سقطت المهلة التي حُدِّدت لتسليم السلاح الفلسطيني داخل المخيمات، والتي كان يُفترض أن تنطلق في 16 حزيران، ضمن مخيمات بيروت. والمفارقة أن الحرب الإسرائيلية على إيران استُخدمت كذريعة فلسطينية لإسقاط الاستحقاق، في مشهد رأى فيه اللبنانيون محاولة للهروب من التزامات واضحة.
السلطة الفلسطينية التي كانت سبّاقة في اقتراح تسليم السلاح، بدت وكأنها تنكّرت للمبادرة التي طرحتها، متذرّعة بالتطورات الإقليمية. أما قيادة السلطة في رام الله، فاعتبرت أن مهمتها أُنجزت، وأن مسؤولية المتابعة تقع على عاتق ممثليها في لبنان.
هذا السلوك أثار انزعاجًا واضحًا على المستوى السياسي الرسمي، خصوصًا لدى رئيس الجمهورية جوزاف عون، يليه رئيس الحكومة نواف سلام بدرجة أقل. مصدر الانزعاج يعود إلى ما اعتُبر “قلّة لياقة” من جانب رام الله، في وقت أبدت الدولة اللبنانية أقصى درجات الجاهزية للتعاون. وكان يُفترض – بحسب الأصول – أن تتلقى رئاسة الجمهورية أو القناة الأمنية المعتمدة إشعارًا رسميًا بتأجيل التنفيذ أو بطلب تجميد المبادرة مؤقتًا، لكن شيئًا من ذلك لم يحدث.
المصادر الأمنية تفيد بأنها كانت تنتظر اجتماعًا كان مقرّرًا بعد عيد الأضحى بين ممثلين عن السلطة الفلسطينية ومسؤولين أمنيين لبنانيين في المديرية العامة للأمن العام، استكمالاً لاجتماع سابق. إلا أن الجانب الفلسطيني غاب عن السمع لأربعة أيام متتالية، قبل أن يخرج بعض مسؤوليه عبر الإعلام لربط الغياب بالحرب بين إسرائيل وإيران، ملمّحين إلى “سقوط المهل” من دون تنسيق أو تبرير مباشر.
ويبدو أن السلطات اللبنانية، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة نواف سلام، مرورًا بقائد الجيش رودولف هيكل والمدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، باتوا على قناعة بأن الطرح الفلسطيني لم يكن جديًا، بل استُخدم كمناورة، تاركًا للسلطات اللبنانية مسؤولية تفكيك “اللغم”. ويرى آخرون أن المبادرة قُدّمت بهدف سياسي لا أمني، وربما في إطار “استراتيجية إقليمية” تهدف لنزع الغطاء عن سلاح حزب الله.
وعلى ضوء هذا الإخلال، طُرح الملف على طاولة مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة، حيث دعت أطراف مؤثرة إلى اتخاذ موقف عالي النبرة. في المقابل، فضّلت جهات أخرى التريّث والتهدئة، تفاديًا لتحويل الاشتباك من فلسطيني – فلسطيني إلى لبناني – فلسطيني.
مصادر أمنية أكدت أن قياديين فلسطينيين من رام الله، من بينهم عزام الأحمد، في طريقهم إلى بيروت – أو هذا ما وصلنا – لإعادة بحث الملف. غير أن أحد المسؤولين اللبنانيين المعنيين بالشأن الفلسطيني تلقّى توجيهًا بنقل رسالة واضحة تعبّر عن الاستياء من التخلي عمّا جرى الاتفاق عليه، ولتعمّد الطرف الفلسطيني عدم الإبلاغ بالصعوبات والتأجيل، وكأن شيئًا لم يكن.
من جهة ثانية، كُلّف القصر الجمهوري المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير مجددًا بمتابعة الملف مع القوى الفلسطينية، مع صلاحيات إضافية تشمل التواصل مع جميع الأطراف. وفُهم أيضًا أن شقير نقل رسالة “تحذير” من مغبة القيام بأي تحركات عسكرية في الجنوب قد تمنح إسرائيل ذريعة لتوسيع عدوانها، مع التذكير أن الاتصالات لم تنقطع أساسًا.
يؤكد مرجع أمني كبير في حديث إلى “ليبانون ديبايت”، أن الدولة اللبنانية لم تبادر من تلقاء نفسها إلى طلب تسليم السلاح، بل جاءها الاقتراح من السلطة الفلسطينية، بداية عبر وسيط، ثم عبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس “أبو مازن” شخصيًا، وفق صيغة رسمية أُبلغت إلى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون.
وأكّد المرجع أن الدولة اللبنانية أبدت تجاوبها الكامل للتعامل مع الملف، بشرط وجود توافق فلسطيني – فلسطيني، ولم تطلب في أي لحظة أن تتفرّد بالقرار أو التنفيذ.
وردًا على ما يُشاع عن غياب آليات واضحة من الجانب اللبناني، أوضح المرجع الأمني الكبير أن تحديد الآليات كان من مسؤولية السلطة الفلسطينية، وقد طُلب منها تحديد ما تراه مناسبًا من خطوات ومواعيد. وقد قامت بذلك بالفعل، لكنها فيما بعد اختفت عن السمع، رغم الوعود المتكررة بـ”إنضاج” الآليات.
وجدّد المرجع التأكيد على استعداد الدولة للتعاون متى اتفق الفلسطينيون فيما بينهم.
وفي سياق الاتهامات التي وُجهت إلى الدولة اللبنانية من بعض قوى “تحالف الفصائل الفلسطينية”، والتي فُسّرت على أنها رفض لمطلب تسليم السلاح إنما تنظيمه، ردّ المرجع قائلًا: “من قال إن الدولة اللبنانية طلبت تسليم السلاح؟ السلطة الفلسطينية هي التي بادرت، وقدّمت اقتراحها رسميًا، ونحن تجاوبنا. لسنا دعاة أزمات أو خصومة، ولسنا ضد تنظيم السلاح داخل المخيمات. على العكس تمامًا، نحن مع أي صيغة يتوافقون عليها، لكن عليهم الالتزام بما يتعهدون به. ببساطة لأننا لسنا أولادًا”.
وتابع: “إذا قالوا إنهم مع تنظيم السلاح، فعليهم تنظيمه ومنع العناصر المتفلّتة من الخروج من المخيمات. وإن قالوا إنهم يريدون تسليمه، فأهلًا وسهلًا، نحن مستعدون لتسلّمه، وتسليمهم دليلًا على ذلك. لكن عليهم الالتزام بعدم التسلّح مجددًا. والسؤال هو: هل يستطيعون؟”.
عمليًا، تعكس تصريحات المرجع تعقيدات جدّية تقف في طريق إنجاز هذا المشروع. وهناك مخاوف من أن تتحوّل قضية السلاح إلى شرارة لمشاكل داخلية فلسطينية داخل المخيمات، وربما إلى تحميل الدولة اللبنانية مسؤولية الفشل، خصوصًا إذا أعاد البعض طرح “المقايضة” بين تسليم السلاح ومنح الفلسطينيين حقوقهم المدنية والاجتماعية.