"ليبانون ديبايت" - عبد الله قمح
بلغَ الضغط الدولي في ملف تأليف الحكومة منسوباً مرتفعاً، وما نطقَ به البطريرك الماروني بشارة الراعي، معطوفاً على ما قاله أمين سرّ كتلة "التنمية والتحرير" أنور الخليل، لا يمكن أن يكون كلاماً في العموميات أو عابراً، بل هو ينمّ عن معطيات وردت إليهما بالواسطة ومن خلال مراجع سياسية على صلة بما تتم مناقشته في الخارج، أو عبر شخصيات خارجية بشكل مباشر.
فالشخصيتان تشاركتا في الإيحاء إلى وجود "عناصر دولية"، قد تدخل على الملف اللبناني بشكل أوسع نطاقاً من الدخول الفرنسي، وثمة عدة أسباب باتت تؤكد الدفع نحو ذلك، وتتداخل بين ما هو سياسي وأمني واقتصادي ومعيشي، وهذا عملياً ينقل الملف الحكومي إلى مستوى آخر.، مع العلم أن مرجعيات سياسية، تتكتّم على ما وصل إليها من الخارج من معطيات، ما زالت لغاية الساعة، أسيرة المجالس الخاصة.
في المقابل، رصدت منذ ساعات، "حيوية" في نشاط مجموعة من السفراء الأجانب أبرزهم المصري والفرنسي، في وقتٍ أخضعت فيه عودة السفير السعودي وليد البخاري إلى المراقبة، وهو ما لا يمكن عزله عن الحراك الخارجي نفسه.
عملياً، بات مشروع تأليف الحكومة محالاً إلى الخارج بكل تفاصيله، ما يعطيه صفة "المدوّل"، وعليه، فإن التدويل واقع في القضية أعلاه، لكن ما يُعمل على استخدامه الآن، يأتي بغرض التخويف والتلويح باتجاه المضي بتدويل الملف اللبناني بالكامل من خلال عرضه على طاولة مستديرة، ما يعني عودة البحث في امتيازات كل طائفة وجهة. وليس سراً أن ثمة اطراف محلية وانطلاقاً من ترتيبات وضعية النفوذ والإمتيازات الداخلية، تفضل عدم اللجوء إلى هذا الخيار، وتجد خطراً على نفسها ومصالحها في أي أمر مماثل، لذا هي تعمل على استخدام منطق التخويف المتخفّي تحت لغة الحثّ، علّها تدفع بعض المحميات الطائفية إلى تقديم تنازلات أقل من المتوقّع تقديمه في حال أصبحت الطاولة "أمراً واقعاً".
مع ذلك، فإن ما يحصل في الداخل هو على النقيض من ذلك تماماً. إذ بينما يتم "خَبز" الحكومة في الخارج من دون أي مشاركة داخلية تُذكر إلا من حيث تصريف منتجات خارجية "مستوردة"، يغرق هذا الداخل في الخلافات التي ما زالت تنتقل من مقرّ إلى آخر، ما ينمّ عن سوء تقدير للأجواء السائدة. أما "حزب الله" الذي عمل على "تشذيب" خطاب ميرنا الشالوحي تجاه بيت الوسط "إفساحاً في المجال أمام المبادرة الفرنسية"، فقد صُدمَ، وعلى نحوٍ مفاجئ، بتسرّب الخلاف إلى قناة بعبدا ـ ميرنا الشالوحي ـ عين التينة، في وقتٍ كان يعيد ترتيب الأوراق مع الفرنسيين على قاعدة المصلحة المشتركة في تأليف الحكومة.
وبالتالي، وعلى أرض الواقع حالياً، يتموضع الرئيس المكلّف سعد الحريري في الخارج إنتظاراً لإشارة ما قد تأتيه، وقد أزال من رأسه فكرة العودة إلى بيروت الآن، و مدّدَ إقامته أقلّه حتى الأسبوع المقبل، مصمّماً على أن تقترن باصطحابه عناصر إيجابية تفيد في دفع الأمور إلى الأمام، وهو يُراهن على إحداث صدمة إيجابية يطلقها خلال إحياء ذكرى إستشهاد والده الـ16 في 14 شباط الجاري.
ويراهن الحريري، وفقاً لمصادر مطلعة على موقفه، على جملة عوامل تتجمّع في الخارج ويُمكن البناء عليها. ولكن معطيات الحريري حيث هو تختلف عن واقع الداخل، إذ ولغاية اللحظة، لا مؤشّرات تخدم "نظرية الإختراق" تلك، بل أن ما يمكن الركون إليه، يزيد من الوضع الحكومي رتابة، والتبشيرات حيال نوعية خطاب الحريري "لا يمكن الجزم في أنها ستكون من النوع الإيجابي". وهنا، ثمة من يحيل المشهد برمته إلى منتصف شباط، من قبيل الدعوة إلى استهلال خطاب الحريري منذ الآن، فإذا كان إيجابياً، من الممكن التعويل على احتمال حدوث اختراق نوعي، أو أن البحث دخل في العناصر الأساسية التي تكفل اجتراح الحل، وإذا مال صوب الشؤم أو تميز بسقفٍ مرتفع من الكلام، معنى ذلك أن الحكومة ستبقى أسيرة الواقع السياسي، أقلّه حتى الصيف المقبل.
وما ينقص الحريري، كما تشير المصادر، هو "إشارة سعودية"، كما أنه، وعلى الأغلب، فإن الفرنسيين بمعاونة من الإماراتيين ومن المصريين الذين دخلوا حديثاً على خط ترتيب علاقة الحريري مع المملكة "بطلب فرنسي"، يعملون على نيل تفويض "مشروط ومحدود" إلى الحريري، بمعزل عن حصول زيارة إلى الرياض، وذلك بعدما اشترطت الأخيرة الموافقة على حصولها بمدى الإختراقات التي يُمكن للحريري أن يؤمّنها حكومياً، وفي طبيعة إدارته للمسألة اللبنانية وحدود علاقته مع "حزب الله"، ما يعني أن التفويض الذي ينتظره الحريري سيرد إليه شفهياً.
وفي انتظار حصول ذلك، ثمة أكثر من فريق في الداخل يعتقد، أن المحاولة الفرنسية المتجدّدة المدعومة من دول إقليمية وبتغطية من الولايات المتحدة، ستكون آخر محاولة فرنسية قبل انزلاق الملف اللبناني ـ في حال عدم تأمين حل ـ إلى مزيدٍ من التخبّط الذي يبرّر طلب دولة أو أكثر من مجلس الأمن درس وضعية الملف اللبناني، وهو فعل يتخوّف أكثر من طرف داخلي من احتمال حصوله، وعلى رأسهم الحزب الذي يعتقد أن تدويلاً كاملاً للملف اللبناني، مسألة غير قابلة للتحقّق، وترجمتها أقرب إلى "مشروع حرب".
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News