التحري

الثلاثاء 19 تشرين الأول 2021 - 13:12

آموس هولشتاين في بيروت هذا الأسبوع... وعون يرغب باستئناف مفاوضات الترسيم وفق شروطه!

placeholder

فتات عياد - التحري

مرّ أكثر من عام على دخول لبنان مفاوضات غير مباشرة مع اسرائيل لترسيم حدوده البحرية، المفاوضات ذات الجولات الخمس التي توقفت في أيار الماضي بسبب شروط مسبقة لتل أبيب رفضتها بيروت، كان يمكن للبنان استئنافها بسهولة لو وقّع رئيس الجمهورية عون مرسوم تعديل القرار 6433 بهدف توسيع حدود المنطقة البحرية المتنازع عليها من 860 كلم الى 2290، ودعم موقف الوفد العسكري المفاوض من جهة، وإجبار اسرائيل على وقف أعمال الحفر والتنقيب في هذه المنطقة من جهة أخرى. وصحيح أن عجلة المفاوضات قد تستأنف قريباً بحماسة أميركية، حيث يحط آموس هولشتاين في بيروت هذا الأسبوع وسيطاً جديداً في الملف بديلاً عن جون ديروشيه، لكن الحماسة اللبنانية المستجدة لا تدعو للطمأنينة!

وفي وقت فُهم فيه عدم توقيع الرئيس عون لتعديل المرسوم 6433 الذي وقعه وقتها رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب على أنه تفريط بحقوق لبنان البحرية، بهدف استخدام الملف كورقة تفاوض مع الأميركيين لتحسين مكاسب سياسية، تزامناً مع فرض الولايات الأميركية -الوسيط في المفاوضات- عقوبات على صهره رئيس تكتل لبنان القوي النائب جبران باسيل، عاد عون ليعلن عن رغبته منذ أسابيع باستئناف المفاوضات، ليُطرح السؤال "شو عدا ما بدا؟".

وفي حين تستغل اسرائيل توقف المفاوضات لتوسيع دائرة حفرها وتنقيبها عن النفط، ويتمسك الجيش اللبناني بإطلاق يده كوفد عسكري أوحد في المفاوضات، يبدو أن لعون خيارات ونوايا مبطنة، بدأت تتظهر شيئاً فشيئاً في أكثر ملفات لبنان السيادية حساسية وخطورة...

قصة الخط 29

وتبلغ مساحة المنطقة المتنازع عليها 860 كلم2، بحسب الخرائط المودعة من جانب لبنان وإسرائيل لدى الأمم المتحدة. وكان لبنان يفاوض وفق المرسوم 6433 الصادر في حكومة نجيب ميقاتي عام 2011، الذي يتبنى الخط 23 كحد فاصل، لكن الوفد اللبناني العسكري يفاوض على مساحة تبلغ 2290 كلم2، وفق ما يعرف بالخط 29. بزيادة 1430 كلم2.
ويستند الجيش للخط 29 الذي ينطلق من رأس الناقورة وحدود 1923 مع فلسطين، والخط الوسطي المعتمد في قانون البحار. في دراسة قام بها، تتقاطع مع دراسة للمكتب الهيدروغليفي البريطاني.

وقد أودع لبنان منذ أسابيع شكوى لدى الأمم المتحدة، تحسباً من تنقيب اسرائيل في المنطقة المتنازع عليها، لكنها غير ذات مفعول تجميدي، على عكس تعديل الإحداثيات البحرية الذي يتجنبه رئيس الجمهورية، الذي وبمجرد وضعه لدى الأمم المتحدة، تتوقف شركات التنقيب عن عملها، مما يجبر اسرائيل على العودة للمفاوضات!
وتفاوض إسرائيل وفق الخط 1، بينما تدعم الولايات المتحدة خط هوف الذي يتوسط الخطين 23 و1، ويقضي بتقاسم المنطقة 860 كلم2، على أن يعطى لبنان حوالي 500 كلم2. بينما من الطبيعي أن يحصل لبنان على أكثر من هذه المساحة إن جرى التفاوض وفق الخط 29، إذ كلما كبر الهامش التفاوضي، كلما زاد الربح!

تطورات خطيرة

ويبدو أن المفاوض الأميركي على عجلة من أمره قبل حسم الملف النووي مع إيران، وتقسيم النفوذ السياسي والاقتصادي في المنطقة بعيد الانسحاب العسكري الأميركي منها. وأخطر ما في التطورات على صعيد الوسيط الأميركي، هو تعيين آموس هولشتاين الذي خدم في الجيش الاسرائيلي، ويحمل الجنسية الإسرائيلية، كوسيط -أميركي- بين الطرفين المتنازعين، لبنان واسرائيل!

والوقت لا يلعب لصالح لبنان لناحية استمرار تأجيل المفاوضات، وكذلك ظروفه السياسية والأمنية والاجتماعية، أضف إليها إدارة السلطة لهذا الملف. والبلد الغارق بالعتمة والذي يسعى لاستجرار الكهرباء والغاز من مصر والأردن، يصعب عليه بدء التنقيب عن الغاز والنفط في البلوك 9 في منطقته الاقتصادية الخالصة قبل ترسيمها، بما يضمن للشركات المستثمرة استقراراً خلال فترة عملها في آبار النفط جنوباً.

وهي مفاوضات شاقة تسلّم الجيش زمامها، ما طمأن اللبنانيين بخروج الملف من بازار التجاذبات السياسية، لكن يبدو أن الرئيس عون يسعى لكف يد الجيش عن الملف، من خلال مؤشرين بارزين اثنين:

-والمؤشر الأول هو رفض التمديد لرئيس الوفد اللبناني المفاوض، العميد بسام ياسين، على الرغم من أن قائد الجيش العماد جوزيف عون رفع كتابا إلى وزير الدفاع يطلب فيه التمديد التقني الاستثنائي له 6 أشهر كونه الضليع في الملف.
وفي حين أعلن قائد الجيش أن مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بانتظار "القرار السياسي"، وعلى اعتبار أن التفاوض يدار بطابع عسكري، لماذا إذاً لا تنفذ رغبة قائد الجيش، الأعلم بإدارة الملف؟

-والمؤشر الثاني، هو محاولة تطعيم الوفد العسكري بطابع مدني يكون لعون فيه حصة تمثيلية وازنة، وهي إرادة عبّر عنها عون في السابق، ويدعمها باسيل، وتهدف لسحب الملف تدريجياً من يد الجيش، وصولاً لإخراجه من الصورة، في حين أن العماد جوزاف عون هدد بالانسحاب كلياً من الملف في حال تطبيق هكذا سيناريو.

وآخر دلالات هذا التوجه الرسمي، امتناع وزير الدفاع عن المصادقة على قرار العماد جوزاف عون، بتمديد خدمة العميد ياسين. ليطرح سؤالان اثنان: هل أن رئيس الجمهورية وفريق العهد يريدان إدارة الملف وفق مصالحهما الضيقة على حساب السيادة والمصلحة اللبنانية؟ وهل المستقبل السياسي لباسيل يستحق التفريط بثروات لبنان البحرية؟! ثم هل يخشى عون أن ينجح قائد الجيش في إدارة التفاوض، ما يعزز حظوظه في الوصول لسدة الرئاسة، كمنافس محتمل لباسيل؟ من هنا يسعى لـ"تطفيشه" من الملف؟

وينحو عون من حيث يدري أو يدري نحو إضعاف موقف الوفد اللبناني المفاوض، عبر سعيه لتوكيل شركات استشارية مهمة تحديد الحدود البحرية، وهو تشكيك فاضح بدراسات الجيش وطعن بقوة موقفه التفاوضي، وإذا كانت المفاوضات عادة تنطلق من أعلى سقف تفاوضي، قبل التوصل لـ "حلول وسطى"، فلماذا تخفيض سقف التفاوض اللبناني منذ البداية؟

والقصة لا تنتهي هنا وحسب، بل أن باسيل، "مهندس" العهد، بدأ "يهندس" مخارج غريبة عجيبة للملف، أحدها تبنّي خيار الآبار المشتركة بين لبنان واسرائيل، وهو ما ينافي اعتبار اسرائيل عدواً للبنان، ولا يلقى تأييداً شعبياً أو على مستوى قيادة الجيش بكل تأكيد. فهل يسعى باسيل لكسب الرضا الأميركي عبر خلط أوراق التفاوض؟ وأي خلط هذا وأية هندسة تلك!

