في هذه المدينة الشمالية، تحوّل أصحاب المولدات إلى "دولة داخل الدولة"، يفرضون تسعيراتهم الخاصة دون أي رقابة، متحدين التسعيرة الرسمية التي تُصدرها وزارة الطاقة شهريًا. وفي ظل هذا الواقع، يجد المواطن الطرابلسي نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الدفع مقابل الكهرباء، أو الوقوع في ظلام العتمة.
في طرابلس، لا توجد تسعيرة موحدة؛ فكل حيّ له تسعيرته الخاصة، وكل صاحب مولّد يضع شروطه وفقًا لما يناسبه. ورغم أن غالبية المناطق اللبنانية لا تلتزم 100% بالتسعيرة الرسمية، حيث قد تصل الفروقات أحيانًا إلى زيادة تصل إلى 20% أو ربما أكثر على الفاتورة، إلا أن طرابلس، وفقًا لشهادات أبنائها، تظل استثناءً صارخًا. فهنا تغيب السلطة الفعلية في تنفيذ القوانين، وتُترك الساحة مفتوحة أمام فوضى التسعير وغياب الرقابة، ما يزيد من معاناة المواطنين.
ويشير بعض أبناء طرابلس، إلى أن هذا الواقع يحقق مكاسب لأطراف عدة، سواء عن طريق النفوذ أو من خلال صفقات مشبوهة تضمن استمرار هذه الفوضى. في حين أن هناك من يرى أن الجهات الرسمية تكتفي بالصمت أو التراخي، ما يعزز هذا الوضع المقلق ويجعل المواطنين يشعرون بأنهم ضحايا لغياب القانون.
ورغم ذلك، بدأت تظهر في الآونة الأخيرة مبادرات فردية وجماعية من نشطاء وأبناء المدينة الذين قرّروا كسر حاجز الصمت، ورفعوا هذا الملف أمام الرأي العام. هذه المبادرات تطالب بحلول جذرية تبدأ بتوحيد التسعيرة، وتستمر بفرض الرقابة الصارمة، ولا تنتهي عند محاسبة المخالفين. هؤلاء الناشطون يطالبون بفرض العدالة في تسعير الكهرباء، وأن تتحمل الدولة مسؤولياتها في وضع حد لهذه الفوضى.
لكن، تبقى الأسئلة الجوهرية مطروحة: هل تتحوّل هذه الصرخات إلى خطوات فعلية وملموسة على الأرض؟ وهل ستتحرك الدولة أخيرًا لضبط الفلتان المستشري في قطاع المولدات الخاصة، وتضع حدًا لجشع أصحاب المولدات؟ أم أن لبنان بشكل عام وطرابلس بشكل خاص ستظل رهينة لعتمة تسيطر عليها مصالح ضيّقة وتفتقر إلى المساءلة الحقيقية؟