"ليبانون ديبايت" - فادي عيد
بمعزلٍ عن مشهد اليوم التالي للحرب على المستوى الميداني، لا يمكن إغفال المستوى السياسي الداخلي باستحقاقه الأساسي المتمثِّل بالملف الرئاسي، والذي سترسم معالمه نتائج المواجهة أو الحرب الشاملة التي بدأت تقرع طبولها، وتتدرّج باتجاه الساحات الإقليمية وفي مقدمها الساحة اللبنانية. ومن الصعب انتخاب رئيس للجمهورية، لا يتناسب ولا يتماشى مع النظام الإقليمي والمناطقي القائم، حيث أن الكل يعلم بأنه، وباستثناء مرة واحدة فقط، لم تكن الإنتخابات الرئاسية، عملية انتخاب بالمعنى الحقيقي، إنما ما كان يجري هو عملية اختيار يقوم بها المجلس النيابي لشخصية، آخذاً بعين الإعتبار التوازنات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي بدأت تلحظ تبدّلات دراماتيكية اليوم.
وهنا، تستذكر شخصية سياسية مخضرمة، كيف أن الرئيس إميل إده كان مرشحاً لرئاسة الجمهورية، ثم وبزيارة بسيطة للمستشار الشرقي لدى السفارة البريطانية مارون عرب، وبكلمة واحدة قيلت له إن حكومة جلالة الملكة لا تنظر بعين الرضى لتجديد ولايتكم، إنتهى الأمر في منزله بحضور حوالى 80% من أعضاء المجلس النيابي المؤيدين له، كما وأن الكل يعلم كيف أن الرئيس فؤاد شهاب كان رافضاً للتجديد لنفسه، وكان قد اختار المير عبد العزيز شهاب الذي لم يكن لا شهابياً ولا قريباً لهم، لكنه اختاره بالنسبة لشخصيته وقدراته ولصفاته، وكان الأمر قد حُسم، و80% من المجلس يؤيّد المير عبد العزيز شهاب، الذي كان قد أتى بخياطه للبدلة الرسمية، وإذ يصل عشية الإنتخاب إلى بيروت السفير اللبناني في مصر جوزيف أبو خاطر، فذهب إلى بيت الرئيس فؤاد شهاب في جونيه، ويبلغه أن الرئيس جمال عبد الناصر قد استدعاه صبيحة اليوم نفسه، وسأله عن الملف الرئاسي في لبنان، وعندما أجابه السفير أبو خاطر أن هذا الموضوع محسوم لصالح المير عبد العزيز شهاب، قال عبد الناصر ثلاث كلمات: "إيه دا شهاب تاني كمان"، فحُسِم الأمر واتصل فؤاد شهاب بصبري حماده ورشيد كرامي، وطلب منهم إيقاظ شارل حلو من النوم، وانتُخب رئيساً للجمهورية في اليوم التالي.
والتاريخ يضجّ بعشرات الأمثلة كهذه، ومنها تسأل الشخصية السياسية بصراحة، كيف يمكن أن ننتخب رئيساً بينما التوازن الإقليمي لم يتحدّد بعد؟ لتجيب بأن "الرئيس الذي سننتخبه يجب أن يتعاطى مع القوى الموجودة، أو التي ستكون موجودة، حيث أن لا أحد يدري بعد، من هو الرابح ومن هو الخاسر ومن سيغيب عن الساحة، ومن سيكون فاعلاً بعد انتهاء الحرب القائمة في المنطقة؟.
وإذا كان غالبية النواب اليوم في إجازة قد تكون قسرية بسبب واقع الحرب، فهذا لا يعني أن الملف الرئاسي غائب بالكامل، بل هو مُرحّل إلى ما بعد جلاء غبار الميدان، لأنه في ذهنية المجلس النيابي، ليس فقط الحسابات الداخلية، بل القناعة بأن الذهاب في اختيار رئيسٍ للجمهورية، قد يكون معاكساً ل"التيار الإقليمي والدولي" في المرحلة المقبلة، ما سيجعل هذا الرئيس عاجزاً عن القيام بأي شيء، فيصبح سجيناً في قصر بعبدا وعاجزاً عن التحرك في أي اتجاه، والأمثلة عديدة في هذا السياق بحيث أصبح بعض الرؤساء سجناء في قصر بعبدا، وتوقف حكمهم رغم أنهم رؤساء جمهورية، فالرئيس سليمان فرنجية، تعطل حكمه واضطر إلى مغادرة قصره والذهاب إلى الذوق والكفور في كسروان، نتيجة الخلل الذي حصل في البلد. وتشير الشخصية المخضرمة إلى تعطيل حكم الرئيس أمين الجميل عندما اندلعت اشتباكات بين الجيش اللبناني وحركة "أمل" في الضاحية الجنوبية، معتبرةً أنه "في ذهن المجلس النيابي والحالة السياسية في لبنان، يجب على الرئيس أن يكون متناسباً مع التوازن الإقليمي الموجود كي يتمكن من محاورته، لأن لبنان ليس بلداً كبيراً جداً يستطيع أن ينتهج سياسةً لا تأخذ في عين الإعتبار التوازنات المحيطة".
وممّا تقدم، فإن موضوع رئاسة الجمهورية ليس جاهزاً بعد، وقد لا يجهز ولو أخذ الأمر وقتاً قبل أن تتضح الصورة الإقليمية، وتتوفر الأجوبة على هذه الأسئلة: من سيخرج من حرب غزة وما سيليها منتصراً؟ وهل سيكون هناك منتصر أو سيكون هناك تعادل؟ وبرأي الشخصية ذاتها، فالتعادل له أسماء رئاسية، والمنتصر إن كان من هذا الفريق أو ذاك له أسماء، فإن انتصرت إسرائيل ومعها الولايات المتحدة هناك أسماء رئاسية تلائم هذه المرحلة، وإن انتصرت "حماس" والمقاومة وإيران، سيكون للمرحلة أسماء معينة، وإن لم ينتصر أحد وبقيت الأمور متعادلة بشكل أو بآخر، كما هي الحال اليوم، ستكون هناك أسماء أيضاً مناسبة لهذا الوضع.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News