فتات عياد
في مثل هذا اليوم منذ سنوات، أعلن حزب الله انتصاره على اسرائيل، كان هذا في حرب تموز 2006، والتي راح ضحيتها 1109 لبنانياً غالبيتهم من المدنيين، إضافة إلى 4399 جريحاً، ونحو مليون مشرد، مع حجم خسائر قدرت بحوالي 1.6 مليار دولار، عدا عن أضرار البنى التحتية، ونفقات إعادة الأعمار. والحرب التي أطلقت شرارتها بأسر الحزب لجنديين إسرائيليين، انتهت بمقولة شهيرة لأمينه العام، السيد حسن نصر الله "لو كنتُ أعلم"!
وتغيرت لهجة الحزب بعد 15 عاماً، فها هو ممسك بمفاصل الدولة، و"يعلم" كل شيء، فهو يعلم أسباب مشاكلنا الإقتصادية، إذ أن "أميركا تمنع عنا الدولار"، ويعلم كيف تُحل أزمة الوقود، إذ أنه علينا شراؤه بليرتنا المنهارة، "من إيران"، ويعلم كيف يحافظ على أمننا الغذائي، عبر الزراعة "على الشرفات". ويعلم ماذا يوجد في مرفأ حيفا، لكنه لم يكن يعلم بنيترات مرفأ بيروت، ويبدو أنه "لا يعلم" أن البلاد في حالة "انهيار" يقترب من الإرتطام. وإلا، لماذا قال نائب الحزب محمد رعد أمس أن "الأزمة شارفت على الإنتهاء"؟
ولفهم أعمق لـ"رؤية" النائب رعد، لا بدّ من flashback سريع. فقد أرسى الحزب بعد عدوان تموز قواعد اشتباك جديدة في المنطقة، سواء مع العدو الإسرائيلي من جهة، عبر توازن الرعب، أو مع المجتمع الدولي من جهة، كونه جزء من نفوذ المحور الإيراني في المنطقة، وسواء في الداخل اللبناني، بعدما بات اللاعب السياسي الأقوى، إثر ترجمته لانتصاره داخلياً يوم 7 أيار 2007.
والمشترك بين حرب تموز والـ"ميني-حرب" في بيروت والجبل، أن أداة "انتصار" الحزب كانت سلاحه في المعركتين. مع فارق في نوعية الأسلحة، ونوعية الخصوم! فأسلحته مع إسرائيل كانت بعيدة المدى، أما في بيروت، فانغمس الحزب في "حرب الشوارع"، تماماً كما فعلت الميليشيات اللبنانية في الحرب الأهلية.
وفي معركته الداخلية، غلب الحزب أبناء وطنه، لكنه خسر تأييداً واسعاً لهذا السلاح، ما أكسبه عداوة من قبل قسم كبير من اللبنانيين، الذين باتوا ينادون بنزعه، وتطبيق القرار الأممي 1559.
الحزب... ليس "وحده"!
عقد ونصف من "الإنتصارات" التي لم يتوان حزب الله عن المفاخرة بها، هو الذي حافظ على "توازن الرعب" مع جيش العدو حتى بعد انغماسه في حربي سوريا واليمن. أما ترسانته العسكرية، فلا عجب إن كانت من موضوعة –تحت- طاولة الحوار الأميركي-الإيراني في فيينا، وتحديداً في المفاوضات حول الصواريخ الباليستية لأذرع إيران في المنطقة.
وفيما الدولة اللبنانية غارقة في انهيار لا "مكابح" له، وفيما وصلت أرقام الدين العام نهاية شهر آذار 2021 إلى 97.26 مليار دولار، وخسرت الليرة اللبنانية 87% من قيمتها، وسط انسداد الأفق في الملف الحكومي، يأتي تحذير قائد الجيش العماد جوزيف عون من انحلال المؤسسات في لبنان بما فيها المؤسسة العسكرية، مصحوباً بمساعدات دولية لمؤسسة الجيش، ما يعني أن السقوط الكلي بات وشيكاً، والتعويل محصور بالمساعدات الإنسانية المباشرة، ودعم الأجهزة الأمنية لـ"إدارة الإنهيار"، لا "لجمه"!
