ماريوبول تلفظ "أنفاسها" الأخيرة

ماريوبول المحاصرة منذ أكثر من 40 يوماً والتي تُقاوم الجيش الروسي باللحم الحي، بدأت تُنازع عسكريّاً وتلفظ "أنفاس المقاومة" الأخيرة بعدما "نُحرت" إنسانيّاً وضربت كافة مقوّمات الحياة فيها، إذ أعلنت القوات الأوكرانية أنها تستعدّ لسقوط هذا الميناء الإستراتيجي، فيما أكد الانفصاليون الموالون لموسكو أنهم سيطروا بشكل كامل على منطقة المرفأ في المدينة، في وقت كشفت فيه كييف أنها تترقّب هجوماً كبيراً في وقت قريب جدّاً في منطقة دونباس، حيث أوضح المتحدّث باسم وزارة الدفاع أولكسندر موتوزيانيك أن "العدو بات على وشك إتمام الاستعدادات لهجوم على الشرق".

وفي هذا الصدد، كتب الفوج الـ36 في البحرية الوطنية التابعة للقوات المسلّحة الأوكرانية في بيان: "اليوم (أمس) ستكون على الأرجح المعركة الأخيرة (في ماريوبول) لأنّ ذخائرنا تنفد". وتابع الفوج متوجّهاً إلى الأوكرانيين: "سيكون مصير بعضنا الموت وبعضنا الآخر الأسر. لا نعلم ما الذي سيحصل، لكنّنا نطلب منكم حقّاً أن تتذكّرونا بكلمة طيّبة"، مشيراً إلى أن نحو نصف عناصر هذا الفوج مصابون بجروح، في حين قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية عبر الفيديو: "كانت مدينة تُعدّ نصف مليون نسمة... حاصرها المحتلّون ولم يسمحوا حتّى بتوصيل المياه والطعام إليها. دمّر الروس ماريوبول بالكامل وحوّلوها إلى رماد"، مبدياً خشيته من أن يكون قد قُتِلَ فيها "عشرات آلاف الأشخاص".

وفي واشنطن، كشف مسؤول كبير في البنتاغون أن القوات الروسية تُعزّز قوّتها حول دونباس، خصوصاً قرب مدينة إزيوم الإستراتيجية، لكنّها لم تبدأ بعد هجومها لبسط سيطرتها الكاملة على هذه المنطقة، موضحاً أن الجنرال ألكسندر دفورنيكوف الملقّب بـ"جزّار سوريا" اختير لقيادة هذا الهجوم، فيما واصلت القوات الأوكرانية في نهاية الأسبوع الماضي تعزيز مواقعها في الشرق. ويرى محلّلون أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اصطدم هجومه على أوكرانيا بمقاومة شرسة، يُريد أن يُحقّق انتصاراً في دونباس قبل العرض العسكري الضخم في الساحة الحمراء في 9 أيار بمناسبة ذكرى انتصار السوفيات على ألمانيا النازية.

ديبلوماسيّاً، عقد الرئيس الروسي والمستشار النمسوي كارل نيهامر اجتماعاً مغلقاً في موسكو استمرّ أكثر من ساعة، ليُصبح بذلك نيهامر أوّل زعيم دولة غربية يقدم على هذه الخطوة منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. وشدّد المستشار في بيان على أن الاجتماع لم يكن عبارة عن "زيارة صداقة"، موضحاً أن المحادثات كانت "مباشرة وصريحة وصعبة". وقال: "أشرت إلى جرائم الحرب الخطرة في بوتشا ومواقع أخرى، وأكدت ضرورة إحالة جميع المسؤولين عنها إلى العدالة".

وفي لوكسمبورغ، بحث وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي خلال اجتماع دفعة سادسة من العقوبات على موسكو، لكنّها لن تشمل واردات النفط والغاز، في حين عبّر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن نيّته إطلاق النقاش حول فرض حظر نفطي "لكن ليس هناك اقتراح رسمي"، بحسب ما أفاد موظّف أوروبي كبير. وبعد انتهاء الاجتماع، اتّهم بوريل روسيا بـ"التسبّب بجوع حول العالم" من خلال حربها على أوكرانيا، لا سيّما من خلال قصف مخازن القمح ومنع السفن من نقل الحبوب إلى الخارج. كذلك، أظهر تقرير لأمانة منظمة التجارة العالمية أن الحرب في أوكرانيا قد تؤدّي إلى تراجع النمو المتوقع في التجارة العالمية بنحو النصف هذا العام.

تزامناً، قرّرت فرنسا طرد 6 جواسيس يعملون تحت غطاء ديبلوماسي في سفارة روسيا في باريس "ثبت أن أنشطتهم تتعارض مع المصالح الوطنية الفرنسية"، وفق ما أفادت وزارة الخارجية، هذا فضلاً عن طرد كرواتيا 24 دبيلوماسيّاً وموظّفاً في السفارة الروسية، فيما استدعت الخارجية الكرواتية السفير الروسي للتعبير عن "أشدّ أنواع الإدانة للعدوان الوحشي على أوكرانيا والجرائم العديدة". بالتوازي، أعلنت ألمانيا وهولندا والسويد تقديم نحو 2.5 مليون يورو للمحكمة الجنائية الدولية التي تنظر في "جرائم حرب" محتملة في أوكرانيا. وجاء الإعلان على لسان وزراء خارجية الدول الثلاث بُعيد اجتماعهم بالمدّعي العام للمحكمة كريم خان مع دول أخرى في الاتحاد الأوروبي.

وفي غضون ذلك، أجرى الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي "محادثات صريحة" عبر الفيديو أمس، لكن لا يبدو أنها قرّبت مواقف البلدَيْن في شأن الحرب الروسية ضدّ أوكرانيا التي تُزعزع استقرار العلاقة بينهما، في وقت توصّل فيه رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي في الجزائر إلى إتفاق مع الرئيس عبد المجيد تبون لزيادة كمّيات الغاز التي تستوردها روما من الجزائر بهدف التقليص من التبعية للغاز الروسي.