التحري

الخميس 28 تشرين الأول 2021 - 15:26

"تاريخ لا يشرّف": المحكمة العسكرية من انتهاكات حقوق الانسان إلى "أداة" حزب الله التنفيذية!

placeholder

فتات عياد - التحري

هل يسخّر حزب الله المحكمة العسكرية لتصفية معاركه السياسية بالأدوات القانونية؟ وهل بات حلّ هذه المحكمة "الاستثنائية" حاجة ملحة في دولة تجنح نحو "البوليسية" والأحكام "العرفية" بأمر من "قوى الأمر الواقع"؟
أسئلة فرضها ختم مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية فادي عقيقي التحقيق مع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في قضية أحداث الطيونة، على الرغم من عدم حضوره جلسة الاستماع، تزامناً مع حشد البطريرك الماروني بشارة الراعي جولاته السياسية المكوكية، وحجّ مناصري القوات إلى معراب، بهدف تلافي حضور جعجع التحقيق...!

وفيما لم يعرف اللبنانيون وفق أي معطيات أمنية تم استدعاؤه أو وفق أي "توجيهات سياسية"، ولم يعرفوا كذلك لماذا ختم التحقيق وسط موقف استباقي لاهالي ضحايا انفجار المرفأ، رفضاً لأي "تسوية" سياسية محتملة تدفن ملف التحقيق بانفجار المرفأ، في ساحة الطيونة!

والمحكمة العسكرية التي قد تستدعي ناشطاً بناء على تغريدة عن الجيش، هي نفسها التي قد تحاكم متهمين بدعاوى إرهابية، وهي نفسها التي ادعت بتهمة الإرهاب على متظاهري طرابلس، وهي نفسها التي برأت العميل الاسرائيلي، "سفاح الخيام"، عامر الفاخوري، وسط انكار حزب الله معرفته بتهريبه، واستقالة القاضي صاحب القرار، المقرب من الثنائي الشيعي امتصاصاً لغضب البيئة المؤيدة للحزب!

ومع طابعها العسكري، وتبعيتها لوزارة الدفاع ما يسهّل سطوة الأحزاب على قراراتها، باع طويل لحزب الله في محاكمة خصومه من خلال احكام المحكمة العسكرية وتبرئة متهميه فيها. فهل الحزب الذي يحكم الدولة بقوة الدويلة والسلاح، بات يطوع مؤسسات الدولة، للغرض نفسه؟ وإلى أي حد وصل تسييس المحكمة العسكرية؟ وماذا عن خطورة استمرارها بالصلاحيات ذاتها دونما أي تعديل؟

غياب الإرادة السياسية بإلغائها أو تعديلها!

والمحكمة العسكرية محكمة "استثنائية" لم يتم لا إلغاؤها ولا تعديل صلاحياتها، على الرغم من أنه وفقاً لـ "لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان"، لا يجب استخدام المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين. ما يعكس خطورة امتثالهم لها.

ومع أنها متخصصة بكل ما له علاقة بالعسكر، قد تحاكم مدنيين بتهم فضفاضة، فيما تحججت الدولة اللبنانية عام 2017 أمام لجنة مناهضة التعذيب في الأمم المتحدة أن "عدم حل المحكمة العسكرية مرتبط بوجود ظروف إستثنائية" واعدة بـ "حلها فور انتهاء هذه الظروف".

وبالشكل، تختلف المحكمة العسكرية اختلافاً جوهرياً عن المحاكم المدنية، حيث ينفذ قراراتها ضباط وليس قضاة، وفيما يعلل القاضي المدني أحكام الإدانة والبراءة، فإن القاضي العسكري لا يعلل أحكامه. فيما يحرم المتهمون من الحقوق التي ترعاها المحاكم العادية كالدفاع عن أنفسهم وتوكيل المحامين، وغالباً ما تكون سقوف الأحكام قاسية، بروحية "عسكرية"!

وهي أداة بيد السلطة السياسية، طالما أن تعيين رئيس المحكمة العسكرية يتم من قبل وزير الدفاع، ما يعمق تسييس القضاء العسكري، ويهدد نزاهة الأحكام العسكرية، ويطوع أحكامها للمصالح السياسية.
وعلى الرغم من طرح وزير العدل السابق أشرف ريفي لقانون الغاء المحكمة العسكرية، لكنه لم يقر، شأنه شأن قانون استقلالية القضاء، في رغبة سياسية واضحة لعدم فك ارتهان القضاء بالمنظومة.

انتهاكات حقوقية وتوظيف سياسي

والانتهاكات الحقوقية في المحكمة العسكرية كثيرة، أبرزها التعذيب المعنوي والجسدي والاستجواب تحت التعذيب، كما لا يمكن الاستئناف بسبب انتزاع الاعترافات تحت التعذيب. وحتى القاصرون لا يسعفهم عمرهم من "قساوة" هذه المحكمة. وقد وثّقت "هيومن رايتس ووتش" في تقرير لها عام 2017 حالتين عذّب فيهما عناصر الجيش طفلين وانتزعوا منهما اعترافات قسرية. وقد مَثُلَ الطفلان أمام المحكمة العسكرية.
ولا تخلو قرارات المحكمة من التوظيف السياسي، وتجلى هذا في محاولة قمع متظاهري طرابس، وتوجيه أحكام إرهاب بحق 35 شابا، ولو لا الرأي العام لربما كانوا الآن يقضون أحكامهم في السجن.

والجدير ذكره، أن المحكمة العسكرية أقرّت عام 2017، عدم اختصاصها في النظر في جرائم الشغب والتخريب كونها لا تمسّ بمصلحة الجيش وقوى الأمن والأمن العام وحصرت دورها بالقضايا التي تتعلّق بمعاملة قوى الأمن بالشدّة، وذلك على خلفية محاكمتها للمتظاهرين المشاركين في حراك عام 2015، وهو لمؤشر على كيفية استغلال المنظومة للمحكمة العسكرية لترهيب اللبنانيين واخضاعهم للسلطة السياسية ومنعهم من الثورة ضدها!

تاريخها يتحدث عنها

وللمحكمة العسكرية تاريخ طويل بالأحكام بحق المدنيين، هي التي حكمت عام 1949 على رئيس جريدة النهار الصحافي غسان تويني بتهمة "تحقير العلم والجيش"، بسبب مقال له علق فيه على أحد أحكامها.
بدوره، يرى المحامي مجد حرب في حديث لـ"التحري"، أن "هذه المحكمة تتضارب مع مبدأ المساواة أمام القانون، عدا عن أنها لا تصون مبادئ حقوق الانسان، لناحية الشكل الذي يتم التعاطي فيه مع المتهمين".

أما قانونياً، فيلفت إلى ضرورة حصر نشاط المحكمة العسكرية بالعسكريين وعدم تطبيقه على المدنيين الذين "لهم محاكمهم الخاصة المصانة وفق المبادئ الانسانية العالمية، حيث يطبق عليهم القانون المدني".
ويصف حرب تاريخ المحكمة العسكرية بـ "غير المشرف"، فهي "خُلقت أساساً لحماية العسكريين وتطبيق القانون العسكري"، بينما "أطلقت سراح قاتل الضابط في الجيش اللبناني سامر حنا، وهو من عناصر حزب الله العسكريين، في خلال 6 أشهر فقط، ناسفة الهدف الذي خلقت لأجله، وهو حماية العسكريين!".

ويذكّر كذلك بإطلاقها سراح الوزير السابق ميشال سماحة، بعد 4 سنوات فقط من الحكم، هو الذي استقدم المتفجرات إلى لبنان من سوريا، قبل أن يستأنف المدعي العام الحكم بعد ضغط الرأي العام واتهام قرار المحكمة بالتسييس.
ويشير حرب إلى مؤشر خطير، يكمن بتحويل المدنيين إلى المحكمة العسكرية، "حتى دون ان تكون لقضاياهم علاقة مباشرة بالجيش". أبعد من ذلك، يلفت إلى "الاستنسابية الفاضحة في قراراتها وانحيازها لصالح حزب الله، هي التي أخلت سبيل مناصرين للحزب أطلقوا راجمات بين البيوت في غضون ساعات فقط، والحزب لا يستخدمها لتبرئة مناصريه وحسب، بل لسَوق التهم بحق معارضيه. ما تجلى بسجن الناشطة كيندا الخطيب عاماً كاملاً، قبل أن تتم تبرئتها من تهمة العمالة التي سيقت بحقها ويتبين أنها سجنت ظلماً".

الحزب يحتل الدولة... من المؤسسات!

وعن محاولة حزب الله تحقيق مكاسب سياسية من خلال تطويع المحكمة العسكرية، وهو ما تجلى في قضية استدعاء جعجع، على قاعدة إسقاط ملف الطيونة مقابل إسقاط المرفأ، يرى حرب أن "الحزب ممسك بكل مفاصل الدولة وعندما يظهر استثناء بالدولة كالقاضي طارق البيطار وبعض القضاة وموظفي الدولة الأحرار، ينقض عليهم ويخونهم ويصفهم بالعملاء ويهددهم بالقتل والقمع. ونحن رأينا طريقة التعاطي هذه مع كل شخص لديه مركز قرار وغير خاضع من وسام الحسن وصولاً للقاضي بيطار".

وبرأيه، فإن الدولة اللبنانية "باتت كلها خاضعة لحزب الله، أما الاستثناء فيواجه بالتصدي من قبل الحزب". من هنا، فإن "تمسكنا بالقاضي بيطار وبعض القضاة الشرفاء في محاولة لإعادة أملنا بالقضاء لا يعني إنكارنا ان الحزب يتحكم بالدولة وأن القضاء بقسم كبير منه مسيس، لكنه إقرار بأنه ضمن هذه الدولة المحتلة، هناك أحرار قادرون على مواجهتهم".

وعن جنوح لبنان نحو الدولة البوليسية في ظل الاستدعاءات المكثفة بحق الناشطين والمتظاهرين ومعارضي السلطة، يشدد حرب على أننا "كلبنانيين، نحن لا نعيش اليوم في ظل دولة القانون، تلك التي يطبق فيها القانون على كل المواطنين بشكل متساوٍ، إذ أن القانون في لبنان يطبق على قسم من اللبنانيين فيما القسم الآخر يتعجرف ويتكبر ويتسلح ويتمرد وهو ما رأيناه من خلال التصويب على التحقيق بانفجار المرفأ ومحاولات تطييره".


وليس هذا وحسب، فحزب الله لا يخضع للدولة فيضع نفسه اعلى من القانون بقوة السلاح، لكنه برأي حرب، "يستخدم الدولة ومؤسساتها وقراراتها واموالها للإحكام عليها بالكامل". وهو بالتالي "يستعمل ادوات الدولة لتطبيقها علينا، فإذا كان مسيطراً على سوق المخدرات، يستخدم القانون لفرض نفوذه على منافسيه في السوق، فيضبط التجار الصغار، وعندما يصعب عليه ترهيب اللبنانيين من غير بيئته،يطال الناشطين عبر ملفات مفبركة كما حصل مع كيندا الخطيب، وعندما لا يستطيع فرض شروطه بقوة السلاح، يستعمل الدولة والعكس صحيح!".

و"الدولة اللبنانية خاضعة للحزب منذ ما بعد 7 أيار 2008، والأسوأ أنها تؤمن له الغطاء، فهو ليس مسيطراً عليها بشكل مباشر، ما يجعله عند وقوع المصيبة يتبرأ ويقول الحق عالدولة"، يضيف حرب.
في المقابل، يرى حرب أن الحزب لم يكن ليسيطر على الدولة لو لا "الزحّيفة" الخاضعين له والمعارضة التي تدور الزوايا وتؤمن له الغطاء ويؤمن لها المكاسب، وهي "خيانة كبيرة للديموقراطية أن يترشح هؤلاء ضد الحزب ويتحالفوا معه بعد مصادرتهم أصوات الناخبين".

ومع إحكام سيطرة حزب الله على الدولة ومؤسساتها وارتهان القضاء العسكري، بدءا من استدعاء الناشطين وصولاً لمحاولة مقايضة ملف الطيونة بملف المرفأ، لنسف حقيقة جريمة انفجار بيروت، يضيق الخناق على اللبنانيين ولا تعويل إلا على القضاة الشرفاء الذين لا يحكمون إلا "باسم الشعب"!


تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة