ليبانون ديبايت - روني ألفا
حلمتُ بمار مارون يصلّي. بينَ أصابِعِه مسبَحة. شعرُهُ بلونِ تاريخ المَوارِنة وشيئٌ من البكاءِ يبلِّلُ لحيَتَه البيضاءَ الوقورة.
لمحتُه يبكي على شعبِه. نصفهُ في المَهاجِر ونصفه الآخَرُ يَحومُ على جيفةِ السلطة. خلتهُ يقول: عالجتُ الجنونَ والصّرَعَ وطردتُ الأرواحَ الشرّيرة فمِن أين أتتِ اللعنةُ على شعبي من جديد؟ علّمتُ الموارنةَ الزهدَ فبَطَروا. كسَوتُ نفسي بجلدِ الماعز فكَسوا أنفُسَهُم بجلود التماسيح. تسلّحتُ من أجلهِم بصولجانٍ من خشَب فتسلّحوا بحرير الكراسي واستمتعوا بقيلولَة المناصب. سكنتُ في بيتٍ من القشِّ والعيدان فسكنوا القصور المنيفة وأقفلوا أبوابها أمام الفقراء.
صلّيتُ فَكَفَروا وآمنتُ فلَحَدوا. كانَ مارون وحيداً في كنيسةِ التقوى. المصلّونَ قلّوا وكَثُر التجّار. ليسَ بعيداً عن مارون كان هناك صبيةٌ يلعبون. ثلثٌ معطِّل. مناكفات. نفايات. ظلمة. حرائق درجة ثالثة في جسد ضمير الموارنة وعمَّالُ الإطفاء في الملاهي. تساءلَ مار مارون: مَن يا ترى مِن أولادي ما زال على عهد العفّة؟ هَربَ الجوابُ بعيداً. كانَ الفقراءُ في بيوتِهِم. رآهُم مار مارون يُحيونَ باسمِه قداديس الكرامة. بخورهم الصمت وصليبُهُم من خشبِ الحياة اليومية. اقترب مارون من شبابيك البيوت.
أراد أن يلوِّنَها بالرجاء. لم يحمِل معه ما يكفي من هذا الخليط الصّعب: رجاءٌ في دولة تصافحُ اليأس بحرارة. في عيده لم يجد مارونياً واحِداً في السلطة يَقطَعُ باسمه قالب حلوى. يذكرهُ بالخير. عيد مار مارون أصبَح دعوةً الى قداسٍ إحتفاليٍ وبطاقاتِ كرتونٍ مذيّلةٍ في أسفَلِها بأكثر العبارات رَواجاً: لتأكيد الحضور أو الإعتذار الإتصال برقم كذا. تحسّرَ مارون لأنه تحوّلَ الى رقم كذا. تحسّسَ مارون قَلْبَه فاطمأنَّ إلى عروبَتِه. صرخَ في شوارع بيروت: " أنا عربي". لم يُجِبهُ أحد.
كل ما استنسخهُ الموارنة كان حربًا ما زالت تستَعِر. علّمهم مارون حركة الأذرع المفتوحة فأغلقوها. علّمَهم صلاة الجماعة فتفرّقوا. علّمَهُم معجزة الشفاء فاعتلّوا. في عيده قررتُ أن أقتَفي أثره. رأيتُه وفِي يده تأشيرةَ هجرة الى الصلاة. اقتفيتُ آثار المُحتَفين بعيده في بلدي: جهلَةٌ يقطعون قالب الحلوى ويتقاتلون عليه. دخل مارون الأراضي اللبنانية دون سجادٍ أحمَر. لم يستقبله أحد مخافة أن يصيبَه بِعَدوى زكام الزهد. تمنى الكثير من الموارنة لو أنه لم يدخل أصلاً. لو أنه دَخَل خلسةً. مار مارون، في عيدكَ أُشعِلُ شمعةً في كوخِك وانتظرُ شعباً علّه يتذكّر أنه من سليل قداسة لا من ذرية الشياطين. مارون. كل عام وانت قدوَتَنا.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News