التحري

الثلاثاء 09 تشرين الثاني 2021 - 16:56

زيارة رولا الطبش وأمين سلام لطريق الجديدة: المستقبل "يتبهدل" في عقر داره قبل أشهر على الانتخابات!

placeholder

فتات عياد - التحري

هل كان على النائب مصطفى علوش أن ينتظر أياماً، قبل "التأكد شخصياً أن الكلام عن نية عزوف الرئيس سعد الحريري عن الانتخابات غير صحيح؟"، على كلٍّ، فإن لا دخان دون نار. ولعلّ نيران مولوتوف منطقة طريق الجديدة التي انفجرت اليوم بوجه نائبتها رولا الطبش ووزير الإقتصاد البيروتي أمين سلام استنكاراً لزيارتهما الاستطلاعية لأصحاب المولدات للتأكد من تركيب العدادات فيها -أسوة بباقي المناطق حسب قولهما- لنسخة تجريبية مصغرة عن أي انتخابات نيابية قد يحصدها تيار المستقبل في معقل بيئته البيروتية، فما تردده في خوض الانتخابات إلا إقرار ضمني ليس بتغير المزاج الشعبي فيها وحسب، بل بتراجع البيت المستقبلي الى حدوده الدنيا منذ استشهاد الأب الروحي للتيار الرئيس رفيق الحريري.

وهل كان على عضو كتلة المستقبل النيابية، النائبة عن بيروت رولا الطبش أن تنتظر مذمتها من زيارة -مفترضة لها- إلى الضاحية، لتأتيها المذمة من منطقتها الطريق الجديدة، في بلد عادة ما يحصد مسؤولوه ذروة تأييدهم، في مناطقهم الأم؟

لكنّ الأحداث -غير المنطقية- تصبح أكثر منطقية لدى وضعها في سياقها، فعندما تستشرس جريدة الأخبار الناطقة باسم حزب الله لتشتكي ما أسمته "سياسة العزل" خشية من "إقفال بيت المستقبل"، أو "إجبار الحريري على التحالف مع القوات"، كأنه أبعد ما يكون عنها وأقرب ما يكون إلى خصومها السياسيين وأبرزهم حزب الله، يفهم حينها أي "مغطس" غطس فيه التيار المستقبل بعدما سلّم نفسه دون شروط لأحضان حزب الله وعهد الرئيس ميشال عون في التسوية الرئاسية، هو الذي "أغوى" أهالي بيروت بحمايتهم من المدّ الإيرانيّ وميني حرب 7 أيار في انتخابات العام 2018، وظل يغويهم حتى نال أصواتهم في معادلة باتت تعرف بتحالف "المافيا والميليشيا".

وظنّ الحريري أن تركة أبيه السياسية لا تنضب، وأن بيروت تظل تغفر لـ"مراهق" في السياسة فقط من باب "الوفاء" لذكرى والده، وها هو يدفع ثمن ظنونه اليوم بتراجع شعبية تياره المتآكلة، وها هو يقترب من ترجمة خياراته السياسية الخانعة لحزب الله في صناديق الاقتراع ومن بوابة العاصمة، فيما أولى مواجهاته مع المنطقة خاضتها نائبة المدينة ووزير محسوب عليه بـ"المولوتوف" وليست هذه سوى بداية ما جنته سياسات سعد "الحريرية"...

كلمة السر لم تعد سارية
...السماء وحدها زرقاء في طريق الجديدة!

وكان مفاجئاً بالشكل، أن يزور وزير الاقتصاد أمين سلام المحسوب من حصة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، منطقة طريق الجديدة في مهمة -وزارية- برفقة النائبة رولا الطبش مع أن صفته كوزير اقتصاد تكفي للضغط على اصحاب المولدات لوضع العدادات بهدف توفير الفاتورة على المستهلك. لكن الوزير، ابن العائلة البيروتية السياسية، المفترض أنه "اختصاصي" في حكومة الرئيس ميقاتي -مجهولة المصير في ظل الأزمة الديبلوماسية مع الخليج وربط حزب الله لتحقيقات انفجار المرفأ بإعادة إحيائها- بدا أقرب لحصة الرئيس الحريري من "الاختصاص" في هذا "الديو" الذي جمعه بنائبة المدينة، وبدا في استهلاله زيارته لطريق الجديدة، اختصاصياً "مناطقياً" و"شعبوياً" في آن!

فلماذا وزير الاقتصاد قد يحتاج مرافقة النائبة الطبش؟ هل لأنها نائبة المنطقة؟ هل لأنها تملك "كلمة سر" الدخول إليها؟ وإذا كان هذا هو المقصود، كيف يفهم المولوتوف الذي استقبلت به الطبش؟ وهل بالإمكان القول أن "كلمة سر" منطقة الطريق الجديدة تغيرت، وما عاد لتيار المستقبل وحده الغلبة فيها، بل باتت أبوابها توصد بوجهه عوض فتحها، على وقع الفقر والأزمة الاقتصادية والاجتماعية؟ ثم هل خَفَتَ اللون الأزرق في طريق الجديدة، وباتت السماء، الشيء الوحيد "الأزرق" فيها؟

فإلقاء قنابل الديناميت إحتجاجاً على جولة سلام والطبش. وإن كان يترجم على أنه "بلطجية" لأصحاب المولدات -بلا شك- لكن في طياته يعكس تغيّر مزاج منطقة لا تتجزأ عن بيروت العاصمة ككل، المدينة التي أُفقِرت إفقاراً منهجياً استغرق مع الحريرية السياسية سنوات، وفُجّرت تفجيراً كارثياً، في 4 آب 2020، وباتت مدينة أشباح في لحظات، وما كان من بعض نواب كتلة المستقبل، سوى التوقيع مع حزب الله على عريضة تحويل النواب المتهمين بانفجار المرفأ إلى محكمة الرؤوساء والوزراء، تهرباً من رفع الحصانات عمّن تسببوا بانفجار المدينة!

وباعوا بيروت بعريضة نيابية، من كانوا يهتفون باسم "حجارتها"، فاستقبلهم أهلها بالمولوتوف، وهنا لا تعدو الطبش وكذلك سلام أكثر من "ممثلين" لحالة المستقبل، وليسا مستهدفين بشخصيهما من قبل أهالي المنطقة بطبيعة الحال.
وهي المدينة نفسها التي أعطت تيار المستقبل تأييدها منذ العام 2005، ولم تخذل الحريري وتياره خذلها، ولم تنل من الحريرية منذ 7 أيار 2008 إلا المزيد من الارتهان لحزب الله وسلاحه الذي طعن كرامة المدينة وأهلها.

من هنا هتف أولاد المنطقة لدى زيارة سلام "ليش بس بتطبقوا القانون علينا"، ليرد بدوره "كمان حنروح عالضاحية". بمعنى آخر "مش عم نستقوي عليكن لأن مش قادرين ع غيركن". ولو أن هذه هي الحقيقة!

وهشاشة الدولة هذه إن فرضتها قوة دويلة حزب الله، لا تمحوها عضلات سلام المفتولة وعراضات "وزير الفوتوشوب"، ولا زياراته ونائبة بيروت، التي مهما غردت ضد الهيمنة الإيرانية، فهي تصوت أولاَ واخيراً مع كتلتها النيابية، التي باتت "ورقة" بيد حزب الله!

الطبش... وأصوات البيارتة المبحوحة

والطبش، مثال "النائبة المجتهدة"، منذ انتخابها نائبة عن بيروت، تحرص على صورتها، فتتأنق شكلاً وتصريحات، فتأمل أن تنجح في مسيرتها النيابية كما في المحاماة، لكن زواريب السياسة "المجويّة" في لبنان، تجعلها كمن يبيع المياه في حارة السقايين. فلا هي "عارفة تبيع" ولا الناس "عم تشتري"!
فالخطاب العالي الذي تنتهجه الطبش ضد حزب الله والتيار العوني لا يمحو آثار ضعف القيادة المستقبلية ورضوخها لحزب الله في أذهان البيارتة، إذ بين سقف خطاب الطبش وسقف قرارات الحريري، لا ينوب جماهير المستقبل سوى "كلمات". فيما بُحّت أصوات أهالي بيروت، طلباً لـ"الأفعال"، هم الذين لا تشبعهم، ولا تعلم أولادهم، ولا تؤمّن لهم الطبابة، ولا من سطوة إيران تحررهم، "كلمات"!
والطبش، صاحبة مقولة "لتطبيق القوانين والدستور على الجميع لمرة واحدة وبالوقت نفسه ومن دون استنسابية". الأجدى بها زيارة كل بيروت دون استنسابية، للضغط على أصحاب المولدات وتركيب العدادات، وإلا تصبح زياراتها محض انتخابية، أو محض "انتقائية" ودوما مع مراعاة قاعدة "بيي أقوى من بيك"!

بيي أقوى من بيّك

"كل ما نروح ع منطقة بتقلّك روح عالتانية" بهذه العبارة البسيطة اختصر سلام ردة فعل أهل طريق الجديدة، التي تعكس في طيّاتها خطاب مظلومية كرسه ضعف الدولة ومعاملتها الإزدواجية لأبنائها.
إذ يعاني اللبنانيون منذ عقود من متلازمة "بيي أقوى من بيّك"، فهم في أحسن أحوالهم، أيام الازدهار والاستقرار في التسعينيات، اتخذوها قاعدة بنوا عليها "الواسطة"، و"المحسوبية". وفي أسوأ أحوالهم، أيام "التعتير" والانهيار -لا سيما منذ بداية عهد عون- اتخذوها قاعدة بنوا عليها معايير "فروقات" و"امتيازات" دويلاتهم، على حساب الدولة.

ودويلة حزب الله الخارجة عن الدولة "بيها أقوى" من آباء الدويلات الأخرى، لكن كل الدويلات آباؤها "أقوياء" ولو بدرجات متفاوتة، وكلهم أقوياء بالعنف، ووحدها الدولة اللبنانية ضعيفة أمامهم، ويمارَس عليها عنف الدويلات، وتمارِسه بدورها على "يتامى الشعب" الذين لا أب لهم سوى الدولة!

وما زيارة الطبش وسلام إلى طريق الجديدة وبعدها الأشرفية اليوم، كمنطقتين يطبق عليهما القانون في بيروت، فيما دويلة حزب الله في الضاحية أو حتى في بعض أحياء العاصمة بيروت -عصية على الدولة- وما غضبة طريق الجديدة اليوم، إلا انعكاس لتذمر أهلها من "عضلات" الدولة التي إن نفختَ عليها "تطير" أمام نفوذ الدويلات التي تعتاش عليها، وما ترحيب أهالي الأشرفية كذلك بضغط سلام على أصحاب المولدات، إلا انعكاس لحاجتهم للدولة وكهربائها، لا للمولدات كبديل، سواء بعدادات أو بلا عدادات!

من هنا، بدت زيارة الطبش وسلام، لـ"يتامى" منطقة طريق الجديدة، الباحثون منهم عن دولة، والباحثون منهم عن "أب" في دويلة، رقصة "ديو" مستقبلية استعراضية، على مسرح الدويلة الهشة الذي يديره ويوزع الأدوار فيه حزب الله. فسلام والطبش "أبطال" مشهدية تريد القول أن هناك مكاناً للدولة وسط كل هذه الدويلات، فيما هما يؤديّان دور "الكومبارس" في مشهد هزلي فاشل يقوى على أناس دون غيرهم، وهما نفسيهما يكرسان منطق "الدويلات" لا الدولة!
والقانون عندما لا يطبق على الجميع، يصبح مدعاة للسخرية. وما تعدد "الآباء" في لبنان، على حساب الدولة، ويتامى الدولة، سوى السخرية بعينها!

وفيما أعطى سلام مهلة 15 يوما ممدداً مهلة تركيب العدادات، ينتظر أهالي طريق الجديدة منه تنفيذ تعهده بزيارة الضاحية، وفي وقت قد تصل عقوبة عدم تركيب العدادات وفق محافظ بيروت الى ختم المولد بالشمع الأحمر، قد تصل عقوبة سياسات سعد الحريري إلى إقفال بيته السياسي، من بوابة مولوتوف طريق الجديدة، الذي كتب بالأحمر العريض صفحة جديدة لأهالي هذه المنطقة مع تيار أقرب إلى الأفول منه إلى الإستمرارية، ولعلّ الانتخابات النيابية تكمل آخر فصول المسرحية...

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة