رجل يهودي أرثوذكسي متشدد يمر من أمام لوحة إعلانية انتخابية تحمل صورة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في القدس.
وكاد يحصل بذلك على الكتلة الانتخابية التي يحتاج إليها، لكن اكتفى وحلفاءه بحصد 59 مقعداً فقط، أي ينقصه مقعدان للحصول على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة، حتى وإن كانت ضعيفة.
هناك مهمة شبه مستحيلة أمام نتانياهو، وهي إقناع بن جبير ومنصور عباس بالتوصل إلى اتفاق فيما بينهم، برغم إصرار الأول على عدم تشكيل حكومة يدعمها الفلسطينيون، ناهيك عن تشكيلها برفقتهم، وسيقع على عاتق عباس أيضاً عبء تبرير إقدامه على ذلك.
بعد 15 دقيقة فقط من إعلان التاسعة صباحاً الذي قلب الانتخابات الإسرائيلية رأساً على عقب، صرّح الوزير تساحي هنغبي من حزب الليكود بأن حزب نتنياهو مستعد لتشكيل ائتلاف قائم على دعم عباس لكن دون مشاركته في الحكومة.
قال هنغبي على محطة Channel 12 التلفزيونية: "عباس بنفسه قال إنه لا يريد أن يكون عضواً في الحكومة. لا يمكننا أن نضم في تحالفنا نائباً برلمانياً عربياً يمثّل حزباً يرفض الهوية الأساسية لدولة إسرائيل باعتبارها جمهورية ديمقراطية يهودية". وأضاف: "لكن يمكننا قبول دعم خارجي منهم في مقابل بعض الفوائد التي يحصل عليها الجانب العربي".
ربما لا يمثّل ذلك الشعور السائد داخل حزب الليكود، لكنه يهيّئ الرأي العام لأمر غير متوقع ولا يمكن تصوره لليمين الإسرائيلي، لكنه قد يكون ضرورياً لبقاء زعيمه في السلطة.
أو ربما هذه هي الطريقة التي يُعد بها المشهد للوصول لأعضاء المعسكر المناهض لنتنياهو، وتشجيعهم على التنازل عن مواقفهم من أجل "إنقاذ إسرائيل" من ذلك الموقف السياسي العصيب، من أجل مصلحة البلاد بكل تأكيد.
وقبل كل شيء، هناك أيضاً احتمالية إجراء جولة خامسة للانتخابات، وهي فكرة لا تُطاق. لكن سيُقال للإسرائيليين مجدداً إن ذلك "من أجل بلادهم".
في الوقت الحالي، لا تزال كتلة "التغيير" التي تجعل شغلها الشاغل إسقاط نتنياهو غير ذات صلة بتلك الأحداث. على أسوأ تقدير قد يبحث نتنياهو من بينهم عن بعض الأعضاء الذين يقبلون الانضمام إلى كتلته الانتخابية للوصول إلى 61 مقعداً لتشكيل الحكومة، وقد ألمح نتنياهو إلى ذلك بالفعل.
إذا نظرت إلى الأمور من كل الزوايا، يبدو أن إسرائيل على وشك تشكيل أكثر حكومة راديكالية في تاريخها على الإطلاق. وإذا تحقق سيناريو الجولة الانتخابية الخامسة الكارثي، لن تكون النتائج جيدة.
ربما الشخص الوحيد الذي قد يكون مهتماً بفكرة الجولة الانتخابية الخامسة هو بيني غانتس، رئيس حزب أزرق أبيض, لأن هذا السيناريو يمنحه رئاسة الوزراء بالتناوب وفقاً لاتفاق التحالف الذي لا يزال سارياً مع نتنياهو.
قال مصدر من حزب الليكود لموقع Middle East Eye إنه لا يزال يعتقد أنه برغم شراكتهم المؤلمة في الحكومة المنتهية ولايتها، قد ينضم غانتس إلى تحالف نتنياهو المستقبلي.
وقال المصدر: "لا نعتبر غانتس وحزبه من المعارضة، إنهم فاعلون بطبيعتهم، ونعتقد أنهم سيكونون إلى جانبنا".
وفي المقابل، أسرع جدعون ساعر، رئيس حزب "أمل جديد" إلى إعلان "التزامه بعدم الانضمام لتحالف نتنياهو والبقاء في المعارضة في حالة إعادة التصويت".
وأدت أربع جولات من الانتخابات في فترة عامين إلى شعور الإسرائيليين بالحيرة والارتباك.
هناك بعض التوجهات التي تستحق اهتماماً خاصاً: لا يحظى المواطنون الفلسطينيون في إسرائيل بالتمثيل الكافي، إذ حصلت القائمة العربية المشتركة على ستة مقاعد فقط بينما حصل عباس وقائمة "راعم" على خمسة مقاعد، في تراجع كبير عن الخمسة عشر مقعداً التي حصل عليها العرب في آذار 2020.
لا يمكن أن تمر التغييرات التي يشهدها المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل دون انتباه. ربما حان الوقت لإحياء فكرة وجود حزب فلسطيني يهودي حقيقي وقوي, المفارقة أن نتنياهو، دون قصد، مهّد الطريق بطريقة غريبة، وقبيحة، أمام شراكة من هذا النوع.
ظهر تيار يسار الوسط أقوى من التوقعات، بعدما أشارت كل استطلاعات الرأي تقريباً إلى عدم حصول اليسار على أي أصوات، وهو ما لم يحدث.
حصل حزب ميرتس على خمسة مقاعد، وحزب العمل على سبعة. بينما كانت المفاجأة الكبرى هي حصول حزب أزرق وأبيض، بقيادة غانتس، على ثمانية مقاعد.
يتضح من ذلك أن اليسار لا يزال على قيد الحياة، لكنه في المقابل لا يقدم أي بديل عن حكم التيار اليميني. يحتاج اليسار إلى إعادة تشكيل هويته وإعادة تحديد دوره في المعارضة ضد التحالف اليميني الراديكالي.
حاول كل من ساعر، رئيس حزب "أمل جديد"، ونفتالي بنت، رئيس حلف اليمين المتحد، النأي بأنفسهم عن التركيز اليميني المنصبّ حول شخص نتنياهو، وتشكيل تيار يميني موجّه للدولة، على غرار حزب الليكود عندما أسسه مناحم بيغن وما كانت عليه الصهيونية القومية الدينية القديمة. لكن حصول ساعر على ستة مقاعد وحصول بنت على سبعة مقاعد يثبت أنها مهمة مستحيلة. هذا التيار اليميني المزعوم لم يعد له وجود. لقد غيّر نتنياهو (والتركيبة السكانية) ماهية اليمين الإسرائيلي، لفترة طويلة مقبلة، إن لم يكن إلى الأبد.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News