المحلية

الثلاثاء 02 شباط 2021 - 02:01

الحريري خارج المبادرة الفرنسية 

الحريري خارج المبادرة الفرنسية 

"ليبانون ديبايت" - عبد الله قمح

إذاً، الكل عاد ليضع يده في "خِرج" الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بحثاً عن حل حكومي طبعاً، وفي اعتقاد هؤلاء الساسة أن المعبر الفرنسي هو الطريق الأقصر والأضمن للتأليف، رغم أنهم أنفسهم متّهمون بالتورّط في اغتيال المبادرة الفرنسية في ريعان شبابها!

مع ذلك، يتجاهل ماكرون كل ما سلف، وعلى طريقة "فتح صفحة جديدة" مع مراعاة دروس الماضي وعِبَره، يمضي باتجاه تأمين حل "مُستدام"، للمرة الثالثة على التوالي، معتقداً أنها ستكون مختلفة، نظراً لطبيعة التغييرات التي أجراها على سلّم "خلية الأزمة" المعنية بالملف اللبناني في الإليزيه، وفي ضوء ما استجدّ على الخط الأميركي من إعادة "تفويض صلاحيات مشروط بمهلة زمنية" إلى ماكرون.

في لقائه الإعلامي الأخير على الطاولة المستديرة الباريسية، قال الرئيس ماكرون أنه "سيفعل كل ما باستطاعته للمساعدة على تأليف حكومة، حتى ولو لم تكن مكتملة المواصفات"، ثم وفي اتصاله مع رئيس الجمهورية ميشال عون، أعادَ التذكير بهذه النقاط تباعاً بالتزامن مع سماعه لوجهة نظر عون، والتي، كما تؤشّر المعطيات، لم تكن من قبيل إعادة تجديد الثقة بالحريري أبداً.

وهنا، لا بد من الاشارة إلى أن الرئيس الفرنسي، مطّلع عن كثب على الوضع اللبناني، ولا ريب في أنه قد فهم الصعوبات المتأتية من وراء استمرار الرئيس المكلّف سعد الحريري في مهمته، وبات يُدرك أن ما من إمكانية للتعاون بين الرئيسين عون والحريري في ضوء ما استجد على خط علاقتهما والتراكمات وحالة الإستعصاء التي بيّنتها ردود الطرفين خلال الفترة الحالية والماضية، سواء بالأصالة عن نفسيهما، أو بالوكالة عبر المكاتب الإعلامية والتسريبات الصحافية وكلام "الزُمر والمقرّبين"، إذ من الجنون أن يتم التغاضي عن حفلة "الردح السياسية" بمفاعليها الرجعية، والمضي في تأليف حكومة على هذا المنوال، وإذا ما قُدِّرَ لها أن تولد، لن تكون مختلفة إن من حيث الشكل أو المضمون، وستشكّل عنواناً للتخريب السياسي لا الإصلاح الذي يطمح إليه الرئيس الفرنسي، في ظل عدم قدرة الرجلين على التعاون.

عملياً، يُدرك ماكرون هذا المعطى جيداً، ولا ريب في أنه يولي الثقة بإعادة تجديد المبادرة الفرنسية فقط، كما سبق وذكر "ليبانون ديبايت" عبر إعادة تفعيل "نيو مبادرة" لن تحمل صفات السابقة، وعلى الأرجح لن يكون الحريري عنواناً فيها، وفق شهادة أكثر من طرف مواكب للحراك الفرنسي.

وفي الواقع، لم يلتزم الفرنسيون، خيار عودة الحريري إلى طرح مسألة تكليفه أبداً، بل أن رئيس تيّار المستقبل هو من بادرَ بنفسه إلى الإندفاع صوب الموقع تحت عنوان "تحقيق بنود المبادرة الفرنسية، ولكونه مرشحاً طبيعياً"، وليس سراً أنهم تقبّلوا الحريري "بناءً على ما طرحه"، بل أن السفير مصطفى أديب كان مَن حظيَ بالموقع، باستثناء رئيس جهاز الإستخبارات الفرنسية برنار إيمييه، الذي مثّل خط الدفاع الأول عن الحريري لدى الإليزيه وفي محيط ماكرون، وعمل على إقناع رئيسه بالقبول به ومساعدته.

لكن الآن، اختلفت المعايير حتى ضمن الإليزيه، فالمعلومات الواردة من باريس تفصح عن تعديلات أدخلها ماكرون على أعضاء خلية الأزمة اللبنانية في الخارجية الفرنسية وجيّر صلاحياتها لمصلحته، وهذا ينسحب على إيمييه، الذي، وبحسب المعلومات، تراجع دوره في اللجنة إلى الحدود الدنيا، وبات أقرب إلى رسول منه إلى مقرّر، مما أفقدَ الحريري بطبيعة الحال عنصراً داعماً له.  

وتجدر الإشارة إلى أن ماكرون، كان قد اكتشفَ سابقاً، وخلال فترة تكليف مصطفى أديب، أن الحريري لم يُصَنَّف من ضمن المتعاونين لإحياء المبادرة الفرنسية، على عكس ما كان إيمييه ينعته دوماً، وبشهادة تقلّباته التي وصلت إلى حدّ توريط أديب في بعض المسائل ثم دفعه للإنسحاب منها، وصولاً إلى طلب الأخير تأشيرة "هجرة من المسؤولية" مثّلت انتكاسة للسياسة الفرنسية واستياءً لدى ماكرون ما زال مستمراً، ويعمل الحريري الآن على محاولة تصحيحه من خلال تسريباته المتتالية حول نيته زيارة باريس، مع العلم أنه حتى الآن، لم يُثبت أي مصدر فرنسي وجود دعوة فرنسية رسمية لاستقبال الحريري..

أما البديل بالنسبة إلى الفرنسي في حال تهاوي المبادرة في نسختها الثالثة "المنقّحة"، فهو العقوبات الموضوعة على الطاولة الآن بشكلٍ متلازم مع مسار إعادة إحياء المبادرة، وعلى الأرجح أن يغادر الحريري موقعه الحالي، حينما يتأكد أن الإجماع حوله قد اندثر، وقبل أن يطلب الجانب الفرنسي منه ذلك إفساحاً في المجال أمام تكوين حكومة "قادرة".

وحتى ذلك الوقت، سيعمل الحريري على محاولة تثبيت نفسه من خلال الإعتماد على خدمات "سلسلة سياسية" داخلية، للقول للجانب الفرنسي أنه محل تفاهم، وعلى الأرجح أن الإليزيه سيبني تقريره النهائي في ضوء ما سيخلص إليه من الإتصالات السياسية الأخيرة، التي ربما ستقود إلى فترة سماح مشروطة بمهلة قصيرة.

من هنا، ثمة تقدير أن ما سبق وحصل في طرابلس من هَرج ومَرج سياسي، بانت خلاله أيادٍ للجميع تقريباً، وتخفى خلف حالة القهر، قد استبطنَ رسائل سياسية، عمل الحريري على تسويقها تجاه فرنسا تحديداً، تفيد أنه "حالة مطلوبة" ويمثّل في محيطه الفئة الأقدر على تولّي المسؤولية، وهو ما تُرجم عملياً بتجميع أوراق تفاوض حول المرحلة المقبلة، حتى إذا ما فَقَدَ خط دفاعه الأول في العاصمة الفرنسية، فما زال يتمتّع بخطوط دفاع "عريضة ومهمة" في الداخل اللبناني.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة