وفي هذا السياق، يرى الباحث د. خالد الحاج، في حديث لـ”ليبانون ديبايت”، أن "تلك الزيارة مثّلت لحظة فارقة في مسار التموقع السعودي على الساحة الدولية، وفتحت الباب أمام تحوّل نوعي في مفهوم العلاقة بين الرياض وواشنطن، من علاقة تقليدية إلى شراكة قائمة على الندية والمصالح المتبادلة، فالمملكة العربية السعودية تشهد تحولًا استراتيجيًا غير مسبوق في مقاربتها للسياسات الإقليمية والدولية، ما يرسّخ مكانتها كقوة صاعدة على الساحتين الإقليمية والعالمية".
ويشير إلى أن "هذا التحول يأتي في إطار رؤية استراتيجية متكاملة تقوم على مبدأين أساسيين: "تصفير الأزمات الخارجية" و"تنويع الشراكات ومصادر القوة الوطنية"، وهو ما تنعكس ملامحه بوضوح في مشروع "رؤية 2030"، الذي لم يعد مجرد خطة تنموية داخلية، بل أضحى إطارًا لإعادة تعريف موقع المملكة في التوازنات الدولية المقبلة".
ويوضح الحاج أن "البراغماتية أصبحت أداة رئيسية في إدارة الملفات الإقليمية الشائكة، وعلى رأسها العلاقة مع إيران، حيث عبّرت الرياض عن دعمها للمفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، آمِلةً أن تسهم نتائجها في تعزيز الاستقرار الإقليمي"، معتبرًا أن "هذا النهج يُظهر تحوّلًا نوعيًا من سياسة المواجهة إلى سياسة الاحتواء والدبلوماسية الذكية في إدارة النفوذ".
وبرأيه فإن "المملكة تُدرك تمامًا طبيعة النظام الدولي الذي لا تزال الولايات المتحدة تتسيّده، إلا أنها باتت تُحسن التموضع فيه من موقع الندّ لا التابع".
ويتوقف الحاج عند كيفية إدارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان للعلاقة مع إدارتَي ترامب وبايدن، مشيرًا إلى أن "المملكة نجحت في تحقيق توازن دقيق واستثنائي يضمن مصالحها دون الارتهان لأي طرف".
ويلفت إلى أن "الصفقات الاقتصادية والعسكرية الأخيرة بين السعودية والولايات المتحدة، والتي شملت مجالات الطاقة والتعدين والدفاع، تعكس هذا التموضع الجديد، وتدلّ على انتقال المملكة من الاعتماد على النفط كمورد وحيد، إلى الاستثمار في المعرفة، والتقنيات المستقبلية، والموارد البديلة".
وفي السياق التكنولوجي، يوضح الحاج أن "توقيع وكالة الفضاء السعودية اتفاقية مع وكالة "ناسا" لتنفيذ مشروع “كيوب سات” ضمن مهمة "أرتميس 2"، يشكل علامة فارقة في طموح المملكة لدخول مجالات الفضاء وتكنولوجيا الطقس الفضائي، كما يشير إلى أهمية مذكرات التفاهم بين وزارتي الدفاع السعودية والأميركية لتطوير الخدمات الصحية العسكرية، والتعاون القضائي بين وزارتي العدل في البلدين، معتبرًا أنها تُوسّع مفهوم الشراكة ليشمل البُنى المؤسسية والمجالات الحيوية، لا الاقتصادية والأمنية فقط".
وفي ظل تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وأوروبا، وتراجع النفوذ الأوروبي في ملفات دولية عدّة، يعتبر الحاج أن "السعودية بدأت تُقدَّم كـ"أوروبا الجديدة" في الشرق الأوسط، ليس من حيث الجغرافيا، بل من حيث الدور، والرؤية، والجهوزية للمشاركة الفاعلة في صياغة النظام العالمي الجديد".
ويضيف، أن "دولًا أوروبية تعاني من أزمات اقتصادية وهيكلية وتراجع في القرار السياسي، في حين تسير المملكة في اتجاه مغاير، إذ تستثمر في الذكاء الاصطناعي، والثورة الصناعية الرابعة، وتسعى إلى التحوّل إلى مركز علمي وتكنولوجي رائد في المنطقة".
ويتوقّف أيضًا الحاج عند نقطة محورية، تتمثل في تعهد الولايات المتحدة بتقديم الدعم لتطوير القدرات النووية السلمية للمملكة دون ربطه بالتطبيع مع إسرائيل، معتبرًا أن هذه الخطوة تعبّر بوضوح عن تمكّن الرياض من استخدام أوراقها الجيوسياسية بفعالية وواقعية، وفرض شروطها من موقع الندية، لا التبعية".
ويختم الحاج حديثه بالتأكيد على أن "المملكة العربية السعودية تدخل مرحلة جديدة من الحضور الدولي، تتداخل فيها الجغرافيا، والاقتصاد، والقوة الناعمة والصلبة، لترسم دورًا جديدًا لها، ليس فقط في المنطقة، بل على مستوى النظام العالمي الآخذ في التشكل".