وفي هذا الإطار، رأى المحلل العسكري العميد منير شحادة في حديث الى "ليبانون ديبايت" أن اختيار تاريخ 25 أيار لإجراء الانتخابات البلدية في الجنوب اللبناني ليس قرارًا عفويًا،(عُدل ليكون في 24 أيار)، بل يحمل دلالات رمزية وسياسية عميقة، لافتًا إلى أن هذا التاريخ الذي يتزامن مع عيد المقاومة والتحرير، يمثل رسالة واضحة بأن مسألتي عودة النازحين وتحرير الأرض هما قضيتان سياديتان مقدّستان، غير خاضعتين لأي مقايضة أو تراجع.
وأكد شحادة أن الإصرار على إجراء الانتخابات في هذا اليوم بالذات، دون تعديل أو تأجيل، يعكس تمسكًا مبدئيًا من قبل "الثنائي الشيعي" بهذه الرمزية، وهو إعلان بأن الجنوب لا يزال في قلب المعادلة الوطنية، سواء من جهة الأرض أو من جهة القرار الشعبي الحر.
وأضاف أن السيناريو القائم لا يخلو من التحديات الأمنية، موضحًا أنه "لا توجد أي ضمانات فعلية بعدم قيام العدو الإسرائيلي باعتداءات خلال يوم الاقتراع، سواء على مراكز الاقتراع، أو على التجمعات التي تضم نازحين عائدين إلى قراهم للمشاركة في العملية الانتخابية".
وتابع: "إسرائيل لا تلتزم عادةً بأي خطوط حمراء، وبالتالي فإن المخاطر قائمة، والاحتياطات يجب أن تكون حاضرة".
وفي هذا السياق، اعتبر شحادة أن الجنوب قد يشهد تكرارًا لصورة الصمود والمواجهة الشعبية كما حصل بعد انتهاء مهلة الستين يومًا، حين تقدّم الأهالي بصدورهم العارية نحو قراهم، رغم سقوط أكثر من 20 شهيدًا حينها. وقال: "اليوم أيضًا، الجنوبيون مصرّون على العودة إلى قراهم والمشاركة في الاقتراع، ولو كلّفهم ذلك دماءً جديدة. إنها رسالة تحدٍ للعدو الإسرائيلي، بأن الأرض ليست متروكة، ولا القرار الشعبي".
أما على صعيد المقاومة، فأكد شحادة أن الرد لن يكون مباشرًا على كل اعتداء، بل سيُترَك المجال أولًا لحراك رسمي وشعبي واسع، يتضمن تحركًا من قبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، إضافة إلى اتصالات إقليمية ودولية، خاصة مع الدول الراعية لهذا المسار الانتخابي، قبل اليوم الانتخابي تجنباً لأحداث دامية.
وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستكون معنية مباشرة بمنع أي تصعيد من جانب إسرائيل، خاصة بعد زيارة الرئيس الاميركي دونالد ترامب إلى المنطقة، والتي يُنظر إليها كجزء من ترتيب أوسع للهدوء السياسي والعسكري خلال فترة الانتخابات. ومع ذلك، جزم العميد شحادة: "لا شيء مضمون، والاحتلال يبقى احتلالًا، ولا يمكن الوثوق بعدم استغلاله أي فرصة لخلق فوضى أو توجيه رسائل نارية خلال لحظة دقيقة كهذه".
زيارة ليست رمزية
أما بخصوص الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة،فاوضح أنها لم تكن مجرد زيارة رمزية، بل هي في حقيقتها زيارة ذات طابع استثماري – عسكري واقتصادي – مع الدول التي شملتها. وهي تشكّل في مضمونها دليلًا واضحًا على وجود خلاف بين الإدارة الأمريكية الحالية ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو، والدليل الأبرز على ذلك هو أن ترامب لم يمرّ الى تل أبيب ولن يعرج عليها في جولته، وهذا مؤشر سياسي كبير، خاصة وأنه وجّه انتقادات علنية لأداء نتنياهو في ما يتعلق بمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
وأوضح أن ترامب ظهر خلال هذه الزيارة بدا وكأنه يطرح نهجًا مغايرًا تمامًا، إذ أعلن بوضوح أنه سيعمل على إيقاف الحرب في غزة، بينما كانت إسرائيل مستمرة ومندفعة في التصعيد، وذهب نتنياهو في تصريحات مباشرة خلال زيارة ترامب ليؤكد أنه سوف يستأنف الحرب على غزة، بل وسيقوم باجتياح شامل بهدف "القضاء الكامل على حركة حماس".
وتطرق الى نتائج هذه الزيارة التي اثمرت عن رفع العقوبات عن سوريا ، مما ينعكس حتمًا على لبنان، إذ إن رفع العقوبات عن سوريا سيؤدي إلى تحفيز الاقتصاد السوري، ويفتح الباب واسعًا أمام بدء عملية إعادة الإعمار. وهذا التطور ، سيخلق حاجة ملحّة إلى اليد العاملة، ما يعني أن هناك عاملًا إضافيًا جديدًا سيدفع باتجاه عودة النازحين السوريين من الأراضي اللبنانية إلى الداخل السوري.
ورغم محاولات الضغط المتواصل من بعض منظمات الـNGOs لبقاء النازحين السوريين في لبنان، إلا أن هذا الواقع قد يتغيّر، وفق العميد شحادة، إلا في حال زادت الجهات المانحة من كمية "الدولارات الخضراء" التي تُمنح للنازحين للبقاء. أما في حال بدأ العمل الفعلي في ورش الإعمار داخل سوريا، فإن الحاجة الميدانية ستفرض عودة الكثيرين، ليس فقط من أجل المساهمة في البناء، بل أيضًا للاستفادة من فرص العمل التي ستتوفر بكثرة، والتي ستكون عامل جذب أكبر من أي دعم خارجي.
وأوضح إن لبنان بدوره سيتأثر بشكل مباشر، وخصوصًا على مستوى العلاقة الاقتصادية مع سوريا. إذ يتوقع أن تشهد الحركة التجارية والاقتصادية بين البلدين انتعاشًا ملحوظًا، كما ستدخل شركات لبنانية على خط التلزيمات المتعلقة بإعادة الإعمار، ما يمنح الاقتصاد اللبناني متنفسًا مهمًا في هذه المرحلة.
أما في الجانب السياسي – الاستراتيجي، فإن رفع الحصار عن سوريا ينظر إليه أيضًا كجزء من اتفاق ضمني، تقوده الولايات المتحدة والسعودية، ويهدف إلى ضمان عدم تقسيم سوريا، وهو ما كانت تسعى إليه إسرائيل وتعمل عليه من خلال تأجيج الفتن الداخلية. لكن يبدو الآن أن هذا المشروع – أي مشروع التقسيم – قد تراجع إلى الخلف، دون أن يُلغى كليًا.
وأوضح أن مشروع التقسيم يبقى هدفًا استراتيجيًا لإسرائيل، وربما أيضًا لأمريكا في إطار مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، إلا أن الظروف الحالية تؤشر إلى أن تنفيذه سيؤجَّل، أو على الأقل سيستغرق وقتًا أطول بكثير مما كان متوقعًا من قبل تل أبيب وواشنطن.