"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
بدت الأجواء خلال الساعات الـ24 الماضية شبه هادئة. الدواليب المشتعلة ودخانها الأسود غُيّبا عن المشهد، فيما بدا وكأنه فعل مقصود، مقابل سيطرة أجواء التفاؤل وسط تسيّد الدخان الرمادي المشهد، انطلاقاً من رصد "داخون" قصر بعبدا. الدولار تراجع بما يربو عن 2500 ليرة ويفترض أن يستمرّ في التهاوي، وعلى عكس الأيام الماضية، بدا وكأنه انطلق في رحلة العودة إلى ما دون الـ10,000 ليرة، شرط أن تدوم حالة الهدوء المعلَنة إلى أبعد من الإثنين، الموعد الذي حُدِّدَ بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، كي يلتقيا مجدّداً على بركة إنجاز التأليف.
عند هذه النقطة، من أسقط عامل استغلال الدولار أو غيّب أي دور فاعل له في الصراع السياسي القائم، عليه إعادة النظر في حساباته. فلولا تحليق "الرفيق الأخضر" على علو يناهز الـ 16000 قدم فوق سطح الليرة، تحت رعاية جهات سياسية معروفة أو تستّرها عنه، ما كان أي من المعنيين قد تقدم ولو بخطوة، أو كان الرئيس ميشال عون قد تلا دعوةً شفهية إلى الحريري وصفت بتخريجة بنكهة التنازل، وهو ما قادَ إلى تأمين تفاهمات على قاعدة "التوازن في التنازلات" ومصدره القصر، استؤنفَ بتنازل مقابل على الوزن نفسه، أي "جدّي ومتوازن" تولى تأمينه الرئيس الحريري.
عملياً، تجاوز كل من الرئيسين عون والحريري جانباً من تراكمات المرحلة الماضية، سيّما ما ترتّب عقب خطاب عون قبل يومين والذي وضع خلاله الحريري بين منزلتين: التأليف أو الإستقالة. فصحيح أن عون كان فجّاً في طرحه، بشهادة بعض المراقبين السياسيين، لكنه أتى بالغرض منه، أي دفع ملف التشكيل إلى الأمام. في المقابل، لم يكن الحريري مَرِناً إطلاقاً، بل تعامل بالمثل. فمن أخذ على عون أنه تعاطى باستعلاء وازدراء شديدين إزاء موقع الرئاسة الثالثة، وأهان الحريري بصفته مكلّفاً لكونه قد ركنَ إلى منطق تسطير مذكرة إحضار بحقّه بدافع جلبه إلى القصر مخفوراً دون اتباع الوسائل والأساليب البروتوكولية كالمبادرة إلى الإتصال الهاتفي مثلاً، لا يمكن له أن يستثني ردّ فعل الحريري على هذا السقف من الكلام. فلو صحّت الإهانة، فإن الحريري إنجرّ للردّ عليها وعلى الطريقة نفسها، أي التوازن، وبالتالي، أعادَ الإعتبار إلى نفسه، من خلال بيانه الذي تلا خطاب عون مباشرةً، وتضمّن سقفاً مرتفعاً وجاء على قاعدة: "أنــا وعون جُوّا أو أنــا وعون برّا" عملاً بمضمون تسوية 2016 الساقطة، والتي قادتهما إلى الحكم معاً، وبالتالي، لا بد أن يخرجا معاً إذاً. ثم أن الحريري، ورغم كل القيل والقال، نال مراده من عون. فالرئيس المكلّف ما برح الطلب من رئيس الجمهورية أن يحدّد له موعداً لزيارة القصر الجمهوري، وهذا ما حصل بصرف النظر عن الشكل الهندسي.
عند هذه النقاط، جرى "تصفير المشكلة" بين الرئيسين، ولقاء الخميس الذي دام زهاء الساعة، يؤمل منه أن يؤسّس إلى صنف جديد من التعاون تحت وطأة الخشية من ارتفاع الدولار، وانعكاس ذلك على الوضعين الأمني والإجتماعي بشهادة التقارير الأمنية التي وضعت المستويات كافة في أجوائها، سيّما بعدما كاد الشارع أن يخرج من عقاله حين شدّ سعر الصرف صعوداً، وبعدما عثر عون (أو فريقه) على رواسب سياسية في الشارع تقف خلفها أحزاب في السلطة.
في الواقع، فإن الحريري الذي حمل معه إلى بعبدا مغلّفاً أبيض اللون، ضمّ إليه خَلطة حكومية جديدة على قاعدة: صيغة من 18 وزيراً، لكن الجديد أنها أخذت في قاعدة التوازن معياراً. وهنا، تشير المعلومات المتداولة، أن الرئيس المكلّف أجرى قراءة مستحدثة على صيغته التي كان قد أودعها سابقاً لدى الرئيس، وأجرى "رتوشاً" على صعيد التوزيعة. ويُقال أن الحريري قد خصّ عون بـ3 وزراء ثابتين، وأبقى على الثلاثة الآخرين متحرّكين أي موضع تشاور بينهما. وهنا، لم يعلم ما إذا كان الحريري قد ضمّن تشكيلته مبدأ المشاركة في التسمية بين الداخلية والعدل، أو بمصير المبادرة (أو الوساطة) التي نسبت إلى رئيس مجلس النواب نبيه برّي وتولّى تسويقها المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. في النتيجة، أودعَ الحريري لدى عون "نيو - تشكيلة"، على قاعدة "مندرسها ومنشوف"، وأبلغه أنه سيعود نهار الإثنين لسماع ما لدى الرئاسة من ملاحظات وإعادة درسها إذا اقتضى ذلك.
وخلال الجلسة، بدا الحريري مستمعاً أكثر منه مبادراً، فتولى الاجابة عن أسئلة وتوجّهَ بأخرى قصيرة ومحدّدة حيال التشكيلة وطبيعتها، وقد سادة البرودة أجواء الحوار، وكما هو واضح، تبيّن أن الحريري ليس لديه أي جديد ليضيفه عمّا قدمه في الملف. وهنا يُسجّل على عون أنه وضع سقفاً وهو "التأليف الفوري للحكومة"، وقد فُسّرَ لغوياً على أنه "دعوة إلى تأليف في جلسة واحدة"، ليتراجع عنه لاحقاً بشهادة منحه هامشاً للحركة حتى الإثنين، وهو ما أعدَ سبباً لتوافر أجواء إيجابية دفعت بعون إلى الليونة والتراجع.
في المقابل، يبدو أن مسألة توسيع الحكومة إلى 20 وزيراً، قد سقطت بدورها بفعل التزام الحريري بالصيغة "الثمنطعشية"، وإلغاء مفاعيل استدارة جنبلاط نحو "العشرينية"، بشهادة تراجع "البيك" قبل أيام بعدما التقى بالرئيس المكّلف. عند هذه القاعدة، يتردّد أن تخريجة العقدة الدرزية التي ستعاود الظهور مجدداً، ستأتي على قاعدة قبول جنبلاط مشاركة إرسلان في تسمية الوزير الدرزي الوحيد، إنسجاماً مع تحسّن العلاقات بينهما، أي عملاً بالمبدأ ذاته "التنازلات المتوازنة"، وهو ما يحتاج إلى تدقيق أكثر في خلفياته، سيما وأن إرسلان كان قد سبق له وأن رفع شعاراً مفاده أن تمثيل الدروز في حكومة من 18 و بمقعد واحد، فيه إجحاف، لكون التمثيل يتدنى إلى حدود الـ5% من أصل الصيغة، وهو أدنى رقم تمثيلي يسجله الدروز في الحكومات منذ الطائف.
يبقى أن ما صرّح به الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله يُعد لافتاً. فالسيّد بدوره، خيّر الحريري بين إثنتين: إما تشكيل حكومة والأرجح العودة إلى خِيار الصيغة التكنو-سياسية وإلّا فإعادة تعويم الحكومة المستقيلة هو الخيار البديل المرجّح حتى هذه اللحظة... للبحث صلة.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب
Follow: Lebanon Debate News