"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
الهدف الذي تبحث عنه بعض القوى الدولية كحلٍ لمعضلة جبهة جنوب لبنان، هو تثبيت وقفٍ دائم لإطلاق النار بمفعول طويل الأمد كعلاجٍ موضعي وضروري في الوقت الراهن.
لذلك، وصل بعض المتابعين للمسارات إلى قناعة مفادها، أن بعض المطالب ألمحت إلى المدى الذي سيبلغه الوصول إلى اتفاق، متزامناً مع ضمانات لوقف إطلاق النار لمدة لا تقلّ عن 5 أعوام، تبدأ بعدها ورشة ترتيبات أمنية، من موضوع الحدود البرية التي يقول لبنان إنه بحاجة إلى تثبيتها، إلى مسألة الإنسحاب من المواقع المتحفّظ عليها عند الحدود والأراضي المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا إلى خراج بلدة الماري أو ما يصطلح تسميته "الجزء اللبناني من بلدة الغجر"، وصولاً إلى اتفاق شامل حول وقف إسرائيل لأنشطتها المعادية فوق لبنان، ووضع حدّ لمسلسل الخروقات للقرار 1701، بما في ذلك وقف الطلعات الجوية أو استخدام الأجواء اللبنانية منطلقاً للإعتداء على دول أخرى، وترتيبات أخرى تتعلق بالدور المستقبلي لقوات "اليونيفيل" وحدوده، وحدود عملها ورقعة نشاطها.
مثل هذه المطالب ولأجل تحقيقها، تحتاج أيضاً إلى ترتيبات من جانب "حزب الله". لذا، ازداد مؤخراً الطلب منه إنجاز ترتيبات على صعيد حضوره العسكري جنوب الليطاني، لا سيّما في مسألة "قوات الرضوان"، فيما بعض الرسائل تركت له التقرير في شكل هذا الحضور، وهذا مردود إلى قيمة حضوره الميداني الذي ثُبّتَ مؤخراً.
لكن الحزب يتعامل بتجاهلٍ شديد مع هذا المطلب، على اعتبار أن ما هو مطلوب منه يتجاوز إخراج "قوات الرضوان" من جنوب الليطاني نحو شماله، ويبلغ حدود إخراج المقاومة ككل من هذا الشريط، ووضعه تحت وصاية دولية أشبه باحتلال، وبالتالي، تحقيق مطلب إسرائيلي قديم يعود إلى عام 1978 لإنشاء منطقة عازلة جنوب النهر، وإنهاء نتائج تحرير عام 2000.
وعملياً، يربط "حزب الله" المسارات. فإسرائيل تريد تحقيق هذا المبدأ سواء في جنوب لبنان أو في غزّة للتعويض عن إخفاقها العسكري. ففي القطاع، تريد تكريس "منطقة عازلة" بطولٍ يتجاوز 45 كيلومتراً بعمق 1.2 كلم، تتذرّع أن هدفه تأمين حماية مستعمرات "غلاف غزة" من أي هجمات مستقبلية، ولإقناع أهالي تلك المستعمرات بالعودة، تماماً كما تمارس إزاء مستعمرات الشمال الحدودية مع لبنان.
أمّا ذلك، قد يجرّ مطلباً موازياً من جانب الحزب، الذي قد يطلب مثلاً، أن يتمّ التعامل بالمثل مع الحالتين سواء على الجانبين اللبناني أو "الإسرائيلي". فكما تريد الدول الخارجية تكريس "منطقة آمنة" تتيح للمستوطنين العودة إلى المستعمرات على شكل "منطقة عازلة"، إذاً يصبح المطلب اللبناني بإنشاء "منطقة عازلة" مشابهة على الجانب الإسرائيلي شرعياً ومنطقياً، وذلك لتأمين مستقبل وعودة سكان الجنوب الذين نزحوا بفعل الإعتداءات.
الخشية الإسرائيلية حالياً في أن الحزب تمكن من تحقيق مطلبه بالنار. حيث أن استهدافاته التي بلغت عمق 5 كلم داخل الأراضي المحتلة، أدّت لتفريغ مستعمرات بعمق 10 كلم، وبالتالي، هو حقّق نوعاً من أنواع المناطق العازلة!
يبقى أن هدف الحكومة الإسرائيلية الباطني، لا يرتبط فقط بتكريس أمنٍ لمصلحة مستوطني المنطقتين في شمال الأراضي المحتلة أو جنوبيها، إنما ضمان أن لا تتأثر مشاريع الإستيطان المستقبلية التي تقودها الوكالة اليهودية، فتفتقد "إسرائيل" عنصراً أساسياً في وجودها.
عملياً تصطدم إسرائيل ودول الغرب برفض لبناني رسمي إزاء المطالب التي تُطرح، أو بالشكل الذي تُطرح فيه. فأصلاً "نكتة سمجة" اعتبار خروج الحزب من جنوب الليطاني إلى شماله على أنه يُنهي المشكلة! حيث أن شمال الليطاني مثلاً الذي لا يفصله عن الجنوب سوى بضعة أمتار، يمثل خزاناً حيوياً للمقاومة ويفوق بأهميته أهمية الجنوب.
من جانب آخر، فالحكومة اللبنانية سبق أن أبلغت أنها ليست في صدد المساومة على إخراج قوات الحزب من جنوب النهر، وإدخال أخرى من الجيش اللبناني بدلأً منها. لأنها ببساطة لا تريد جعل الجيش بمثابة حرس حدود لمصلحة إسرائيل الراغبة في تحويل هذا الجيش إلى ندٍّ للمقاومة ويحتمل أن لديها مخطّطات للإيقاع ما بين الطرفين. أيضاً الدولة اللبنانية غير مستعدة لإرسال جيش يمتلك "ذخائر لطيفة" مقارنة بالترسانة الإسرائيلية إلى الجنوب، وتحويل جنوده إلى طيور بطٍ يتحركون ضمن مصيدة. لذلك، تحتاج أولاً إلى ضمانات ديبلوماسية بعدم الإستهداف، وثانياً ضمانات عسكرية تتمثل بتعزيز ترسانة الجيش. وهنا، لا بدّ للدولة من ممارسة دورها، من خلال مقايضة تعزيز حضور الجيش جنوباً بحصوله على أسلحة تسمح بحماية نفسها، ومن ثم الحدود.
أمرٌ آخر يمثل نقطة لا تخدم دعوات الغرب. فالحكومة اللبنانية التي تتعامل مع الوضع الحالي في الجنوب بخلاف ما تعاملت به حكومة عام 2006، طلبت علناً ثمناً للمساهمة في تنفيذ البنود المتعلقة بالقرار الـ1701 مع تشديدها على المحافظة عليه. إذ اشترطت مثلاً أن تتوقف إسرائيل بدايةً عن انتهاك القرار الدولي بمعدل 30 ألف خرق سنوياً، وانسحاب الأخيرة من المناطق المحتلة أو المتحفّظ عليها. وفي حال حصول ذلك، ستتولى هي ضبط نشاط الحزب عند الحدود. لكن الأهمّ، أن تطلب الدولة ضمانات بحماية حقوقها البحرية، وإتاحة الفرصة أمام نشاطات إستكشافية بترولية مستقبلية بمعزل عن ضغوطات وتحرّشات يمارسها العدو، لا سيّما وأن الفترة المقبلة سيكون عنوانها الإستكشاف في حقولٍ تقع على تماس مباشر مع حقول "إسرائيلية" جرى ويجري تلزيمها لمصلحة شركات.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News