في واحد من أكثر المشاهد المؤلمة التي تم توثيقها خلال عمليات إطلاق سراح المعتقلين من سجن صيدنايا، ظهر طفل سوري لا يتجاوز عمره الثلاث سنوات وهو يخرج من زنزانة.
تساءل أحدهم: "من هذا الطفل؟"، قبل أن تخرج امرأة، يعتقد أنها والدته، وتمسكه من يده في مشهد اختلط فيه الحزن بالدهشة.
انتشرت الصورة على شبكات التواصل الاجتماعي، وقال مدونون إنها تلخص حجم المعاناة التي عاشها المعتقلون في السجن الملقب بـ"المسلخ البشري".
وتظهر مقاطع الفيديو التي انتشرت خلال اليومين الماضيين مشاهد مؤلمة لسجناء قضوا سنوات طويلة في سجون نظام بشار الأسد.
خرج بعضهم من السجن بلا وعي، وبعض آخر لا يعرف ما الذي يحدث، وغيرهم اعتقدوا أن حافظ الأسد، الذي توفي عام 2000، لا يزال في السلطة.
منذ سنوات، تنشر المنظمات الحقوقية تقاريرها عن "الفظائع" في سوريا، خاصة بعد تسريب أكثر من 50 ألف صورة من قبل مصور سابق في الجيش السوري، أطلق عليه اسم "قيصر".
هرب هذا المصور من سوريا في آب 2013. كانت مهمته تتمثل في تسجيل حالات الوفاة في السجون العسكرية.
وثقت الصور ما كان يحدث في السجون خلال حكم الأسد.
تعاون حقوقيون من دول عدة للدفع باتجاه محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم. وبفضل هذه الصور، أصدر الكونغرس الأميركي قانونًا يحمل اسم "قيصر".
في كانون الأول 2019، مرر القانون بأغلبية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الكونغرس، ووقعه الرئيس الأميركي حينها دونالد ترامب.
ويمنح القانون الإدارة الأميركية آلية واسعة النطاق لتشديد الخناق الاقتصادي على النظام السوري، وقطع الطريق على ترجمة التقدم العسكري للنظام السوري و"حزب الله" وروسيا وإيران بتقدم سياسي على الأرض.
الشق الإنساني من القانون يهدف إلى حماية المدنيين، أما الشق الاستراتيجي فيتطابق مع الخطوط العريضة للسياسة الأميركية في سوريا، والتي تشمل: الحد من نفوذ إيران و"حزب الله"، ومعاقبة الأسد ونظامه، وضمان الوجود الأميركي والاستخباراتي المحدود (قاعدة التنف)، ومنع عودة "داعش"، وضمان أمن حدود إسرائيل وحريتها في التحرك، والتي باتت تشمل الجولان بنظر أميركا.
كانت الولايات المتحدة من أوائل الدول التي قطعت علاقاتها مع النظام السوري بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة له عام 2011، وما لبثت أن تبعتها عواصم عربية وغربية، كما فرضت عليه عقوبات قاسية.
وخلال 14 عامًا من عمر الثورة السورية، ارتبط اسم بشار الأسد ونظامه بعمليات قتل و"تعذيب ممنهج" بحق معارضيه في المعتقلات، وهو ما وثقته منظمات حقوق الإنسان الدولية، بينها "العفو الدولية" و"هيومان رايتس ووتش"، وتحقيقات أخرى أجرتها الأمم المتحدة.
قال المحامي السوري في مجال حقوق الإنسان مازن درويش: "قانون قيصر كان بمثابة إنجاز مهم في وقته، واستطاع لفت النظر إلى الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها نظام الأسد".
وأضاف خلال مقابلة مع موقع "الحرة": "أما اليوم، وبعد سقوط نظام الأسد، نخشى من تبعات هذا القانون وانعكاساته على سوريا الجديدة وشعبها، لأن الفاعل الأساسي لهذه الانتهاكات لم يعد موجودًا".
وكشفت منظمة العفو الدولية في تقرير سابق عن حالات إعدام جماعي شنقًا نفذها النظام بحق 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا، أغلبهم من المدنيين المعارضين، وذلك بين عامي 2011 و2015، واصفة السجن بأنه "المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء".
واعتقل النظام السوري أكثر من 215 ألف معتقل في سجونه دون الإفصاح عن مكانهم وأسمائهم، بحسب إحصائيات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان".
ولم تصدر سلطات النظام السوري السابق تعليقات رسمية كثيرة بشأن مصير هؤلاء، أو حتى بخصوص التقارير التي تتحدث عن الظروف التي يعيشونها داخل المعتقلات.
وسلطت الأضواء على الصور للمرة الأولى في العام الذي هرب فيه "قيصر" من سوريا.
وبعد فرض العقوبات الأميركية على النظام السابق بموجب القانون، تم نشر الصور من جديد على شبكات التواصل الاجتماعي، ما منح الأسر فرصة جديدة لمعرفة مصير أحبائهم.
ومنذ إصدار الولايات المتحدة القانون، تواصل فرض العقوبات من حين لآخر، تستهدف العديد من أفراد عائلة الأسد والمقربين منه، بمن فيهم زوجته أسماء الأسد، فضلا عن مسؤولين وهيئات تابعة للنظام السابق.
الأهم في قانون قيصر الأميركي هو أنه كان بداية لتحرك دولي مكثف من جانب دول أوروبية ومحكمة العدل الدولية لتعقب النظام.
تعبر الناشطة السورية اللاجئة في تركيا عبير بلو عن "صدمتها بالمشاهد المؤلمة" للسجون بعد تحريرها.
وقالت خلال مقابلة مع موقع "الحرة": "رأينا الجثث المتراكمة للسجناء وماكينات تفرم المعتقلين حتى يصيروا مثل الورق. والأكسجين مقطوع عن بعضهم".
وأضافت: "بالمشاهد التي رأيناها في السجون السورية، خاصة صيدنايا، فإن فرحتنا بتحرير بلادنا لا تزال ناقصة. لن تكتمل فرحتنا إلا بمعاقبة الأسد ونظامه وضباطه وعساكره".
وفي تشرين الأول 2020، بدأ القضاء الألماني بمحاكمة مسؤولين سابقين في أجهزة الاستخبارات السورية لاجئين في ألمانيا، أمام محكمة كوبلنتس بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
وأعلنت محكمة "العدل الدولية"، في حزيران 2023، أن كلا من هولندا وكندا رفعا قضية ضد "الدولة السورية" بخصوص التعذيب والمعاملة اللاإنسانية في السجون، بناءً على نطاق "اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة".
وفي أيار 2024، بدأت في فرنسا أول محاكمة بشأن جرائم منسوبة إلى نظام الأسد أمام محكمة الجنايات في باريس، حيث حوكم ثلاثة مسؤولين سوريين كبار غيابيا بتهمة التواطؤ في ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية على خلفية مقتل فرنسيَين سوريين.
تــابــــع كــل الأخــبـــــار.
إشترك بقناتنا على واتساب


Follow: Lebanon Debate News