60  يوماً بين الجحيم والفحم الحجري… "توتال" ومعادلة ما بعد كاريش

د. عماد رزق - الديار


اذا كانت الازمة فرصة، فأين الفرصة للبنان الشعب اولاً، هل من مصلحة لبنان الدولة، توقيع المرسوم 6433 وفي اية ظروف؟ وماذا بعد التصعيد الاعلامي كأداة في التفاوض الديبلوماسي؟ هل حان دور المقاومة للحسم؟ ام ان التوازنات الدولية خلال شهر تشرين الاول وبداية فصل الشتاء في اوروبا سوف تخلط الاوراق؟

في معطيات التفاوض فإن زيارة الوسيط الاميركي هوكشتاين الى باريس والتفاوض مع شركة توتال انرجين لم تبلغ التوقعات ولم يستطع الوسيط الاميركي اعطاء ضمانات امنية ومالية للجانب الفرنسي، في ظل ضغوط بدأ يمارسها الجانب الاميركي على الجانب الفرنسي لوقف التعاون مع الشركات الروسية وبخاصة ان انسحاب شركة نوفاتك الروسية من التحالف الفرنسي الايطالي في شرق المتوسط وتحديداً من حقول لبنان جاء بعد التهديد الاسرائيلي المباشر لشركة توتال والطلب الاسرائيلي من الجانب الروسي بالضغط على المقاومة في لبنان للحصول على تعهد بضمان امن منشآت الغاز في البحر والبر في حيفا.


بعد فشل التفاوض الاسرائيلي الروسي والضغوط الاميركية المستمرة على الجانب الروسي في لبنان وسورية، اتخذت روسيا قرار التموضع الاستراتيجي في منطقة شرق المتوسط، وسوف يكون لقرار كهذا تداعيات على مستقبل التفاوض الاسرائيلي – الاوروبي لتأمين امدادات الطاقة وطرق نقلها بحيث ستصبح حقول شرق المتوسط، منطقة نزاع دولي جديد.

في العروض الاسرائيلية على توتال 5 كلم تفصل منصة «توتال» عن منصة «انرجين» على حدود حقل كاريش في شرق المتوسط، مناورة اسرائيلية مكشوفة لحماية المنصات الاسرائيلية في المتوسط من تهديد محتمل، هذه كانت احدى النقاط التي اقترحها المفاوض الاميركي على الفرنسيين لتعطيل مفاعيل توازن الردع الذي انشأته المقاومة في لبنان.

من اتفاق الاطار وعرابه وزير الطاقة الاسرائيلي السابق يوفال شتاينتس، وصولاً الى التفاوض غير المباشر في الناقورة ومناورة الالتفاف على لبنان عبر تطبيع غير مباشر وطرح الشراكة في الاستخراج وموخراً تسريب اعلامي حول تعليق الترسيم وكأن الوسيط الاميركي يحاول كسب الوقت لما بعد الانتخابات الرئاسية في لبنان.

لقد استطاعت الديبلوماسية الاميركية استخدام ملف ترسيم الحدود في توقيت سياسي لصالح السياسة الاميركية في الشرق الاوسط ولخدمة سياسة امن الطاقة العالمي وفق الرؤية الاميركية من غير الاخذ في الاعتبار مصالح القوى الكبرى في قطاع الطاقة وتحديداً الدول المصدرة للغاز ومجموعة اوبك +.


بعد اجتماع باريس حول الغاز في شرق المتوسط ، اتخاذ القرار: استمرار بقاء شركة توتال في شرق المتوسط ضمن معادلة» البقاء في لبنان ضمن الشروط الاسرائيلية». عام 2018 لم تستطع توتال البقاء في لبنان واعلنت عدم وجود كميات تجارية «في بئر» في البلوك رقم 4، وانقسم لبنان بين مؤيد لوجود الغاز وبين مؤيد لعدم وجوده. انقسم لبنان انتفاضات وانهيارات وازمات، وقبل 60 يوماً من الاستحقاق الرئاسي في لبنان تشرين 2022، اسرائيل تعرض مشاركة توتال عبر ابتزازها للاستثمار في كيان العدو مقابل شروط ليبقى الرابح الاول شركة شيفرون الاميركية ومصالح الوسيط الاميركي هوكشتاين المستشار لشركات غاز اميركية لها مصالح استثمارية في المنطقة.

خروج توتال بعد الضغط الاسرائيلي الاميركي عليها يؤشر الى توجه لاستمرار الحصار والضغوط على لبنان، اوروبا بحاجة للغاز. فرنسا بين مطرقة الولايات المتحدة الاميركية وسندان روسيا، لتخفيف حصة لبنان من امدادات شركة توتال مع بداية فصل الشتاء في تشرين الاول سوف ينعكس على الاسعار ارتفاعاً وانخفاض حصة لبنان من المحروقات والمازوت الى النصف.


امام معادلة الجوع والحصار المستمرة في الايام القادمة، يبقى التفاوض غير المباشر لترسيم الحدود في ظل توسع المواجهة الفرنسية الروسية من افريقيا الى شرق المتوسط. ومتى تدخل تركيا في الصراع؟ واي مفاعيل لاتفاق نووي مع ايران؟ يستمر لبنان في الجحيم ليتحول الجحيم من حريق محدود الى نار قتالية تكسر جمود التفاوض، من اوكرانيا الى شرق المتوسط وصولاً الى تايوان، ليدخل العالم عصر الفحم الحجري.

لقد انتقل ملف ترسيم الحدود من وزير الطاقة الى مكتب رئيس وزراء العدو، في وقت يرتفع الاشتباك الداخلي في اسرائيل بين لابيد ونتنياهو. فالتهديد الذي تمثله المقاومة سيحوله لابيد الى فرصة ومعه يحاول بايدن تحقيق مكسب داخلي على ترامب في ملف ايران النووي. لكن الخطر اصبح اكبر في ظل خلفات التوجهات الامنية والعسكرية والاقتصادية لمختلف القوى.


معادلة ما بعد كاريش ليست الا مرحلة في حرب لبنان الثالثة بابعادها الاقليمية من البحر الاحمر وايلات وصولاً الى قناة السويس وجزيرة كريت في اليونان، وحدة الساحات ليست شعار في غزة انما معادلة لتطوير وتحسين التفاهمات خلال 60 يوماً وبخاصة ان المياه الاقتصادية ليست مياها ذات سيادة وبالتالي يسمح الابحار بها والتحليق فوقها... الا اذا...