفاضلة، هو "الإستقالة" على إهدار أو التفريط في حق لبناني أو تحمل مسؤولية ذلك.

خلال زيارة شيا، سمعت من الرئيس ميشال عون إصراراً على الإستمرار في الدفع صوب خط الـ1430 كلم2 الذي يعطي لبنان حقوقاً تفوق 2200 كلم2 من المياه التي تستوطن تحتها ثروات تقرّش بمليارات الدولارات الأميركية، والكلام نفسه أسمعه عون سابقاً إلى الوفد اللبناني المفاوض الذي زاره، وكانت توجيهاته إليه أن "بادر وأمضِ حتى النهاية". لكن وعلى العكس من ذلك، سمعت في عين التينة كلاماً معاكساً. فرئيس مجلس النواب نبيه بري يصرّ على حصر التفاوض على أساس اتفاق الإطار الذي يمنح لبنان 860 كلم2 فقط من مجموع الـ2290 كلم2 المثبتة بخرائط قيادة الجيش، والمسندة على أسس ترسيم دولية! موقف من هذا القبيل يدفع إلى استغراب خيار بري، ويدلّ إلى إختلاف معاييره حول توصيف الحق اللبناني وماهيته، وهو فعل قد يتّخذ كذريعة من قبل الجهتين الأميركية والإسرائيلية، لممارسة المناورة وزيادة منسوب الضغط على بيروت بحجة الخلاف الداخلي، وهذه تستبطنها محاولة من قبلهما لجرّ الجانب اللبناني إلى تنازلات، بالحد الأدنى، وبالحد الأقصى تحميله نتائج وخلفيات تهاوي المسار.

والإتفاق الذي تطرحه عين التينة كمنطلق "لا بديل عنه للتفاوض"، تجزم أوساط متابعة بأنه غير قانوني، فهو كناية عن اتفاق إطار شفهي وضع لتأمين إطار تفاوض، وبالتالي ليس معاهدة ولا تنطبق عليه أصول وشروط المعاهدات. وفي حالة التدقيق يتبين أن الإطار القانوني الوحيد هو التفاوض، وبالتالي، فإن تجاوزه أو تعديله لا يرتّب على لبنان أي مساءلة قانونية، اللهم إلا سياسياً فقط، وذلك وسط تنامي الشكوك حول حرص طرف ما على عدم الخروج من وعود سابقة أسديت إلى الأميركي بضمان حرّية التنقّل ضمن إطار خط الـ860 كلم٢.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الخط رقم23، والذي بُنيَ عليه أساس اتفاق الإطار وأُدرج في المرسوم رقم 6433 وأُودعَ الأمم المتحدة عام 2011، يُعد من وجهة نظر علمية وقانونية بحتة، خطاً فيه عيوب تقنية، أي عملياً هو خط رسم بطريقة غير قانونية، ولم يراعِ قوانين الترسيم البحري. فهو انطلق بالترسيم من البحر عند النقطة 18 وليس نقطة التقاء الشاطئ مع المياه عند رأس الناقورة كما حدّدتها اتفاقية بوليه - نيوكامب عام 1923، وهو ما يمكن الإستفادة منه مثلاً بنقد اتفاق الإطار.

كذلك، فإن الخط الذي وضعه فريدريك هوف لتقسيم مساحة الـ860 كلم2 المرمّز إليها في اتفاق الإطار، أيضاً وبحسب قانونيين، نقطة غير قانونية لعدم اعتمادها في الترسيم على أبسط المعايير البحرية، بل اعتمدت على إنتاج اتفاق مخرج "كيف ما كان" لإنهاء المشكلة.

وهنا، لا بد من التذكير، بأن التفاوض على رقعة تتجاوز 2200 كلم2 من المياه، وفي حال جرى التوصّل إلى تقليص تلك الرقعة، لا يعد ذلك تنازلاً، بحكم أن الحدود البحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة غير مرسّمة، وبالتالي، فالقانون الدولي يحتّم الوصول إلى حل منصف بين الأطراف المتنازعة في مثل هذه الحالة بعد إجراء مفاوضات غير مباشرة كالتي تجري مع العدو الاسرائيلي، بخلاف الحدود البرية المرسّمة والمعترف بها دولياً والمثبتة في اتفاق الهدنة الذي جرى التوصل إليه عام 1943.

بهذا المعنى، لا بد من مراجعة بنود "اتفاق الإطار" وتصحيحها.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة