اقليمي ودولي

الجزيرة
الأربعاء 21 أيار 2025 - 10:09 الجزيرة
الجزيرة

"من الشبيحة إلى مليارات الدم"... قصّة حراس آل الأسد والصندوق الأسود للفساد في سوريا

"من الشبيحة إلى مليارات الدم"... قصّة حراس آل الأسد والصندوق الأسود للفساد في سوريا

طوال أكثر من خمسة عقود، شكّلت عائلة شاليش واحدة من الأعمدة الصلبة للنظام السوري، مستفيدة من قرابة المصاهرة المباشرة مع عائلة الأسد، حيث تكرّست مكانتها في قلب السلطة الأمنية والسياسية نتيجة زواج سلمان شاليش من حسيبة علي سليمان الأسد، شقيقة الرئيس الراحل حافظ الأسد.


وترتبط أصول العائلة بمدينة القرداحة، مسقط رأس آل الأسد في محافظة اللاذقية. ومن بين أبرز وجوه العائلة، برز اللواء ذو الهمة شاليش وأخوه اللواء رياض شاليش، اللذان ظهرا كلاعبَين رئيسيَّين في إدارة السلطة، ولاحقًا ورث نفوذهما أبناء أخويهما، عيسى وحكمت.


وُلد ذو الهمة شاليش عام 1956، وبدأ صعوده الحقيقي بعد وفاة باسل الأسد عام 1994، حين تم تعيينه مسؤولًا عن الحراسة الخاصة لحافظ الأسد، خلفًا للعميد الفلسطيني خالد الحسين. واستمر في منصبه بعد انتقال السلطة إلى بشار الأسد عام 2000، قبل أن تتم إقالته بشكل مفاجئ عام 2019، في قرار قرأه كثيرون على أنه مؤشر لتراجع نفوذ العائلة داخل بنية الحكم.


لم يقتصر دور ذو الهمة على المهام الأمنية، إذ امتد إلى القطاع الاقتصادي، حيث أسس شركة "سيس إنترناشونال" الناشطة في مجالي المقاولات العامة واستيراد السيارات. وبفضل شبكة علاقاته الأمنية والسياسية، فاز بعقود ضخمة خاصة في قطاعَي الطرق والنفط، خصوصًا في شمال وشرق سوريا، وشكّلت مشاريعه ركيزة للهيمنة على الاقتصاد المرتبط بالبنى التحتية.


ووفق اللجنة السورية لحقوق الإنسان، توسّع شاليش لاحقًا في قطاع تجارة السيارات، حيث امتلك شبكات واسعة من المعارض والمكاتب، لا سيما على طريق دمشق–حمص ومحيط مدينة حرستا، وهي شبكة كانت تعمل تحت إدارته المباشرة، ومعظم موظفيها من أبناء الطائفة العلوية.


مع انطلاق الثورة السورية في آذار 2011، تحوّل ذو الهمة شاليش إلى أحد أبرز أذرع القمع، وأُدرج اسمه في 24 حزيران من العام نفسه ضمن قائمة العقوبات الأوروبية، ثم الأميركية، بتهم تتعلق بالمشاركة في القمع الدموي للمتظاهرين وتمويل "الشبيحة".


لكن هذا الولاء للنظام لم يشفع له أمام التبدلات الدولية. ففي حزيران 2019، بدأت روسيا، وفق تقارير، التحقيق في ملفات فساد ترتبط به، أبرزها تهريب العملة والآثار وبيع الأسلحة للفصائل المسلحة، في إطار تنازع النفوذ بين موسكو وطهران داخل النظام.


ووفق مصادر قريبة من موسكو، تورط شاليش في تهريب عميل استخبارات بالتنسيق مع مسؤولين إيرانيين، خشية توقيفه من الروس. وتم توقيف عدد من مساعديه داخل دمشق واللاذقية، مما مثّل ضربة قاسية لشبكته.


كما شملت التحقيقات ملفات كبرى مثل مشروع "ماروتا سيتي"، الذي أدار تنفيذه شقيقه رياض شاليش عبر "مؤسسة الإسكان العسكري"، والتي كانت ذراعًا اقتصادية غير معلنة لعائلة شاليش.


وفي أعقاب هذه الحملة، صدر قرار بإقالة ذو الهمة من جميع مناصبه الأمنية، ووُضع قيد الإقامة الجبرية في منزله بحي المالكي في دمشق، قبل أن يُعلن عن وفاته في 14 أيار 2022 بمستشفى الرازي، وسط تكهنات بأنه قُتل بغرض الاستيلاء على ثروته المقدرة بمليار دولار.


أما اللواء رياض شاليش، فقد ارتبط اسمه بمؤسسات النفوذ المالي والعسكري منذ أواخر السبعينات، حين اختاره رفعت الأسد لإدارة مشاريع "إسكان سرايا الدفاع"، ما مكّنه من تولي مشاريع عقارية ضخمة في دمشق، أبرزها في المزة وحرستا، وتوطين أبناء الطائفة العلوية فيها ضمن سياسة إعادة تركيب ديموغرافية واضحة.


بعد استبعاده مؤقتًا، عاد لاحقًا لترؤس "مؤسسة الإسكان العسكري"، وأشرف على مشاريع عمرانية في دمشق وحمص، منها ضاحية الوليد، كما أسس شركة اتصالات خاصة مع شقيقه ذو الهمة، وحصلا على مناقصات بمليارات الليرات، وسط اتهامات بالنهب والتلاعب في مؤسسات مثل "عمران" ومعامل الإسمنت.


وبعد وفاة ذو الهمة عام 2022، تحوّل رياض إلى الشخصية الأقوى في العائلة، واستفاد من نفوذه للسيطرة على مشاريع في حمص واللاذقية. لكن بعد سقوط النظام في كانون الأول 2024، تواترت أنباء عن فراره مع أسرته إلى لبنان.


الجيل الجديد من العائلة واصل مسار الهيمنة الاقتصادية، إذ شارك فراس عيسى شاليش، المولود عام 1976، في تأسيس شركة اتصالات في حمص، حصلت على امتيازات كبيرة، قبل أن يصطدم برامي مخلوف ويفقد دعم بشار الأسد، ما اضطره للهرب إلى قبرص حيث استثمر الأموال في مشاريع متعددة.


أما آصف عيسى شاليش، فقد أدرجته وزارة الخزانة الأميركية ضمن قائمة العقوبات عام 2005، بسبب خرق العقوبات المفروضة على العراق. وكان يدير شركة "سيس إنترناشونال" التي اعتُبرت واجهة اقتصادية لصفقات مشبوهة، أبرزها تهريب النفط وشراء معدات دفاع لصالح نظام صدام حسين.


في السابع من آب 2019، نعت وسائل إعلام موالية للنظام علي معلا شاليش بعد مقتله في معارك ريف حماة. وذكرت التقارير أنه أحد مؤسسي مجموعات الشبيحة بإشراف مباشر من ذو الهمة شاليش، وكان يبلغ من العمر 60 عامًا.


أما صخر حكمت شاليش، وهو نجل العقيد حكمت شاليش، فقد انخرط في صفوف الجيش السوري، إلا أن معلومات مقتضبة تحدّثت عن مقتله في عام 2015، من دون تأكيد رسمي، فيما غابت أسرته لاحقًا عن المشهد العام.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة