المحلية

الأربعاء 24 آذار 2021 - 06:10

انقلابات بالجملة... دياب ينكفئ  

انقلابات بالجملة... دياب ينكفئ  

"

ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح

إنّه موسم الإنقلابات. سعد الحريري ينقلب على روح المبادرة الفرنسية التي دعت بداية إلى وزراء إختصاصيين مستقلين من غير الحزبيين، ومن ثم جنح صوب تسمية وزراء يعودون إلى أحزابهم ويمثلون على وجهٍ صريح وديعة الجماعة الحاكمة، داخل السلطة. وليد جنبلاط لحظَ أن في المحيط شيئاً ما يتحرّك، إستدار سياسياً صوب بعبدا، منقلباً على "معادلة الجماعة العبثية" التي تعود بِنَسبها إليه. نبيه بري انقلب على صيغة التوسعة ومبدأ الحكومات السياسة، القاعدة التي ما برح ينشدها في عزٍ القحط السياسي، وأخيراً، وليس آخراً، حسّان دياب انقلب على الموقف الذي استجدّ حيال دعوته إلى جلسة حكومية لمناقشة الموازنة.

وعن الإنقلابات لا يُمكن إعفاء الفرنسيين أيضاً من التهمة. هؤلاء الذين طرحوا بداية حكومة من مستقلين في آب 2020، عادوا وعلى إثر "الشمشطة" التي عانت منها مبادرتهم، إلى القبول بحكومة "كيف ما كان"، حتى ولو كانت "غير مكتملة المواصفات" في كانون الثاني 2021، والآن مالوا إلى القبول بأي شيء، حتى ولو أقتضى ذلك رعاية مبدأ الـ تكنو ـ سياسية!

عملياً، طغت أحداث الإثنين الفائت على إثر انفجار "بقعة زيت العلاقة" بين بعبدا ـ بيت الوسط، وما زالت على الحركة السياسية. وعوض أن يكون ثمة اتصالات وحركة وسطاء لرأب الصدع ولجم التصعيد بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، ذهبت الإتصالات والحركة باتجاه التركيز على تنفيس الإحتقان و "ضبضبة" أي احتمال لخروج الشارع أولاً، ثم رفع منسوب التنسيق داخل الشوارع المتداخلة ثانياً، وهو ما أشارت إليه الجلسات الثنائية الليلية ضمن الشارع الواحد. عملياً، يؤدي كل ذلك إلى إخماد شغف الحكومة أقلّه حتى تنجلي الغيمة السوداء، وتسيير الشؤون الداخلية بالحد الأدنى المسموح. حتى ذلك الحين ما هو البديل؟

البعض عوّل على تنازلات يقدّمها رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، فيقلّص مسافته، مقابل تقليص الآخرين لمسافاتهم، ما يسمح بالإلتقاء عند نقطة مشتركة: تفعيل حكومة تصريف الأعمال. في الواقع، كان دياب قد وضع المحيطين فيه بصورة تفكيره حيال الدعوة إلى جلسة لدرس موازنة 2021 على إثر ما شهده من مآسي تلاطم مسار التأليف، وللأمانة، لم يبلّغ الرجل موقفاً صريحاً، بل حصر التوجّه ضمن نطاق التفكير، مولّياً مقربين منه استطلاع ودرس الخيارات المتاحة، السياسية والقانونية، ليجتمع هؤلاء وبعد جهد، على خلاصة واضحة هي غياب الموقف المؤيد للخطوة.

ففي الشق السياسي وعلى المستوى السني لا قبول لدى "فيلق" رؤساء الحكومات السابقين + رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، والذي أصبح دياب يعود إليه في قضايا مشابهة، على اعتبار أنه يحوز صفة التكليف على نحوٍ جعل من الحريري رئيساً أصيلاً في ظل انكفاء دياب إلى خلفية المشهد، وفي ذلك انتقاص من صلاحيات دياب في موقعه، الذي، ورغم استقالته، ما زال يتمتع بالموقع الميثاقي، بخلاف الحريري الذي لا صفة دستورية له سوى أنه مكلّف دون أن يؤلّف. وعند هذا الجانب، لا يمكن إنكار حال الأزمة التي تعيشها حكومة دياب في الأساس منذ استقالتها. فالعديد من الوزراء باتوا في مكان آخر، ودياب هنا يُعاني من أزمة جمع وزرائه تحت سقف واحد، حتى ولو كان ذلك تحت ذريعة الحاجة ودهم المهل وكوارث الصرف بالإعتماد على القاعدة الإثنى عشرية.

وقي الشق القانوني الوضع ليس أفضل، على إثر اتضاح لدى المحيطين بدياب، أن رئاسة مجلس النواب، الراعية لمسألة التعويم القانوني الذي تحتاجه الحكومة في حالتها الراهنة، غير متحمسة لمنح هذا الغطاء، وذريعتها أنها أولاً لا تُريد أن تُسجّل سابقة لا مسوّغ قانوني لها، وثانيها أنها لا تستسيغ المساهمة في إفقاد ما بقيَ من شغف لتأليف حكومة جديدة. عن هذا الحدّ، إنتهت بل سقطت فكرة دياب بإعادة جمع "فتات" الحكومة على بركة بحث مشروع موازنة 2021، وقد بعث نهار أمس بخلاصته تلك إلى قصر بعبدا، الذي سبق له وأن طلبها بشكل رسمي، مذيلةً بالتبريرات السياسية والقانونية، على أمل أن تكون "وثيقة كاملة".

على الضفة المقابلة، ثمة من يعتبر أن دياب، لا يريد أن "يكسرها" مع نظرائه السُنّة الآخرين في موسم "القحط" السياسي الحالي، ولو أنه ـ كما ادعى سابقاً- لا يطمح لأي منصب مستقبلي، وعملاً بهذه القاعدة، لا يُريد أن يكسرها أيضاً مع شارع تصالح معه، أو مع جانب منه مؤخراً.

قبل الوصول إلى هذه النتيجة، ثمة من كان يبحث ببنود تتيح إعادة ضخ الروح في حكومة الرئيس دياب. السيد حسن نصرالله واحد من بين هؤلاء، لكن العائق القانوني تمثل في عدم وجود آليات دستورية تقود إلى ذلك، وهذه معضلة.

عند هذه الضفة، هناك من كان يطرح العودة إلى أسلوب الإستخدام الذي اعتُمدَ على إثر استقالة الحريري من منصبه من السعودية عام 2017. يومذاك، اعتبر عون بصفته رئيساً للجمهورية، أن الإستقالة في حالة الحريري "غير ناجزة"، لأنه أولاً قد أذاعها من خارج البلاد، ثم أنه لم يأتِ بها إلى القصر مكتوبة، وهو الأساس الذي قاد لاحقاً إلى إعادة تعويم وتفعيل حكومته بشكل قانوني، في أعقاب تحريره وحين أقرّ بالعدول عن إستقالة وفق تخريجة معروفة. وفي حالة دياب، ثمة عائق. صحيح أن رئيس مجلس الوزراء قد أذاع إستقالته عبر بيان وأن رئيس الجمهورية لم يصدر بعد مرسوم قبولها، لكن الرئيس، قد دعا إلى جلسة استشارات نيابية لتسمية البديل نتج عنها ظفر الحريري بحق التسمية.

وفي المعادلة الحالية أصبحنا أمام رئيسي حكومة، واحد مستقيل ويحوز على الموقع، وآخر مكلّف ولا قدرة له على التأليف، ثم لا قدرة، لا لمجلس النواب ولا لرئيس الجمهورية على انتزاع "ورقة التكليف منه"، وهو ما يجسّد معضلة دستورية حقيقية تحول دون تراجع حسان دياب عن استقالته كمقدمة لإعادة تفعيل حكومته، إن سلمنا جدلاً حول وجود رغبة لدى دياب للعودة.

في النتيجة، كل ذلك يقود إلى حالة ركود سياسي طويلة.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة