placeholder

نداء الوطن
الاثنين 14 آذار 2022 - 10:43 نداء الوطن
placeholder

نداء الوطن

الأزمة أنتجت مستفيدين أثروا على حساب غيرهم

placeholder

باسمة عطوي

للأزمات أوجه متعددة، منها ما هو قاتم ومنها ما هو مريح لبعض الفئات. في الازمة اللبنانية الاكثر تعقيدا بحسب ما يُنقل عن خبراء صندوق النقد الدولي، ثمة فئات من اللبنانيين إستفادت من إنهيار سعر الصرف ومن هلع المودعين على أموالهم في المصارف، والمليارات التي صرفت على دعم المحروقات والمواد الغذائية. ومنهم من بات (نظرياً) راتبه أعلى من راتب رئيس الجمهورية لأنه يتقاضاه بالدولار الفريش. إنه الاضطراب الاجتماعي الذي سببته الطبقة السياسية وشلّع التصنيف العقلاني لطبقات المجتمع اللبناني، بحيث أصبح مُهرّب المحروقات المدعومة أكثر مدخولا من طبيب قضى سنوات عديدة من عمره في التحصيل العلمي.

ليس من المبالغة القول أن عبثية السياسيين اللبنانيين في التعامل مع تداعيات الإنهيار المالي والاقتصادي الذي بدأ منذ ما قبل تشرين الاول 2019، تصلح لمادة "تدرس" لناحية كمية الأخطاء (المقصودة) التي زادت طين الخسائر والانهيار بلة على معظم الشعب اللبناني، وشكلت فرصة غير مسبوقة لفئة قليلة لتكديس المزيد من الثروات، لا سيما عندما حاولت حكومة الرئيس حسان دياب إتباع سياسة الدعم لتخفيف الأزمة عن كاهل الشعب اللبناني. في حين أن حكومة الرئيس ميقاتي الحالية تستنزف المزيد من الاحتياطي الالزامي الموجود في المصرف المركزي وتستخدمها في حلول ترقيعية أبرزها محاولة تثبيت سعر صرف الدولار على 20 ألف ليرة من دون إجراءات إصلاحية حقيقية، فكانت النتيجة ترسيخ إنقسام الشعب اللبناني إلى أغلبية تقع تحت خط الفقر (بحسب تقرير نشرته منظمة الاسكوا في أيلول 2021: 82% من اللبنانيين يعانون من الفقر المتعدد الأبعاد)، وأقلية لا تتعدى 5 الى 10% من الاثرياء والميسورين والانتهازيين الذين إستفادوا من الازمة بكل أوجهها الإقتصادية والنقدية.

فئة المنطقة الرمادية

مقابل هذا الفرز بين أغنياء وفقراء وإنهيار للطبقة الوسطى وهجرة بعضها إلى الخارج (أطباء ومهندسون وكفاءات علمية)، ثمة فئة من اللبنانيين تكمن في المنطقة الرمادية من الازمة، أي أنها إستفادت من إجراءات ما بعد إنهيار سعر الصرف وتدني القوة الشرائية وتمكنت من تحقيق ربح أو ثروة بشكل أو بآخر. هذه الفئة تشمل مطورين عقاريين وتجار المواد الغذائية، وصرافين ومهربي محروقات ومقترضين من المصارف لشراء عقارات. اضافة الى موظفين باتوا يقبضون رواتبهم بالدولار الفريش. والى هؤلاء تضاف فئة استطاعت اخراج أموالها من المصارف سواء الى خزائن البيوت او الخارج. فهذه الفئة من النافذين استغلت سلطتها وعلاقاتها لتحصل على أموال هي لها، ولغيرها الذي لم يستطع ذلك. فأثرت أو بقيت ثرية على حساب مئات آلاف المودعين الآخرين العالقة أموالهم في البنوك.

فئة الدولار الفريش

إذاً الازمة الاقتصادية والمالية التي يتخبط فيها لبنان شكلت لشريحة من الناس رافعة من دخل مادي معقول إلى الثراء الحديث، ولعل المثل الساخر الذي يمكن إيراده للتدليل على هذا التحول ما تداوله الاعلاميون (خلال إحدى جلسات مجلس الوزراء في قصر بعبدا)، بأن زميلهم الذي يعمل في إحدى القنوات التلفزيونية والذي يتقاضى 1500 دولار فريش شهرياً صار راتبه (نظرياً) أعلى من راتب رئيس الجمهورية حين بلغ سعر الدولار 33 ألفاً ( راتب رئيس الجمهورية 30 مليون ليرة). فاصحاب الرواتب بالدولار في عدد من القطاعات وجمعيات المجتمع المدني تحولوا فجأة الى ميسورين نسبياً مقارنة مع مئات آلاف الموظفين براتب الليرة.

7 مليارات ذهبت الى قلة قليلة

من هذا المثل الحقيقي والساخر يمكن الانطلاق للحديث عن فئات إستفادت من الازمة ومن سياسة الدعم وأولها، بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، "شركات إستيراد النفط وكذلك المهربون وتجار المواد الغذائية المدعومة والتي صُرف عليها نحو 10 مليارات، ولم يصل إلى الشعب اللبناني من هذا الدعم أكثر من 3 مليارات أما الارقام بالتفصيل فيملكها مصرف لبنان".

ويشرح لـ"نداء الوطن" أن "هناك 5 % من اللبنانيين أثرياء، يشكلون نحو 100 ألف شخص لديهم قدرة شرائية عالية بالدولار، أضف إليهم نحو 850 ألف لبناني يتلقون حوالات نقدية بالعملة الصعبة من ذويهم في الخارج وهم أيضاً لديهم قدرة شرائية مرتفعة"، موضحاً أن "فئة المقترضين من المؤسسة العامة للإسكان ومصرف الاسكان إستفادوا من الأزمة بشكل أو بآخر، فصحيح أن هذه الفئة تمكنت من تسديد القروض على سعر دولار 1500 لكن هؤلاء تم إحتجاز ودائعهم بالدولار وتم صرفها على 8000 ليرة، ولذلك لا يمكن القول إن هؤلاء إستفادوا إلا الذين لا يملكون ودائع في المصارف، كما أنه في بداية الازمة فإن رواتب هؤلاء كانت تصرف على سعر 1500 أو 3900 ليرة للدولار فقط".

أصحاب القروض إستفادوا ولكن!

يوافق رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للإسكان روني لحود على مقاربة شمس الدين لموضوع القروض السكنية وكيفية إحتساب الربح والخسارة فيها، ويشرح لـ"نداء الوطن" أن "لا شيء اسمه ربح وخسارة المقترضين من المؤسسة العامة للإسكان. بل هي خسارة على البلد ككل في قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار، علما بأن القرض الذي حصل عليه المقترضون هو بالليرة اللبنانية وسيستمر سداده بالعملة الوطنية"، لافتا إلى أن "تثبيت سعر الدولار لن يؤثر على القروض مستقبلا لأنها ليست رسماً ضريبياً ويجب سداده بالعملة التي أُخذ بها ولا يحق لأحد تحويلها إلى عملة أخرى. والدولة اللبنانية هي من منحت القروض من خلال مصرف لبنان وعبر الاحتياطي الإلزامي للمصارف الموجود في "المركزي" بالليرة اللبنانية".

ويشير لحود أيضا إلى أن "الطلبات لسد قروض الاسكان منذ بداية الازمة حتى الآن بلغت23 ألف طلب من أصل 85 ألف مقترض من المؤسسة".

على ضفة مصرف الاسكان الذي يمنح القروض بالدولار، يشير المتابعون الى أنه بعد العام 2017 لم يتجاوز عدد القروض 350 قرضا في العام، وهناك بند في العقد بأنه لا يسمح للمقترض سداد قرضه إلا بعد مرور سبع سنوات على نيله. وخلال الازمة حاول بعض المقترضين سداد المستحقات على سعر 1500 ليرة للدولار وبالليرة اللبنانية لكن مصرف الاسكان لم يقبل بذلك ودخلوا في نزاع قضائي (ولو أن القانون يسمح لهم بالتسديد عبر كاتب العدل) إلا أن المصرف هدد بالامتناع عن فك الرهن والدخول في نزاعات قضائية لسنوات.

المطورون والوسطاء إستفادوا من الازمة

من الشرائح التي إستفادت من الاضطرابات المالية والمصرفية التي بدأت في العام 2019 هم المطورون العقاريون، إذا يشرح أمين سر المطورين العقاريين في لبنان مسعد فارس لـ"نداء الوطن" أن "عددا كبيرا من المطورين الذين كانوا يعانون من ديون مع المصارف قبل الازمة بسبب جمود المبيعات في القطاع العقاري، إستطاعوا في بداية الازمة أن يسددوا قروضهم التي بلغت 8 مليارات دولار تقريبا من خلال الشيك المصرفي، لأنه في بداية الازمة حصلت "هجمة" من المودعين على شراء العقارات والدفع بالشيك المصرفي إنقاذا لأموالهم في المصارف. ونحن إستفدنا بعد فترة من الركود الذي عشناها في السوق".

ويلفت إلى أن "الوسطاء العقاريين إستفادوا أيضا من خلال العمولات التي جنوها من عمليات البيع وكذلك إستفادت المصارف من خلال تسديد كل ديون المطورين العقاريين لديها، بمعنى آخر كانت الاستفادة لجميع الاطراف أي المودعين والمطورين الذين أزاحوا همّا عن كاهلهم وأيضا للمصارف".

عتريسي: هناك مستفيدون... لكن لا استقرار في المداخيل

ما هو التصنيف الاجتماعي للمستفيدين من فرص الأزمة؟ يجيب الباحث الاجتماعي والسياسي الدكتور طلال عتريسي «نداء الوطن» بالقول: «في الازمات الاقتصادية والسياسية والحروب هناك فئات كثيرة تستفيد من الازمات، وفي بلد مثل لبنان السلطة في موقع ضعيف وتفتقد لحس المبادرة. وفي ظل إنهيار مالي وإقتصادي إستفادت مجموعات كانت موجودة وهناك مجموعات نشأت»، شارحا أن «المجموعات التي كانت موجودة هم كبار التجار مثل أصحاب الوكالات الحصرية والمستوردين الاساسيين للمواد الغذائية. وهم إستفادوا من الازمة من جهة ورفعوا الاسعار، ومن جهة أخرى إستفادوا من الدعم الذي أنفقته الدولة من الاموال التي كانت الموجودة لديها سواء من أموال المودعين أو أموال الاحتياط في المصرف المركزي، وذلك حصل بسبب سوء إدارة الدعم وبسبب عدم تدخل الدولة في الوقت المناسب لمنع الاحتكار».

ويلفت إلى أن «الفئات الجديدة التي إستفادت أيضا هم الصرافون الذين حققوا ربحا كبيرا من تأرجح سعر صرف الدولار في السوق السوداء، والمجموعة الثالثة هم الجمعيات المدنية التي تعمل مع الهيئات الدولية الداعمة والموظفون في المؤسسات الخاصة الذين يتقاضون رواتبهم ولا يزالون بالدولار الفريش».

مشددا على أنه «أمام هذا المشهد لا يمكننا القول أننا أمام طبقة وسطى جديدة. لأن هذا الامر يتطلب إستقرارا في المداخيل على أن تكون فوق متوسط الدخل مع إستقرار حياتي ووظيفي ومعيشي ونمط حياة أفضل»، موضحا أن «من بين الفئات التي إستفادت من يعيش وفقا لمعايير الاغنياء (التجار وأصحاب الوكالات). وهؤلاء لم يتغير نمط حياتهم خلال الازمة، أما الفئات الباقية فهم طارئون ولا ضمان لإستمرار مدخولهم العالي بسبب تغير الظروف الاقتصادية، مثلا أرباح الصرافين قد تنخفض كثيرا مع إستقرار سعر الصرف وهذا ينطبق أيضا على منظمات المجتمع المدني إذ لا ضمانات لإستمرارها بعد الانتخابات النيابية».

ويختم: «ما يمكن قوله أن هناك مستفيدين جدداً ولكن من غير المعلوم إذا كانت هذه الاستفادة ستستمر طويلا بعد تغير الظروف السياسية أو لا. ولا أعتقد أن هناك تغييرا في بنية الطبقة الوسطى التي تتكون من أصحاب الوظائف العليا والاطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات، فهؤلاء إنهار وضعهم لكن لم يحل أحد مكانهم».

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة