المحلية

السبت 22 أيار 2021 - 06:38

هل يصدق جنبلاط وينتقم بشّار؟

هل يصدق جنبلاط وينتقم بشّار؟

"ليبانون ديبايت" - ميشال نصر

من زوبعة "وهبة والبدوان"، إلى زوبعة "جعجع والأسد"، وما بينهما من خيم استنكار ومزايدة، مبايعة وانبطاح، لم يكن ينقص المشهد اللبناني إلا "إعلان" عودة سوريا للإمساك بالورقة اللبنانية من جديد، لتندفع دمشق في استعراض قوة، عنوانه الشكلي إنتخابات رئاسية، فيما مضمونه "نَفش ريش" الحلفاء، لـ "ردّ الإجر" لفريق "ثورة الأرز" المشتّت "خِلقة"، مضيفةً إلى التشنّج تشنّجاً والإحتقان احتقاناً، تاركةً عشرات الأسئلة دون إجابات، أقلّه حالياً، وقد يحتاج إلى مزيد من الوقت قبل أن تتبلور الصورة، وتظهر الخيوط البيضاء من تلك السوداء.

وأبعد من أرقام المبايعين والممانعين، ومن المواجهات التي شهدتها مناطق محسوبة تاريخياً على المقاومة اللبنانية، وما استتبعته من تهديدات وسجالات بين الأطراف اللبنانية، ثمة الكثير من القِطب المخفية، يمكن فكفكة رموزها من خلال بعض الإشارات:

ـ لو كانت الإنتخابات، قضيةً تقنيةً بحت، كما يجري في باقي السفارات، التي بالكاد يشعر بها اللبنانيون، لجرت بهدوء وعلى "السَكت"، دون إشكالات أو عراضات إستفزازية، "لم يسترجي" سوري على فعلها في أي دولة أخرى عربية أو أجنبية. ومردّ حليب السباع يعود بالدرجة الأولى إلى حلفائه في الداخل، الأقربين والأبعدين.

ـ أراد النظام السوري، من خلال مسرحية التصويت خارج سوريا، عرض عضلاته بعد عشر سنوات من "الحرب الكونية" ضده، والإثبات للعالم نظرية "الأسد أولاً وأخيرا"، مدعّماً موقفه بالتسريبات الإعلامية التي بدأت منذ فترة، حول اتصالات سعودية - سورية، يتحدّث المطلعون على أجوائها عن "تضخيم مقصود" لحجمها، ولما وصلت إليه وصولاً إلى نتائجها.

كل شيئ كان يوحي بأن الرسالة ستصل وستكون مدوّية، إلى أن كانت المفاجأة، نسبة اقتراع ضئيلة جداً، حيث لم يتعدَّ، بحسب مراجع أمنية، عدد المقترعين عتبة الثلاثين ألف ناخب من أصل 850 ألف سوري موجودين في لبنان، وفقاً للمتفائلين ومليون ومئتي ألف بالنسبة للمتشائمين. ما يعني عملياً أن نسبة المشاركة قطعت الطريق على خطط النظام، فانقلب سحر المبايعة على صاحبها. وهنا، تكفي المقارنة مع نسب عام ٢٠١٤ لاكتشاف الكثير.

ـ نجاح "القوات اللبنانية"، سواء بقرار منفرد منها، أو بدفع من جهة خارجية ما، لا فرق في توجيه ضربة للمشروع السوري الجديد، وسط الحديث عن عودة لنفوذ دمشق إلى بيروت، فأخذت بصدرها كرة النار تلك، حيث أدّت الإشكالات المتنقّلة من الذوق إلى الأشرفية مروراً بنهر الكلب إلى إرباك حركة الناخبين، وخلق أجواء متوترة سمحت بخفض نسبة المشاركة، دون إغفال عدم حماسة الكثيرين أساساً، والتي بدا واضحاً من أجواء الشارع أن أحداً من الأطراف الأخرى لم يكن "زعلاناً" لا من الخطوة ولا من نتائجها، سواء على الصعيد الدرزي أو السنّي، وحتى في أوساط "التيارالوطني الحر"، لتخرج بذلك معراب بنتيجة واحد صفر مسيحياً ووطنياً، أقلّه حتى الساعة، وبتأييد مسيحي واضح لما قام به مناصروها.

