جورج طوق
لا أحد يعلم كيف تصل مواد، صافية النوايا، إلى ربوعنا، ثمّ تنتهي غاضبةً خطرةً وقاتلة. مواد تُفقدها ظروف الإقامة عندنا طيبتها وصبرها. منها ما وصلت بنِيَّة تخصيب التربة في قلب الحقول، فانفجرت، كاليورانيوم المخصّب، فوق الأسفلت والأسمنت في قلب بيروت، ومنها ما جاءت لتوصل الناس إلى وجهاتهم اليومية، فأوصلتهم إلى وجهتهم الأخيرة. ربما، تزيل المقولة اللبنانية الشهيرة "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت" بعضاً من الغموض عن ذلك اللغز. فالمواد، ما إن تنوي الحلول بيننا، حتّى تعاشر صفوة الكَذبة والقَتلة واللصوص في البلاد، وعِشرة القوم، كما يُقال عندنا، أربعون يوم.
خطفت أطنان النيترات والوقود، مؤخّراً، أضواء حفلات القتل، فيما تتكدّس، فوق الرخام اللمّاع والكراسي المخملية في قصورٍ فارهةٍ، موادٌ عالية السمّية والخطورة والفتك؛ زعماءٌ موضَّبون ومخزّنون،منذ عقود، بأفضل شروط الحفظ.
في عالم الكيمياء، تدخل المحفّزات الكيميائية على تفاعل عناصر مختلفة، تزيد من سرعته وحِدّته لتصنع انفجاراً قاتلاً وتخرج سالمةً موفورة. حصل ذلك بانفجار مرفأ بيروت. دخل الساسة على ساحة النيترات مع أولى نوايا استجراره نحونا، حفّزوا وفجّروا ودمّروا وقتلوا وخرجوا سالمين موفورين.
يلعب زعماؤنا دور المحفّزات الكيميائية. يدخلون على كلّ المواد والمركّبات الكيميائية والمدنية والإجتماعية والتجارية والأمنية والتشريعية والتنفيذية والقضائية والدينية والمعيشية، يزيدون من سرعة وحِدّة تفاعلها، يفجّروها ويخرجون منها كالشعرة من العجين. لا يُصابون ولا يخسرون، لا يندمون ولا يُحاسبون، لا تطالهم حماوة لهبٍ ولا مطرقة قانون. يُفجِّرون ويَفجُرون، يُخلفون الضحايا ثمّ دورها يلعبون.
لم يفجّر أمراء الحكم عندنا النيترات ولم يحرقوا البنزين. لم يبخسوا الليرة ولم يخطفوا الثمين. لم يحجبوا المدّخرات ولم يحتكروا الطحين. لم يفرضوا المولّدات ولم يُشرّعوا التقنين. لم يقطعوا الغابات ولم يكسدوا التفاح والعنب والتين. لم يُرَحِّلوا الأطباء والممرضات ولم يمنعوا البنسيلين. هم حفّزوا العطب والعفن والحقد والركود والنار والإحتكار، وداموا آمنين سالمين.
على عكس النيترات والبنزين ومواد خطرةٍ أخرى، تعلو خطورة هؤلاء الزعماء مع تحسّن شروط حفظهم. شروطٌ مثاليةٌ تؤمنها لهم غرائزنا وعواطفنا البدائية وأصواتنا الخافتة العالقة في صندوقٍ يحجب متطّلبات عيشنا ويلبّي استدامة خطورتهم. كان من الأجدى لو حفظنا النيترات والبنزين والمواد الخطرة الأخرى في البرلمان والسرايا والقصر الرئاسي، وحفظنا كلّ الزعامات المحفّزة للعطب والتفجير والنهب والتدمير والكذب والتهجير في عنبرٍ رطبٍ وحارٍ فوق مراسي بيروت، أو ربّما في إحدى عنابر المبنى (و) المخصّص لمجرمي الإرهاب في سجن رومية المركزي.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News