التحري

الأربعاء 27 تشرين الأول 2021 - 01:27

وللإعلام الدور الأهم: إئتلاف واسع ومؤتمر لمواجهة حملات التضليل ومحاربة أبواق المتهمين في ملف مجزرة مرفأ بيروت!

وللإعلام الدور الأهم: إئتلاف واسع ومؤتمر لمواجهة حملات التضليل ومحاربة أبواق المتهمين في ملف مجزرة مرفأ بيروت!

فتات عياد - التحري
كاريكاتير وليد شهاب

للإعلام في لبنان، الدور الأبرز في التصدي لسياسات الخداع وحملات التلفيق وتغلغل المنظومة السياسية الحاكمة في دهاليز صناعة الرأي العام، تهرباً من القضاء والمحاسبة وبغية تضليل غير المطلعين من عامة الشعب. لا بل إن استخدام الإعلام بات أداة لمحو آثار الجرائم والعبث بالحقائق، بهدف قلب معادلة الصراع القضائي-السياسي القائم، وجعل أهالي ضحايا مجزرة انفجار مرفأ بيروت هم "المشكلة والعبء" الذي يجب التخلص منه، والمجرم المعتدي من بين الساسة هو الضحية الذي يجب حمايته.

لذا، لا عجب إن تحولت المؤسسات الاعلامية والمواقع الالكترونية والصحف المحسوبة على الأحزاب المناوئة للتحقيق، وعلى رأسها حزب الله، الى "رأس حربة" في التحريض على المحقق العدلي طارق البيطار وعلى التحقيق نفسه. ولا عجب كذلك بـ"تجنيد" الأبواق من الاعلاميين والأقلام المأجورة لبث النعرات والدعوة للسكوت عن جريمة العصر وإلا "الحرب الأهلية"، ما جعل الاعلام بجزء كبير من أدواته ووسائله، شريكاً أساسياً في ضرب مسار التحقيق!

وعليه، وأمام هذا "الواقع" غير المستجد، إعلاميون -عصيون على التطويع- رافضون الانصياع لقوى "الأمر الواقع"، منحازون للعدالة والحقيقة في آن، رفعوا الصوت اليوم عبر مؤتمر "حرية التعبير والإعلام وتحدي العدالة في جريمة انفجار بيروت"، كي لا يكون الإعلام اللبناني، كما عهدناه سابقاً ممراً لإعدام العدالة. ومنعا لخطف صوت الحرية في لبنان وتحوير الحقيقة في آن، اجتمع كل من "ائتلاف استقلالية القضاء" و"تحالف حرية التعبير" و"نقابة الصحافة البديلة" ومجموعات مستقلة من المجتمع، مطلقين صرخة مشتركة بهدف إشراك الاعلام في حماية التحقيق من التسييس والعرقلة، وتكوين ما يُعتبر "اكبر ائتلاف شعبي وإعلامي حول المحقق العدلي القاضي طارق البيطار" لدعمه ونُصرة الدستور في مبدأ "فصل السلطات" تحديداً.

أهالي الضحايا: ستُحاسَبون!

ولأن "أولياء الدم" في قضية انفجار مرفأ بيروت، هم أوائل المتضررين من فتح الاعلام الهواء لتبيض صفحات المدعى عليهم في الملف عبر إطلالات اعلامية لكل من نهاد المشنوق وعلي حسن خليل، كانت كلمة لريما الزاهد، عضو لجنة أهالي شهداء مرفأ بيروت، وشقيقة ضحية انفجار 4 آب، أمين الزاهد، لدعم الصرخة الإعلامية المنتفضة على الإعلام المأجور، مذكّرة بأنه "حمّلنا القضاء اللبناني مسؤولية المحاسبة علّه ينصفنا"، وفي المقابل "توجّهنا الى الاعلام وحرية التعبير لندعم ما تبقى لنا من وطن انتهكت سيادته".
والزاهد التي طرحت معادلة "إذا لم تكن المحاسبة اليوم فلن يبقى لنا وطن"، عكست الدور التاريخي الوطني الذي يلعبه الإعلام اليوم في تغطيته لمسار التحقيق بانفجار المرفأ، إذ أن الدعم الاعلامي للعدالة يوفر مناخ مؤات للمحاسبة، أما أداء العكسي فلا يضرب التحقيق وحسب، بل يهدر دماء الضحايا مرتين، ويعيد إنتاج الجريمة!

خطاب الكراهية... تمهيد للجريمة

والأبواق الإعلامية والأقلام المأجورة لا تبرر الجريمة وحسب، بل تمهد لارتكابها وتهيئ مناصري الأحزاب لتقبلها، والأمثلة على ذلك في لبنان كثيرة، وآخرها تجلى مع اغتيال الناشط والكاتب لقمان سليم، الذي ترافق مع مقالات صحفية ممنهجة نشرتها جريدة الاخبار التابعة لحزب الله قبل اغتياله وبعده، وصولا حتى الشماتة العلنية بمقتله على لسان جواد نصرالله، ابن امين عام حزب الله حسن نصر الله.

وإذا تحول موت سليم الى شماتة عند البعض، بعد تخوينه واغتياله المعنوي، فلعل ما يحصل اليوم مع القاضي بيطار لا يقل خطورة عن ذلك، لكنه لا يستهدف شخص بيطار وحسب، بل يستهدف قضية المرفأ ومسار العدالة. من هنا، سلط المسؤول الإعلامي في مؤسسة سمير قصير، جاد شحرور، الضوء على استخدام السلطة السياسية للإعلام كأداة اساسية للانقضاض على ملف بحجم جريمة بيروت، وكذلك استخدامه وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثرين والمؤثرات على هذه المنصات. والجيوش الكترونية والمحللين السياسيين والصحافيين لتبرير أي حدث أمني قد يحصل لصالح حزب او تنظيم سياسي.
وهي علاقة طردية بين "معركة الحريات" غير المنفصلة عن معركة "استقلالية القضاء". إذ ان الضغط على الاعلام وتسخيره "بغية إنتاج خطاب كراهية، يبرر فكرة الاغتيال كما حصل سابقا مع لقمان سليم، ويصوب على القاضي بيطار اليوم، ولا يخدم الا الطبقة السياسية فيما معركة المواطن قبل أن يكون صحافياً، هي معركة وطنية تجاه الحقيقة بملف المرفأ".

وفي محاكاة عملية، نوّه شحرور إلى دراسة لمؤسسة سمير قصير، حللت 187,540 تغريدة قبل شهر واحد من اغتيال سليم إلى شهر واحد بعده. وخلصت الوثيقة إلى أن "شبكة الكراهية" بحقه ضمت مجموعة من المؤثرين، وكثير منهم صحافيون في وسائل إعلام معروفة، بالإضافة إلى العديد من الحسابات المزيفة التي روجت لرسائل واتهامات ضد سليم وعائلته.
وبهذه المحاكاة، يستخلص شحرور أن "نفس الأدوات الإعلامية تستخدم من جيوش الكترونية إلى محللين سياسيين وصحافيين لتبرير أي حدث أمني قد يحصل لصالح حزب او تنظيم سياسي".

للموازنة بين حرية الرأي وسير التحقيق

وشتان بين حرية الرأي والتجني على الحقيقة والتحقيق. من هنا، كان حديث للمحامي طوني مخايل ممثلا مؤسسة مهارات وتحالف حرية التعبير، حيث شدد على أنه "كما يعول اهالي الضحايا على القضاء لإنصافهم، كذلك يعولون على الإعلام، ليكون جزءاً من احقاق الحق والعدالة".
ودعا مخايل إلى "الموازنة بين حقي حرية التعبير والصحافة وحماية استقلالية المسار القضائي". فـ"المسؤوليات الاجتماعية والأخلاقية والقانونية، تحتم ضمان التغطية النزيهة لمسار التحقيق، بعيداً عن الأجندات الساعية لتطييره وفبركة الاخبار وشيطنة القاضي البيطار وترهيبه". منوها إلى "مساندة وسائل الاعلام للقضية، كآخر المعارك لضمان استقلالية القضاء. وهو دور تاريخي، فإما ان يكون صوت العدالة، او صوت جلادها".

حملة ممنهجة... هروب من المحاسبة

بدورها، ركزت ممثلة ائتلاف استقلال القضاء في لبنان، المحامية غيدا فرنجية، على الحملة الممنهجة ضد المحقق العدلي طارق البيطار التي وصلت "حد التشكيك باستقلاليته والايحاء أن استمراره في منصبه يؤدي إلى حرب اهلية"، مشددة على ضرورة "عدم تركه وحده في المعركة ضد المجرمين الذين يحاولون التفلت من المحاسبة وطمس التحقيق".

وفندت فرنجية أبرز أدوات تلك الحملة على البيطار، من تمنع المجلس النيابي عن رفع الحصانات عن النواب المدعى عليهم، إلى رفض اعطاء الإذن لملاحقة القادة الامنيين وأبرزهم اللواء طوني صليبا واللواء عباس ابراهيم، إلى تمنع وزير الداخلية عن إجراء التبليغات بحق النواب المدعى عليهم من خلال الامن الداخلي.
كذلك أشارت إلى خطورة "تواطئ النيابة العام التمييزية مع القوى الحاكمة منذ بداية التحقيقات ورفضها تنفيذ قرارات المحقق ما يشل التحقيق بأكمله". ناهيك عن "رفع سلسلة دعاوى قضائية تعسفية من قبل النواب المدعى عليهم والوزراء السابقين، بهدف تطيير جلسات التحقيق وضمان فرارهم من العدالة بأخطر جريمة حصلت في تاريخ لبنان".

وذكّرت أنه من حق كل مشتبه فيه الدفاع عن نفسه أمام القضاء لكن "دونما تجنّ"، منددة بالعنف "بأشكاله المختلفة ضد المحقق والتحقيق وهو انتهاك علني غير مسبوق لاستقلالية القضاء،" ومنددة كذلك "بإثارة العصبيات ومحاولة تطييف الضحايا واختلاق المدعى عليهم للاشكالات القانونية لعرقلة التحقيق واستمرار افلاتهم من العقاب".

لإسقاط الحصانات وحماية القاضي والتحقيق

وكخارطة طريق تعتبر مدخلا أساسيا لحماية مسار التحقيق، خلص المؤتمر إلى عدة 3 نقاط أساسية، هي:

- دعوة القوى الاجتماعية الديموقراطية الى التعاضد ضمانا لحقوق الضحايا بالعدالة عبر إقامة أوسع ائتلاف شعبي لحماية التحقيق والمحقق البيطار كضمانة لمواصلة عمله، إذ "لا يعقل تركه يواجه كبار اعيان النظام وحده في مهمة بالغة الصعوبة".

-اسقاط الحصانات، انطلاقا من أنها "ضرورة اجتماعية لاخضاع المدعى عليهم للقانون ولتمكين القضاء من أداء عمله بصورة مستقلة ومحاسبة المسؤولين ليس فقط بانفجار المرفأ بل أيضاً بجرائم الطيونة وانفجار التليل والانهيار والفساد بهدف بناء دولة ديموقراطية اساسها العدل والمساواة".

- استقلال القضاء الذي يشكل ضمانة للديموقراطية والسلم الاهلي، وحجراً أساساً لبناء سيادة الدولة.

والمساكنة "الإعلامية-السياسية" التي كلما غرقت السلطة في وحول جرائمها وفسادها، تلجأ إليها، هي سبب أساسي هي استمرار جرائم المنظومة بحق الشعب اللبناني. ومع هذا، لم يخل لبنان يوما من الاقلام الحرة التي دفعت الدماء ثمن الحرية، وها هي اليوم تنتفض لأجل العدالة في قضية وطنية هي الأكثر مأساوية في تاريخ لبنان الحديث.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة