روني ألفا- ليبانون ديبايت
لبنان يتطورُ بسرعةٍ والحمدُ لله. حاليًا مهتمٌ بتأهيلِ مياهِ نبعِ الطاسةِ على ما قرأنا عن أحواله . كلُّ التقديرِ لمؤسسةِ مياهِ لبنان التي عملَتْ بتفانٍ حتى تحافظَ على تراثِ إستحمامِنا بالطاسة. غالبًا ما نستيقظُ صباحًا لنكتشفَ أن بونبونةَ المياهِ الساخنةِ التي تعملُ عل" الريزيستانس" لم تسخنْ بسببِ انقطاعِ الكهرباء. عِنْدَ وقوع ِهذه اللعنة نستعينُ بأكبرِ طنجرَةِ محشي في المطبخ. الهدفُ ملؤها بالماء ووضعُها على " البوتاغاز " لتغلي فنحصلُ على مياهِ الاستحمام الدافِئة.
الكَيلَةُ متوفّرةٌ دائمًا في منطقةِ "الدوش " في الحمام. عبارةٌ عن مستوعبٍ صغيرٍ من البلاستيك مزوَّدٍ بمسكةٍ تغرفُ فيها الماءَ وتشطفُ به جسدَكَ الطاهر. غالبًا ما يحرمكَ الخلافُ بين وزارةِ الطاقةِ ووزارةِ المال من الاستحمامِ تحت دوشٍ طبيعيٍ يوزِّعُ على جسمِكَ المياهَ بشكلٍ طبيعي. تخيَّلْ الإحباطَ الذي تشعرُ به وأنتَ تصوبنُ شعرَكَ وتليِّفُ جسمَكَ بيدٍ واحدةٍ لأن يدَكَ الأخرى مضطرةٌ على حملِ الكيلة. تخيَّلْ كيف ستنجحُ في تنظيفِ اليدِ التي تحملُ الكيلةَ أصلًا. عليكَ أن تنقلَ المستوعبَ من يدٍ إلى أخرى لتنجحَ في ذلك. أنتَ في هذه الحالةِ بهلوانٌ مجازٌ في " سيرك " الاستحمام إنما من دونِ جمهور.
تفكّرُ وأنتَ في خضَمِّ فركِ فروةِ رأسِكَ بسعرِ صرفِ الدولار صباحًا. كيف استفاقَ هذا الديّوس. كم سيقفزُ في الوقتِ المستغرَقِ بين تنظيفِ بطنِكَ ورِجلَيك. دولارٌ يلعبُ اليويو. لبرهةٍ تنسى الورقةَ الخضراءَ وتقولُ في نفسِكَ انك ستنجزُ قريبًا مهمةَ العَكِّ والفَركِ وتعيدُ الكيلةَ إلى مكانِها بِرِفق. الحرصُ على الكيلةِ واجبٌ يَرقى إلى الواجبِ الزوجي لأن شراءَها باتَ متعذرًا. حتى محلّاتِ الـ "وان دولار" باتت موجعة. تتنبهُ فجأةً أنك أبلهٌ وأنَّ تَلَفَ الكيلةِ ليس نهايةَ الدنيا. تستطيعُ أن تستبدلَها اذا تَلُفَتْ بأيِّ طنجرةٍ صغيرةٍ أو بأيِّ مرطبانِ ضَغطٍ أو علبةٍ ماركة "Tupper ware".
المهمُّ ألا يفرغَ الخزَّانُ على السطحِ من المياه. تفطنُ إلى أنه يجبُ أن تصعدَ الى السطحِ لتفتحَ غطاءَ الخزّان. لا بأسَ من بضعةِ ليتراتٍ من مياهِ الأمطارِ تتساقطُ مِن فوهَتِه. هَيكْ هَيكْ رايحة عالبحر. نقطَةٌ تَسنُدُ خابية. تلاحِظُ أن "نربيجًا" بلاستيكيًا أحمر مُغَطَّسٌ في خزّانِك . تَتَتَبَّعُ مسارَهُ فتَرى أن طَرَفَهُ الآخَرَ مُغَطَّسٌ في خزان الطابِق الرابِع. طوابقُ الأبنيةِ الشعبيةِ حيث تسكنُ من زمان تسرقُ بعضها البعض. تنزلُ السلالِمَ وشعرُكَ ما يزالُ مبللًا من حمَّامِ الهنا. تشعرُ وكأنَّ شاكوشًا يضربُكَ بقوةٍ على صدغِك. أنت تأكلُ والحالةُ هذه "سفقةَ" هوا.
اشتراكُ المولِّدِ لا يتيحُ لك تنشيفَ شعرِكَ على السيشوار. خمسةُ "أمبيراتٍ" بالكاد تكفي لتقليعِ برّادِكَ الخِتيار. تعملُ زوجتُكَ بِحنكَةٍ على تَشغيل غسالتِها التي تشخُرُ مثلَ طائرةِ البوينغ 747 كلما دارتْ مراوحُ التنشيفِ فيها. يشعرُ سكانُ المنزلِ أنهم يحطّونَ على مدرجِ مطارِ شارل ديغول إيتوال .لا بأس. وجعُ رأسِكَ الذي بدأَ يتملَّكُ منك يدفعُكَ للتَوجُّهِ إلى الصيدليةِ القريبةِ لتشتري حَنجورًا مضادًا لِوَجَعِ البونجور. تفتَحُ بابَ الصيدليَّةِ فيصطَدِمُ الطرفُ الأعلى للباب ِبأصابِعَ ألومنيومٍ رفيعةٍ تحدِثُ نغمَةً متناسِقَة. أصابعُ الألمنيومِ على الأقل ترحِّبُ بِك. الصيدلانيُّ "عايفُ التَّكَنَة" ويلعنُ الساعةَ التي أقنعهُ فيها والدُهُ بالتخصُّصِ في الصيدلة. يَسعى جاهِدًا إلى عرضِ رخصَتِهِ للإيجار والوقوفِ على مستديراتِ مدينةِ صيدا حامِلًا رُزَمًا من الليرات فئةَ مئةِ ألف يعرِضُها على المارّةِ والسائقين ملوِّحًا بِها على شكلِ مِروَحَة. كل رجاءِهِ أن تسمَحَ له مافيا الصِّرافة بالانضمامِ إليها.
بونجورُكَ لا يبدأُ عن جَدّ إلا إذا افتَتَحتَهُ بفنجانِ قهوة. الغازُ على آخِر ينتَظِرُ فَرَج حقل قانا. اذا توفَّرَتِ الجرّةُ فلن تتوفرَّ دائمًا الجِلدةُ المستَديرَةُ السوداءُ التي تُشبِهُ محبَسَ زواجِكَ الذَّهَبي. مهمَّةُ الجِلدَةِ أن تدخلَ بين ساعةِ الجَرَّةِ وبدنِها حتى لا تنفِّسَ الجرَّةُ. انها مهمةٌ ذكوريةٌ بامتياز تنتهي دائمًا بِفَتحِ سِكْرِ الجَرَّةِ وتَشغيلِ حاسَّتَينِ أساسيَّتَينِ تعملان على خطٍِّ تَجنيبِ البيتِ انفجارَ جرّةِ الغاز. هيا! انحنِ وتَنَشَّقْ إذا كان هناك ريحةُ تسرّبٍ. هيا! أنصِتْ ما إذا كان التسرُّبُ يُحدِثُ صفيرًا. أنتَ في هذه الوضعيةِ تتقمَّصُ حيوانَينِ حواسُهُما مميَّزَة، حاسَّةُ سَمعِ الخُلد وحاسَّةُ شَمِّ الكِلاب.
حانَ وقتُ خروجكَ من البيت. في سيارتكَ سجاداتُ الأرضيةِ "تَختَخَت". حاولتَ أن تفصلَ سعرَها منذُ أيامٍ ففَصَلَتكَ عن الواقِع. سِرْ فعينُ الله ترعاكْ. إلتَزِمْ بقانونِ السيرِ الجديد أي إبتَسِمْ اذا لعنَ أبوكَ سائقٌ أرعَن. لا تتوقفْ عِنْدَ باعةِ الكنافة لا صباحًا ولا ليلًا. يمكنُ أن تأكلَ خمسَ رصاصاتٍ قبل أن تأكلَ كعكة كنافةٍ واحدة. أصلًا باتَ سِعرُها أوجَعُ عليكَ مِن تَلَقّي الرَّصاصاتِ الخَمس. توقَّفْ عِنْدَ أقرَبِ محلِّ "ناولني" لحاجياتك. هناكَ، نسبةُ تعرضكَ لإطلاقِ النارِ متدنيةٌ إلا إذا لاحقتكَ لعنةُ الكنافة.
عزيزي أنتَ لستَ في لبنان الذي عرفتَهُ يومًا. أنتَ في الصومال. في فنزويلا. في الأمازون. قريبًا ستكونُ عجقةُ السيرِ هاجسَكَ الأكبرَ ورعبَكَ الأعظم. أحدُهُم سيقرعُ زجاجَ سيارتكَ ويطلبُ منك تسليمَهُ ما تختزنُهُ محفظتُكَ من ليراتٍ أو دولارات. ستتفاجأُ بعد الحادثِ أنه من خيرةِ الأوادِمِ وأنه مديرٌ سابِقٌ في وزارةِ الطاقةِ برَمَ عليه الدهرُ فصارَ مثلكَ أنتَ يتحمّمُ بالكَيلَةِ. حدِّقْ به جيّدًا ستدرِكُ أنه جارُكَ في الطابِقِ الرابِع. لا يحدثُ إلا في لبنان أن يأكلَ الناسُ بعضُهُم بَعضًا.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News