رغم التغيرات السياسية العميقة التي تشهدها سوريا بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وتولي "إدارة العمليات العسكرية المشتركة" (هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها) زمام الأمور في معظم المناطق السورية، لا تزال القواعد العسكرية الروسية في مدينتي طرطوس واللاذقية، الواقعة على الساحل السوري، تحت سيطرة القوات الروسية دون أي إشارة واضحة إلى انسحاب محتمل.
ووفقًا لصور الأقمار الصناعية التي تم التقاطها يوم الثلاثاء الماضي، فإن القواعد البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، لا تظهر أي علامات على مغادرة القوات الروسية أو إفراغ هذه القواعد من معداتها. وعلى الرغم من أن حركة طائرات النقل الثقيلة إلى قاعدة حميميم كانت نشطة خلال الأسبوع الفائت، إلا أن العديد من المحللين العسكريين يعتبرون أن هذه الحركة لا تشير إلى مغادرة فعالة، بل على الأرجح تتمثل في إمداد القواعد أو إتمام عمليات لوجستية.
في هذا السياق، لم تُلاحظ أي سفن روسية تصل إلى ميناء طرطوس لنقل المعدات أو الأفراد، وهو الأمر الذي يُعتبر من المؤشرات الواضحة على بدء انسحاب عسكري.
تعتبر القاعدتان العسكريتان الروسيتان في طرطوس واللاذقية من المواقع الاستراتيجية الحيوية بالنسبة للوجود الروسي في منطقة الشرق الأوسط، حيث شكلت هذه القواعد نقطة انطلاق رئيسية لدعم نظام الأسد في صراعه ضد الفصائل المعارضة، وكانتا مركزًا رئيسيًا للعمليات العسكرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط. كما كانت القاعدة البحرية في طرطوس نقطة توقف لوجستية حاسمة لروسيا في تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، بما في ذلك التنسيق مع القوات الإيرانية في سوريا.
في سياق متصل، كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان أن أمر تسريح الجيش السوري أتى من الجانب الروسي، مشيراً إلى أن تدمير ترسانة الجيش السوري تتم بموجب اتفاق دولي.
وأضاف المرصد السوري لـ "العربية" اليوم الأربعاء أن عدد ارتفاع الغارات على الجيش السوري وصل إلى 350.
وفي ظل الإطاحة بنظام الأسد الذي كان الحليف الأساسي لروسيا في سوريا، تساءل العديد من المحللين عن مستقبل وجود القوات الروسية في البلاد. ويؤكد بعض الخبراء أن القواعد العسكرية الروسية في سوريا ستظل حاسمة بالنسبة للنفوذ الروسي في البحر المتوسط، حيث يتوقع أن تواصل روسيا تمركز قواتها هناك من أجل الحفاظ على وجود عسكري دائم في المنطقة.
وبالرغم من أن الكرملين أعلن في وقت سابق أن مستقبل وجود قواته في سوريا سيعتمد على المفاوضات مع السلطات الجديدة بعد سقوط الأسد، إلا أن المؤشرات الحالية تشير إلى أنه لا توجد نية حقيقية لانسحاب القوات الروسية من سوريا في الوقت الراهن.
من جانبه، أكد بافيل لوزين، الباحث في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية في جامعة تافتس الأمريكية، أن خسارة القواعد العسكرية في سوريا قد تكلف روسيا نفوذها العسكري في البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن تأثيره على قدرة موسكو في دعم عملياتها في القارة الإفريقية. وتعتبر القاعدتان في اللاذقية وطرطوس جزءًا أساسيًا من الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط، مما يجعل روسيا حريصة على الحفاظ على وجود دائم في هذه القواعد مهما كانت الظروف السياسية في سوريا.
وبالنسبة للباحثة في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، دارا ماسيكوت، فإن المؤشرات الرئيسية على حدوث تغيير في الوجود الروسي في سوريا ستكون في حركة الطائرات الروسية الثقيلة مثل طائرات "إليوشن" و"أنتونوف"، والتي تُستخدم لنقل المعدات والعتاد. فإذا بدأت هذه الطائرات في مغادرة قاعدة طرطوس، فقد يكون ذلك دليلاً على إجلاء فعلي للقوات الروسية، كما توقعت في تصريحات لها نقلتها صحيفة "فاينانشيل تايمز".
في النهاية، يبدو أن روسيا في الوقت الحالي لا تزال متمسكة بوجودها في سوريا رغم التغييرات السياسية، ويبقى التساؤل: إلى متى ستظل هذه القواعد تحت السيطرة الروسية؟ وهل ستتواصل المفاوضات مع السلطات السورية الجديدة حول مستقبل الوجود العسكري الروسي؟
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News