وهذا التدهور لمفهوم الدولة ومقوماتها، لا يعني أن الدولة اللبنانية كانت "صلبة" البنية، أقله في الـ30 عاماً الماضية، فالجمهورية التي نفضت عنها غبار 15 من الحرب الأهلية، حكمها أمراء الحرب نفسهم، فأوصلوها إلى ما هي عليه اليوم من "أشباه" الدولة.
ويمكن اختصار أسباب الإنهيار الحاصل اليوم بثلاثة مسارات أساسية: والمسار الأول هو النظام الاقتصادي الريعي منذ ما بعد الطائف، الذي فاقم الفوارق الاجتماعية على حساب العدالة الاجتماعية والإقتصاد المنتج. وعزز قبضة الأوليغارشيات الحاكمة، ومنها الأوليغارشية المصرفية.
والمسار الثاني هو الفساد وسوء الإدارة والمحسوبيات والرشاوي، والتي نخرت بالدولة ومؤسساتها، فقطاع الكهرباء وحده كلّف الدولة ديناً تجاوز الـ40 مليار دولار.
أما المسار الثالث، فهو تآكل الدولة من قبل الدويلة، بمعنى آخر، بروز حكم الدويلة التي تعتاش على أنقاض الدولة. فحزب الله استثمر في سلاحه سياسياً، ولم يعزز وجوده عبر أسباب أيديولوجية استمدها من كونه تمدداً للثورة الإيرانية وحسب، بل من دورة اقتصادية ارتكز بجزء منها عبر الدعم الإيراني لمقاتليه، وبجزء آخر عبر توغله في الدولة ومزاريب فسادها. كالتهريب عند الحدود وتعاظم السوق السوداء للدولار.
وكل العوامل الآنفة الذكر، اتّحدت معاً، فغذّى بعضها الآخر، على حساب "الدولة". من هنا يفهم سبب قيام الحكومات "التوافقية" في لبنان، وقيام اتفاق مار مخايل الذي غطى عبره التيار الوطني الحر حزب الله مسيحياً، فكان الرئيس القوي، و"العهد القوي". ومن هنا أيضاً يفهم تعويم حزب الله للرئيس سعد الحريري، وريث "الحريرية السياسية"، كمرشحه المفضل لرئاسة الحكومة!
حرب نفسية
ولم يخجل نصر الله من إعلان 7 ايار "يوماً مجيداً"، هكذا يوظف الرجل كل معارك حزبه، الميدانية وغير الميدانية، كـ"انتصارات" معنوية، لا بل أن تحمّل اللبنانيين للفقر والعوز، يستحيل "كرامة" و"انتصاراً"!
كيف لا ونصر الله يدرك أهمية الإعلام ويعرف كيف يستخدمه؟ هو الذي دعا في آخر خطاب له إلى "تجديد الخطاب الإعلامي لمحور المقاومة وتطوير المواجهة الإعلامية، كما في المواجهة العسكرية"؟ لأنه "في المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأميركية، لا يجوز تفكيك المواجهة"؟
ويفهم اهتمام حزب الله بالإعلام كجزء من الحرب النفسية التي يمارسها على خصومه، والإعلام هو "الدعاية" الحربية، التي لم يغفلها الحكام على مر التاريخ. من هنا قول نابليون بونابرت أن "حرب العقل أقوى من حروب الأسلحة".
لكن الحزب لا يمارس الدعاية النفسية على عدوه وحسب، بل حتى على بيئته الحاضنة، هو الذي يرى بـ"التجويع والوضع الاقتصادي من أدوات تأليب البيئة الحاضنة على المقاومة"، متجاهلاً الأسباب الحقيقية لانهيار الإقتصاد اللبناني، ملقياً التهمة على "الحصار الأميركي" الذي يهدف برأيه إلى "إثارة الشعب اللبناني وبيئة المقاومة على المقاومة".