يا رايح عالحج والناس راجعة

أما أخطر التطورات اسرائيلياً، فتجلت في 14 أيلول الماضي، حيث وقّعت اسرائيل عقداً بين شركة إينيرجيان اليونانيّة Energean المُطوّرة لحقلَي كريش وتنين والشركة الأميركيّة هاليبرتون Halliburton للقيام أعمال الحفر والتجهيز لثلاثة إلى خمسة آبار تنوي إينيرجيان حفرها للإنتاج في منطقة قريبة من الخط اللبناني 29.
والتفريط بهذا الخط يعني تخلّي لبنان عن نصف حقه بحقل كاريش، وربما التأثير على البلوك 9، والتجارب مع اسرائيل أثبتت أنها لا تحترم أخلاقيات من أي نوع كانت، فكيف باحتلال مساحات بحرية تدر عليها ملايين الدولارات؟ عدا عن أن أي تنازل لبناني قد يجر وابلاً من التنازلات؟

كما أن البدء بالإنتاج في حقل نفطي يصعّب تعليقه عبر العودة للمفاوضات، ما يعني ان لبنان قد يكون امام خسارة نهائية بجزء من منطقته البحرية الخالصة، حتى قبل الشروع بالتفاوض، إذ وبمجرد البدء بالانتاج في هذه الحقول، عملياً، تصبح العودة للمفاوضات "يا رايح عالحجّ والناس راجعة"!

عون يتباكى على الثروة النفطية ولا يحرّك ساكناً!

ومن يسمع الرئيس ميشال عون في كلمته التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، مشيراً الى مخاطر السعي الإسرائيلي للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة المتنازع عليها على الحدود البحرية، يعتقد ان عون بذل "الغالي والنفيس" في هذا الملف، لكن عودة سريعة إلى الماضي القريب، تشي بأن مفتاح حماية ثروات اجيال المستقبل، كان بيد عون وحده، الذي أوصد عليه درج مكتبه، وها هو يتباكى على الثروة اللبنانية النفطية!

إذ ان مجرد توقيعه تعديل المرسوم 6433 المتعلق بإحداثيات المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وإيداعه الأمم المتحدة لو حصل، كان ليجمد أعمال التنقيب في المنطقة المتنازع عليها، ويأخذ التفاوض إلى الخط 29 الذي فاوض على أساسه الجيش اللبناني، ما كان ليعني حكما، توقف اعمال التنقيب في كاريش، واجبار الطرف الإسرائيلي على العودة للمفاوضات. وكل رسائل وزارة الخارجية الى الامم المتحدة اليوم، والتي تطلب طمأنة الى عدم المساس بحقوق لبنان المائية، لا "تقرّش" تقنياً دونما أي تعديل للمرسوم، بمعنى آخر "بلّوها واشربوا ميتها"!

أبعد من ذلك، وإذا كانت إينرجيان التي لزمت التنقيب في حقل كاريش هي شركة يونانية، فإن السلطات اللبنانية طالبت مجلس الأمن الدولي هذه المرة التأكد من أن العقد الآخر الموقع بين إسرائيل وشركة "هاليبرتون" الأميركية (Halliburton) للتنقيب لا يدخل ضمن المنطقة المتنازع عليها. بمعنى آخر، فإن "العلقة" هذه المرة مباشرة مع الأميركيين، الذين لهم مصلحة مباشرة في هذا العقد، ما يتخطى مصلحة اسرائيل، وهم وسيط في المفاوضات!

ومع ضعف الساسة اللبنانيين أمام إملاءات الخارج، وبين مطامع باسيل بالرئاسة، ومخاوف عون على مستقبل صهره السياسي من بعده، كل الخوف ان تضيع ثروات اللبنانيين، بين يدي مسؤولين، يحجّمون ثروات الوطن، على حجم مطامعهم فيه!

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة