على مدار أيام، حذر الجيش الإسرائيلي القيادة السياسية من أن توسيع نطاق الهجوم العسكري في قطاع غزة، كما أقره المجلس الوزاري الأمني المصغر (الكابينيت) ليل الأحد، قد يؤدي إلى تعريض حياة الرهائن الإسرائيليين المتبقين في القطاع للخطر المباشر. إلا أن هذه التحذيرات لم تلقَ آذاناً صاغية من قبل الحكومة، التي تمضي في تصعيدها العسكري.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قدّم مسؤولون عسكريون رفيعو المستوى للوزراء سيناريوهات تفصيلية تُظهر أن مقاتلي حركة "حماس" الذين يحتجزون الرهائن قد يفرّون من مناطق القتال تحت الضغط، ويتركون الرهائن داخل الأنفاق المعقدة والمحصنة من دون ماء أو طعام، وهو ما قد يؤدي إلى وفاتهم خلال أيام.
كما حذّر الجيش من أن اتساع رقعة العمليات البرية سيُصعّب كثيراً من وصول المساعدات الإنسانية والطبية إلى أماكن احتجاز الرهائن، ما يضيف مزيداً من المخاطر على حياتهم.
وتُقدّر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن هناك ما لا يقل عن 59 رهينة ما زالوا في قطاع غزة، يُعتقد أن نحو 24 منهم لا يزالون على قيد الحياة.
وفقاً لتقديرات مصادر عسكرية تحدثت لصحيفة "هآرتس"، فإن كبار القادة في الجيش الإسرائيلي وجهاز "الشاباك" (الأمن العام) يشعرون بقلق بالغ من احتمال أن تقدم "حماس" على دفن جثث الرهائن في أماكن نائية أو آبار مخفية داخل غزة، بحيث يستحيل تحديد مواقعها لاحقاً. وقد حذر هؤلاء من أنه في حال مقتل العناصر الذين يعرفون مواقع الرهائن أثناء القتال، فإن هناك احتمالاً حقيقياً بعدم التمكن من العثور على بعض الجثث أبداً.
في تناقض واضح مع خطاب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يؤكد أن "الانتصار على حماس" هو الهدف الأسمى للحرب، تصرّ القيادة العسكرية على أن "تحرير الرهائن" يجب أن يبقى أولوية قصوى. وأكدت المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي ديفرين، يوم الإثنين، أن "الهدف الرئيسي للعملية هو إعادة الرهائن، يليه تفكيك بنية حماس، لكن الرهائن هم الأولوية".
وأضافت ديفرين في حديثها لصحيفة "هآرتس": "نعمل بتنسيق تام مع الحكومة، وقدمنا لهم كل الخطط. وأكرر مرة أخرى، الأهداف مترابطة، لكن استعادة الرهائن تتصدر الأولويات".
وسط الالتباس السياسي والعسكري حول ترتيب الأهداف، لمح مسؤول عسكري بارز، يوم الإثنين، إلى أن قرار توسيع العمليات العسكرية قد يكون جزءاً من استراتيجية "الضغط الميداني" على حركة "حماس"، لدفعها نحو الموافقة على صفقة تبادل رهائن جديدة.
هذا التوجه يعكس تكراراً لتكتيكات سابقة استخدمتها إسرائيل في محطات تفاوضية مختلفة مع فصائل فلسطينية، حيث يُستخدم الضغط العسكري كأداة تفاوض إضافية، وإن كان الثمن في هذه الحالة هو تعريض حياة الرهائن للخطر المباشر.
منذ عملية السابع من تشرين الأول، التي أسفرت عن أسر عشرات الإسرائيليين خلال هجوم مفاجئ شنته "حماس"، واجهت الحكومة الإسرائيلية ضغطاً داخلياً متصاعداً من عائلات الرهائن، الذين يطالبون بإعطاء الأولوية لإنقاذ ذويهم. ومع تعثر مفاوضات الوساطة التي تقودها قطر ومصر بمشاركة أميركية، يزداد الانقسام داخل إسرائيل حول ترتيب الأولويات: استمرار العمليات لتحقيق "انتصار عسكري"، أم وقف إطلاق نار جزئي يُفضي إلى صفقة تبادل.
ورغم مرور أكثر من ستة أشهر على بدء الحرب، لم تُحقق إسرائيل تقدماً حاسماً في مسألة الرهائن، بينما يتصاعد الغضب الشعبي ضد نتنياهو، لا سيما مع تقارير تتحدث عن تجاهله لنصائح المؤسسة العسكرية، وانشغاله بـ"البقاء السياسي" بدلاً من الاستجابة لمطالب عائلات الرهائن.