"ليبانون ديبايت" - عبد الله قمح
خمسة رصاصات من مسدس عيار 7 ملم استقرت 4 منها في رأس الناشط السياسي لُقمان سليم، كانت كفيلة بتدشين مرحلة جديدة مفتوحة على كافة الاحتمالات. في اثناء ذلك، تسود خشية من لجوء البعض، ونتيجة للمتغيرات الطارئة، إلى نسف الأجواء الايجابية التي توفرت تحت عنوان الحكومة!
الآن، ما عادَ الحديث حول تأليف الحكومة مفيداً، ولا حول ما تبناه الفقيد من أفكار سياسية وقد نالَ المسار الحكومي حصته من الرصاص المتطاير، فيما الرصاصة الخامسة من الواضح أن امتداداتها بعيدة المدى، وقد أصابت صدر المبادرة الفرنسية بالضبط.
ما يهمّ الآن هو التنقيب عن القاتل وسَوقه، فمن أطلق الرصاص ليس فرداً عادياً إنما منظومة عمل متكاملة، لأن من يقرّر أن يُعدِم باحث أو صحفي معارض لطرف قوي في البلد، يرمي من وراء فعلته إلى ما هو أبعد من اتهام ذلك الطرف، إلى ضرب جملة أهداف أمنية إجتماعية سياسية، إلى الإخلال بتوازنات.
من تعليق رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري على الجريمة، يُفهَم أن الملف الحكومي يُعَدّ من بين الضحايا. قال الحريري إن "اغتيال لقمان سليم لا ينفصل عن سياق الإغتيالات السابقة". أضاف: "كان واضحاً أكثر من الجميع ربّما في تحديد جهة الخطر على الوطن". وفي الشقّ الأول يربط الحريري الإغتيال بسياق الإغتيالات القديمة التي يُتّهم سياسياً "حزب الله" بارتكابها، وهي مراجعة تنبئ بعودة الحريري إلى سياق التوظيف السياسي القديم، أو لربما هي خطوة من أجل فتح أبواب خارجية يطمح إلى فتحها. أما في الشق الثاني، فيُحدّد موقفه أكثر ويتبنّى وجهة نظر سليم التي قدّمها مؤخراً، ويعتبر فيها أن "حزب الله" يمثّل الخطر الوحيد على لبنان.
بهذا المعنى، يمكن القول أن الحكومة أضحت في عالم الغيب السياسي، أو أنها تضرّرت، على الأقل، من طرف الحريري وجماعته، إذ لا يمكن بأي حال التلاقي في حكومة مع حزب يتّهمونه بتنفيذ جريمة إغتيال. كما أن حركة الحريري الخارجية والتي سعى لأن تشكّل عامل تعويم سياسي له هرباً من الحصار الداخلي وتعويضاً عن حالة القطيعة المستمرة تجاهه من قبل السعودية، وعدم قدرة الإمارات على إحداث خرق (هنا غير صحيح ما يردّده عناصر تيار المستقبل من أن علاقات الحريري مع المملكة جيدة جداً)، فقد سقطت هي الأخرى في متاهة نتائج الإغتيال، حيث أن ما كان يرمي إليه الحريري من دفع الأمور ناحيته وتقريشها حكومياً، انتفت أم جُمّدت أقله خلال الفترة الراهنة.
أمام هذا الإستعصاء الذي يفتح الأغلال على فترة سوداوية، حاول الفرنسيون والأميركيون إعادة إمساك الملف اللبناني وحقنه بجرعات إيجابية من خلال إصدارهما بياناً مشتركاً حيال الأزمة اللبنانية، فسّر على أنه نوع من أنواع الدفع، فشدّدَ على الضرورة الملحّة لتشكيل حكومة. فصحيح أن البيان أتى في معرض إحياء ذكرى 6 أشهر على تفجير 4 آب، لكن الصحيح أيضاً أنه، وفي توقيته، كان يستهدف ما هو أبعد من انفجار المرفأ وتداعياته... حتى ذلك الوقت، أي زمن تأليف حكومة، ستعمّ فوضى "متعدّدة الجنسيات" أرجاء الجمهورية.
عملياً، من نفّذَ جريمة اغتيال لقمان سليم، هو طرف غير غبي، يهوى اللعب على التناقضات السياسية، مشغوف في اختيار اللحظة واستغلالها، ونظراً إلى توقيت الجريمة والموقع المُستخدم و السياق الذي اعتُمِد، كما الإتهام "المُعَلّب" الذي تم توزيعه عقب لحظات من تعميم الخبر، كلها عوامل تدلّ على أن منطق التوظيف قائم، واستحضار الدماء لأجل التلاعب في أمن البلد متوفّر، والنية أبعد من الإقتصاص من معارض "شديد اللهجة".
وبعيداً عن لغة التوظيف السياسي للجريمة، يجدر البحث عن الأهداف التي يرمي إليها من أطلقَ النار ومن خلفه، وفي السياق، لا بد من كَي ألسنة بعض "الأولاد" ممّن يسبحون في بيئة الحزب، أو يدّعون انتماءهم أو انتسابهم إليه، الذين يسيئون إليه أكثر من غيرهم بفعل قصور نظرهم، أو جهلهم بالوقائع، وعجزهم عن تقدير الظروف والمخاطر وقراءتها، والدعوة إلى لجم هذا التفلّت الحاصل عبر "وضع اليد" على حسابات أبناء المسؤولين أولاً.
من هنا، يجدر التفكير جيداً بما جرى. إنه نسخة مصغّرة عن 14 شباط لكن بنسخة شيعية من حيث الاهداف والتحوّلات المرجوة منها، إنها بمثابة محاولة جرّ البيئة الشيعية إلى نفق الصراع الداخلي، إلى بركة من الرمال المتحرّكة، تحت عنوان "الخطر على معارضي حزب الله"، مما يدفع إلى الإعتقاد أن عودة الإغتيالات السياسية ستمرّ من البوابة الشيعية هذه المرة لا غيرها، وقد يدفع ذلك كل مذهب المعارضين إلى طلب الحماية الدولية من زاوية عدم الثقة بالدولة، وقد افتتح ذلك على لسان عائلة المغدور التي طالبت بتحقيق دولي، وتمنعت وضع هاتف الضحية في عهدة القضاء المحلي. هذا كله يرتّب تطوّرات دقيقة ضمن البيئة، يمكن وضعها في خانة محاولات تقليب بيئة الحزب عليه.
وفي الواقع، ما عاد سراً الحديث عن احتمال عودة الإغتيالات، إذ خلال شهر كانون الأول الماضي، وتحديداً في الثالث منه، ضجّ الوسط السياسي بمعلومات من هذا النوع، تقدّم بها أمنيون وعُرِضت على طاولة المجلس الأعلى للدفاع، وهي معلومات كشفتها تقارير أربعة أجهزة عن تهديدات جدّية عمرها أكثر من شهرين حول اغتيالات قد تطاول شخصيات من مختلف الفئات. ودفعت هذه المعطيات بالأجهزة إلى تطبيق إجراءات استباقية تقرّر في اجتماع المجلس الاعلى استكمالها بخطط يتم التعاون وتبادل المعلومات بشأنها بين الأجهزة الأمنية والعسكرية.
بناءً عليه، تعامل الأشخاص المفترض أنهم مستهدفون، من قماشة رئيس وما دون مع المعلومات بجدية ودخلوا في حجرٍ سياسي، مع ذلك تسلّل المجرمون من خلف خطوط الأجهزة، ونُفّذَت عمليتي اغتيال موصوفتين في ظرف أقل من شهرين، تحمل البصمات نفسها، "زرع الفوضى الأمنية والتخريب السياسي وتدشين مرحلة جديدة، هذه المرّة عبر استخدام الرصاص الحي لا الـTNT.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News