في المقابل، لم يغفل نصر الله أهمية "السوشال ميديا". فالدعاية هنا تواكب التطور التكنولوجي، ويتولى الذباب الالكتروني قيادتها. كل هذا للحفاظ على الاندفاع لدى أبناء الحزب من المقاتلين والمدنيين، بهدف "المحاربة" من أجل "القضية"، و"كسب الحرب".
فعوض ان يطالب المؤيد للحزب بتوفير شروط حياة افضل، يرى بخضوعه للذل "كرامة" و"نصراً" و"واجباً"، في سبيل "القضية"! هي ليست حرب سياسيي لبنان على شعبه إذاً. بل هي حرب أميركا على حزب الله وما على المناصرين إلا الصبر!
ونصر الله الذي رأى أنه "من أهم نقاط قوة إعلام محور المقاومة، الصدقُ في نقل الخبر والوقائع والحقائق"، يُسأل عن "الصدق" فيما قاله النائب رعد، عن أن "جمهورنا يدرك ان ما يتحمله هو جزء من معركة الصبر والصمود على العدوانية الاميركية ورغم كل معاناته يمتلك الامل في تجاوز هذه الازمة ونحن اصبحنا على مشارف نهاية الأزمة". ويسأل كذلك عن طمأنة رعد للناس في أوج الأزمة، عدا طبعاً عن كون الحزب طرفاً من الأطراف المسببة لها!
"ولبنان كله يذهب إلى الموت"، قالها نصر الله، فلماذا أنكرها رعد؟ أم أن موت لبنان الدولة بحد ذاته انفراجة للحزب؟
ثلاثة أبعاد
ورعد الذي اعتبر أن "الأزمة التي نعانيها في لبنان جزء اساسي منها هو المواجهة". يُفهم من حديثه دعوة الناس للصمود على شروط عيش لا تطاق. و"نحنا ما مننهار"، لكن من الذي أوصل لبنان حدّ إشارة وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس الى ان "اسرائيل تتواصل مع قوات اليونيفيل لتقديم مساعدات إلى اللبنانيين ومستعدون للمساعدة لعودة لبنان للازدهار من جديد"؟ أليس كل من ساهم في إذلال اللبنانيين حد الموت من شح الدواء؟
في المحصلة، تنطوي عبارة رعد على ثلاثة أبعاد أساسية، هي:
- حزب الله الدويلة سيقبض أكثر وأكثر على الدولة بعد تحللها بالكامل. من هنا يفهم صدور توصية عن لجنة الدفاع والقوات المسلّحة في البرلمان الفرنسي، حول إرسال قوات دولية إلى لبنان، لتعزيز دور الجيش اللبناني، القوة الشرعية الوحيدة.
- الحزب يعيش في فقاعته: وهو بدأ بحصر مساعداته، ويركز مساعداته على عائلات مقاتليه، وأبرز الامثلة بطاقة "النور" للأدوية، والتي يستفيد منها المنتسبون للحزب عبر بطاقات حصراً.
- يركز الحزب على الإعلام لتضليل جماهيره وممارسة سياسة الهروب الى الامام. هي حرب نفسية على جماهيره قبل خصومه!
وإذ توجه نصر الله إلى المستعجلين على نزع سلاح "حزب الله" بالقول،"عليهم أن يقرأوا التاريخ والإنجاز اللبناني بعد التحرير هو الحماية والردع وهذا الأمر موجود باعتراف العدو". يسأل نصر الله عن أي "حماية" يوفرها الحزب اليوم، لجمهوره على الأقل، وأي ردع هذا الذي يمارسه وضد من. فالجوع أيضاً عدو للإنسان، و"لو كان رجلاً لقتلته"، يقول الإمام علي!
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News