"ليبانون ديبايت" - روني ألفا
حزبُ " المَنطوحين " أكبَرُ الأحزاب اللبنانيَّة. كلُّ اللبنانيين مدعوّون للإنتساب إليه. يتيحُ الحزبُ لَهُم التأمّلَ بِجراحِهِم المَفتوحَة وتفقُّدَ نِدوبِها. داخِل البيت المَركَزي لِحزب المنطوحين يمكِنُ للُمُحازبين المنتَسبين أن يتفرّسوا بأوجاعِهِم وَجهاً لِوَجه. إنتسابُهُم وقبول طلباتِهم هما الشّرطان الوَحيدان لإلتئامِ جَراحِهِم. لا حاجَةَ لَهم في حزبِهِم للقيامِ بايِّ شيءٍ يُذكَر سِوى التأمّل بِمَعنى ما تعرّضوا لَه. مِن حينٍ لآخَر قَد يُطلَبُ منهم النزولُ إلى الشارِع إنّما سيكونُ ذلك مِن أجلِ جِراحِهم أيضاً حتّى لا يهدّد نزفُها حياتَهُم.
شِعارُ الحزب تَيسان بِقرون مروَّسَة للتَذكير بأنَّ كلّ لبناني وُضِعَ يَوماً بينَ قرونِ تَيسَينِ متناطِحَين. أن تولَدَ في الخَمسينات مِن القَرنِ الماضي يضَعُكَ أمامَ تَيسِ أيزِنهاور وتَيس عبدِ النّاصِر. مَن نَفذَ مِن صِراعِ قَرنيهِما خَرَج مهشّماً وبِندوبِ يتباهِى بإظهارِها أمام الأحفاد. في الستينات وُضِعنا بينَ قرون ستالين وقرون الرأسماليَّة. ندوبٌ أيضاً أُضيفَت عَلى أجسامِنا. وقِس عَلى ذلك تُيوساً صهيونيَّة وبعثيَّة وقوميَّة لَم تَكتَفِ بنَطحِنا. كنّا نُشاهَد على كل وسائِلِ التلفزَة نطيرُ من شدَّ النّطح ومِن نَطحة إلى نَطحَة كانَ البياطِرَةُ من المَبعوثين الدوليين يصِفونَ لَنا الدواءَ النّاجِع والضمادات المؤقَّتَة.
ما أكَثَرَ التّيوس التي تنطَحُنا هذه الأيام. تيوس بلديَّة وأخرى أمميّة. صار لَدَينا قدرَة فَريدة على وضعِ انفُسِنا وأقدارِنا ووطنِنا بين قرونِها. صرنا نستمتِعُ بالنّطح ومِن كثرَةِ المتعَة اكتسَبنا طبيعَةَ التيوس. نبَتَ لَنا في الآوِنَةِ الأخيرَةِ قرونٌ أينَ مِنها القرونُ الوسطَى. مسنّنَة وغَليظَة نخرجُ بِها كلَّ يومٍ إلى العالَم باحِثينَ عَن رجلٍ أو فكرَة أو حزب أو وطن ننطحُهُ لنستَريح.
نحنُ في غابَة بكلِّ ما للكلِمَةِ مِن مَعنى. عقلُنا يكادُ يتحوّلُ إلى عَقل تَيس وقلبُنا يكا ينبض كما قلبُ تَيس. كلُّ ما يذكِّرُنا بإنسانيّتِنا وقيَمِنا غادَرَنا ولَم يَعُد. الإيمانُ أبرزُ المُهاجِرين الذينَ تَرَكوا أرجاءَنا. الإيمانُ بأنفُسِنا. نجَحَ التيوسُ في سلبِنا كلَّ شيءٍ تَقريباً فتحوَّلْنا إلى كائِناتٍ مَنطوحَة.
أتصفّحُ هذه الأيام الإنجيلَ المقدَّس. ليسَ بِقلبٍ مؤمِنٍ فحَسب. أقرأهُ سياسياً إذا صحَّ التّعبير. قصَّةُ المَسيح وأعمال الرُّسُل مدهِشَة خارِج الدّوغما التي ما زالَت تُحافِظُ على أَلَقِها بعدَ أَلفَي سَنَة. تأمّلوا معي هذه القدرَة الفَو- بشريَّة التي أُعطيَت لأشخاصٍ متواضِعين وأُميين. هؤلاء لَم يُشكِّلوا حزباً ولا منظّمةً سريّة ولا جيشاً جرّاراً ولا ميليشيا ولا فصيلاً مسلَّحاً ولا جِهازاً أمنياً ولا دولة عُظمَى. بالعكس. تشتّتَتوا وتفرّقوا وأضطُهِدوا وهاموا على وجوهِهِم في الطرقات والأزقَّة. بالرّغم من كلّ هذا هَزَموا أمبراطوريَّة بجيشٍ جَرّار. روما زالَت وهم لَم يَزلوا.
ما ينقصُنا هوَ قلبُ هؤلاء الرّسُل. أولئِكَ الذينَ طوَّبَهُم المَسيح مَلحَاً للأرض. كانوا هُم أيضاً فرائسَ بينَ تَيسَين. تَيسُ اليَهود وتَيسُ الرّومان. لكنّهم لَم يَخسَروا إنسانيَّتَهُم ولا هجرتهُم قلوبُهُم. لَو أرادوا التشبّه بناطِحيهِم لَصاروا مثلُهُم وهزمتهُم روما.
مِن حزبِ "المنطوحين" فلنرفض التشبّه بجلّادينا لئلّا نصبِح مثلهم. حتّى ننتَصِر عَلى القُرون يَجِبُ أن نمنَعَها مِن تجربَة نَطحاتِها على أجسادِنا. أن نعمَلَ حتى تكونَ المعرَكَةُ بينَ تَيسَين لا بينَنا وبينَ قرونِ تَيسَين.
مِن المحنَة اللبنانيَّة هذه، نحنُ مَدعوّون للتمثُّل بالرُّسُل. أن نَكونَ أنفُساً متعاليَة. ألا نشبِهَ سياسيينا بِشيء. أن نقبَل بمبدأ التضحيَة ليبقَى فينا الإيمانُ على شكلِه الأنقى.
مهمّتُنا في حزبِ "المنطوحين" أن نفهَم هذا الشّعار جيِّداً ونرفضَ إدراجَنا في خانَةِ ألأضرارِ الجانبيَّةِ لِصراعِ تَيسَين أو أكثَر. هذا ما يَجِبُ برأيي أن نعمَلَ عليه في هذه السفينَة بالتعاون مَع كُثرٍ ذاقوا طعمَ النّطح وقرّروا ألا يَضَعوا أولادَهم وأحفادَهم وسطَ حروبِ القرون المتناطِحَة. نعم في " سَفينة " وهَل أخطرُ من التيوسِ المتناطِحَة على ركّابِ السّفينَة؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News