ـ وجهة نظر رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، واعتباره أن عدد الثلاثين ألفاً جاء نتيجة تجييش وضغط المخابرات السورية، متخوّفاً من أن يعمد النظام في دمشق إلى سحب جوازات سفر وهويات المقاطعين للإنتخابات، ما سيضع لبنان أمام مشكلة حقيقية وخطيرة عندها، ستجعل من المستحيل عودة هؤلاء إلى سوريا، وحتى انتقالهم إلى خارج لبنان. فهل تصحّ مخاوف "بَيك" المختارة، وتقدم دمشق على خطوتها تلك؟

ـ الفرح الضمني لـ "حزب الله" من النتيجة، التي صبّت في مصلحته أولاً وأخيراً، ذلك أن السوري القوي في لبنان سيأكل من صحنه وحيداً، رغم أن حارة حريك عادت واستلحقت نفسها ببيان "آخر السهرة".

ـ أما الدولة اللبنانية، فعلى عادتها دائماً، في موقف المفعول فيها، رغم أنه حان الوقت لاتخاذها إجراءات عملية. فأمس أجمعت المواقف، من خلال معظم التعليقات، على أنه طالما أن معظم السوريين في لبنان يؤيّدون الرئيس الأسد، فلماذا لا يعودون إلى سوريا، وتحديداً إلى المناطق الآمنة تحت سيطرة النظام السوري؟ ولماذا يبقون في لبنان كنازحين؟ وما الغاية من ذلك؟ وإذا لم يعودوا طوعاً، أما لبيروت أن "تشدّ ركابها" وتضع هذا المطلب ضمن أولويتها، في ظل اقتصاد منهار غير قادر على تحمّل وجود أكثر من مليون نازح سوري، معظمهم "من جماعة" النظام، ولا تنطبق عليهم وصفة النازح "لا بالطول ولا بالعرض".

فالأمر بات أبعد من اتخاذ إجراءات أمنية على قياس السفارة، تعطّل حياة آلاف اللبنانيين وتعرّضهم لمواقف هم بغنى عنها، فالسماء والصيف تحت سماء واحدة لم تعد مقبولة، فعلى المعنييّن في الدولة اللبنانية، أن يفرضوا على السفارة السورية، إقامة مهرجاناتها المقبلة في رقع جغرافية لا تعرّض مصالح الشعب اللبناني للتعطيل، وبعيداً عن مقار ممنوع حتى على اللبنانيين التنقل في محيطها بحرية.

غير أن الإشكالات التي تنقّلت من ساحة إلى أخرى خلال النهار، تخطّت المناطق الشرقية، وحطّت رحالها مساء في طرابلس، التي تحرّكت "نصرة" لكسروان والأشرفية، قبل أن تدخل "المولوتوف" مسرح المدينة، فحُرق إقليم كتائب طرابلس، ومستوصف تابع لمقرّب من "القوات اللبنانية"، تزامناً مع إطلاق "إينرغا" باتجاه جبل محسن، التي شاركت حافلاتها الإنتخابية في اشتباكات النهار.

وهنا تُطرح الكثير من التساؤلات، من هي الجهة الثالثة التي دخلت على الخط؟ ولماذا استهداف الكتائب في الوقت الذي تبنّت فيه "القوات" مسؤولية الاشكالات؟ وهل أن الطرف نفسه الذي رمى "المولوتوف" هو من أطلق "الإينرغا"؟ ولماذا استخدام الساحة الطرابلسية تحديداً؟ هل المطلوب مزيداً من الشرخ بين بكفيا ومعراب؟ أم فتنة سنية - مسيحية تُخرج الأحزاب المسيحية من المدينة؟ الأخطر في كل ذلك، إنتشار فيديو لسوري يطلب معلومات عن أحد العسكريين اللبنانيين، عارضاً دفع المال كمكافأة لمن "يصفّيه".

إنتهت "الهمروجة"، وبدأت تتظّهر تداعيات المشهد وما أفرزته من حقائق ووقائع، تفرض أجندتها على جميع المؤثّرين والمتأثرين. فنظرية "أنا أو لا أحد" و"ما في بالميدان إلا حديدان"، وانتخابات أل ٩٩٪ ولّت إلى غير رجعة... وحدها الدولة اللبنانية رايحة والناس كلّها راجعة، فهل عادت حليمة لعاداتها القديمة؟ يسأل الشاطر حسن، ليستدرك، "وعنا كمان إن عدتم عدنا".

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة