لا حدود للغة التدمير والقتل في قاموس الآلة العسكريّة الروسيّة، التي لم تروِ ظمأها دماء ضحايا "مذبحة بوتشا" لترتكب مجزرة جديدة في كراماتورسك، تُضاف إلى سجلّها الدموي الحافل في غزو أوكرانيا. لقد بات ممنوعاً على المدنيين الهرب من جحيم "الحديد والنار" الذي فرضه عليهم الجيش الروسي، لتلحق بهم صواريخه القاتلة وتستهدف محطّة قطارات في كراماتورسك في شرق أوكرانيا، حيث كانت تجرى عمليات إجلاء لمئات منهم، ما أدّى إلى مقتل أكثر من 50 شخصاً، بينهم 5 أطفال، وجرح العشرات. فعانقت كراماتورسك بذلك بوتشا وسارت معها على درب جلجلة قد تطول مع مواصلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سفك دماء الأبرياء لترهيب الشعب الأوكراني تحت وطأة إصرار "قيصر الكرملين" على تحقيق أجندته الجيوسياسية، أقلّه في شرق أوكرانيا، مع إنهيار أوهام السيطرة على كييف وإخضاع البلاد برمّتها أمام صلابة مقاومة الوطنيين الأوكران وانكشاف المشكلات البنيوية والوظيفية العميقة في تركيبة الجيش الروسي.
وعلى جري عادتها، نفت موسكو تنفيذ الضربة واتهمت كييف بقصف المحطة عمداً، لكنّ هذه المواقف الإعلامية لم تُغيّر الحقائق الميدانية الصلبة ولن تشفع لها أمام محكمة الرأي العام العالمي، الذي هزّته في الصميم مشاهد الأمّهات وهنّ يبحثنَ عن أطفالهنَّ وسط جثث القتلى والمسنّات اللواتي يبكينَ أولادهنَّ وأحفادهنَّ فوق وجوههم المضرجة بالدماء، حيث رأى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن الجنود الروس "يقومون على نحو لا يُصدّق بالقضاء على السكان المدنيين"، معتبراً أن "هذا شرّ لا حدود له"، في وقت اتهم فيه الرئيس الأميركي جو بايدن روسيا بارتكاب "فظاعة مروّعة" جديدة، بينما كشف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن باريس بصدد "جمع أدلّة" تُثبت "جرائم حرب الروس" في أوكرانيا، معرباً عن مخاوفه من أن بوتين سيُركّز هجماته في دونباس سعياً لتحقيق نصر في 9 أيار، ذكرى استسلام ألمانيا النازية في العام 1945.
وفي الأثناء، رأت رئيسة المفوضية الأوروبّية أورسولا فون دير لايين خلال مؤتمر صحافي مشترك مع زيلينسكي في كييف أن روسيا مهدّدة بـ"التفكّك" الاقتصادي والمالي والتكنولوجي بسبب العقوبات التي تُفرض عليها، في حين تسير أوكرانيا نحو "مستقبل أوروبي". وشدّدت على أن "معركتكم هي أيضاً معركتنا. أنا هنا في كييف معكم اليوم (أمس) لتوجيه رسالة بالغة القوة: الاتحاد الأوروبي إلى جانبكم. نحن إلى جانبكم!"، فيما زارت فون دير لايين بوتشا يُرافقها وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل ورئيس الوزراء السلوفاكي إدوارد هيغر. ويبدو أن باب "الحج" الأوروبي إلى أوكرانيا قد فُتح على مصراعيه، إذ غادر المستشار النمسوي كارل نيهامر فيينا أمس متوجّهاً إلى أوكرانيا، حيث سيزور خصوصاً كييف وبوتشا اليوم.
ميدانيّاً، باتت القوات الأوكرانية تُسيطر على كامل منطقة سومي الواقعة في شمال شرق البلاد والمحاذية لروسيا، بحسب ما أعلن حاكم المنطقة دميترو جيفيتسكي، محذّراً الأهالي من العودة إليها قبل أن تُطهّر من الألغام. ومع رحيل القوات الروسية من منطقة سومي، تكون موسكو قد انسحبت من شمال أوكرانيا بالكامل، في وقت أعلن فيه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال مؤتمر صحافي مع المستشار الألماني أولاف شولتز تعزيز المساعدة العسكرية البريطانية لأوكرانيا عبر إرسال صواريخ إضافية مضادة للدروع والطائرات، مؤكداً أن "جرائم روسيا في أوكرانيا لن تبقى من دون عقاب"، في حين ندّد شولتز بـ"القصف المروّع" الذي استهدف محطّة كراماتورسك.
وفي السياق، كشف رئيس الوزراء السلوفاكي إدوارد هيغر أن بلاده زوّدت أوكرانيا منظومة للدفاع الجوّي من طراز "أس 300"، فيما شكر بايدن في بيان الحكومة السلوفاكية، مؤكداً أنّه "في وقت تُعيد فيه القوات الروسية تموضعها للمرحلة المقبلة من هذه الحرب، طلبت من إدارتي ألّا توفر أي جهد لتُزوّد الجيش الأوكراني الأسلحة الحديثة التي يحتاج إليها للدفاع عن بلاده". بالتوازي، تسعى تركيا إلى استئناف المحادثات بين موسكو وكييف والتي توقفت بعد اكتشاف فظاعات في مدن أوكرانية حُرّرت من الاحتلال الروسي، مؤكدةً أن البلدَيْن لا يزالان مستعدَّيْن لعقد لقاءات على أراضيها.
وعلى خطّ العقوبات، أوضح زيلينسكي أمام البرلمان الفنلندي أن بلاده لا يُمكنها انتظار مزيد من الأسلحة الغربية الجديدة وتحتاج إلى عقوبات قوية ضدّ روسيا شبيهة بـ"زجاجات المولوتوف" التي استخدمتها المقاومة الفنلندية في 1939-1940 ضدّ الاتحاد السوفياتي خلال الحرب العالمية الثانية. وتساءل: "إلى متى يُمكن لأوروبا تجاهل الحظر على النفط الروسي؟ إلى متى؟"، في وقت فرضت فيه المملكة المتحدة عقوبات على ابنتَيْ بوتين، وهما كاتيرينا تيخونوفا وماريا فورونتسوفا، وابنة وزير الخارجية سيرغي لافروف، إيكاتيرينا فينوكوروفا، مؤكدةً أنها تُريد الاقتصاص "من نمط الحياة الباذخ للأوساط المقرّبة من الكرملين". كما ستوقف اليابان من جهتها وارداتها من الفحم الروسي، معلنةً طرد 8 ديبلوماسيين روس على خلفية "جرائم حرب" في أوكرانيا.
وكشف رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا أمام الصحافيين، إجراءات جديدة، تشمل تجميد أصول وحظر استيراد سلع من روسيا، مثل المعدّات الصناعية والفودكا، مؤكداً أن طوكيو ستدعم جهوداً للتحقيق في أفعال موسكو في المحكمة الجنائية الدولية. كذلك، أمرت مونتينيغرو بطرد 4 ديبلوماسيين روس، بينما طردت موسكو 45 ديبلوماسيّاً بولنديّاً، ردّاً على تدابير مماثلة اتخذتها وارسو في نهاية آذار.
وفي ظلّ الحرب الروسيّة ضدّ أوكرانيا التي بلبلت أسواق الحبوب والزيوت النباتية، بلغت أسعار المواد الغذائية حول العالم خلال آذار "أعلى مستويات سجّلتها على الإطلاق"، بحسب ما كشفت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، فيما تواصل أسعار المواد الأولية الزراعية، مثل القمح ودوار الشمس والذرة، الارتفاع، مع استمرار الهجوم العسكري الذي تشنّه روسيا على أوكرانيا وهما تعتبران المصدّرَيْن الرئيسيَّيْن لهذه المنتجات في العالم، ما يُهدّد المحاصيل المقبلة أيضاً.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News