الحريق، الذي وصفه شهود عيان بأنه "واحد من أكبر الحرائق العشوائية التي شهدتها المنطقة منذ أشهر"، أعاد تسليط الضوء على واقع النفايات غير المضبوط في المدينة، وعلى التراكم المزمن للإطارات والمواد القابلة للاشتعال في عدد من النقاط العشوائية، خصوصًا في محيط أسواق طرابلس الشعبية.
لكن ما بدا لافتًا هذه المرّة، هو سرعة الاستجابة من بلدية طرابلس التي تحرّكت ميدانيًا، إذ حضر رئيس البلدية الدكتور عبد الحميد كريمة إلى الموقع، يرافقه عضو المجلس البلدي بلال حسين، لمعاينة الأضرار ومواكبة عمليات الإطفاء عن قرب.

التحرّك البلدي الفوري – وإن كان بديهيًا من حيث الواجب – شكّل، في نظر عدد من المراقبين، "تغييرًا في نمط التعاطي البلدي مع هذه الحرائق"، خصوصًا أن الرئيس الجديد لم يمضِ على انتخابه سوى أسابيع، ويبدو أنه يسعى إلى كسر حالة اللامبالاة التي كانت سائدة في بعض الملفات البيئية والخدماتية الحسّاسة في المدينة.
وأكّد كريمة، من موقع الحريق، أن البلدية اتخذت الإجراءات اللازمة لدعم فرق الدفاع المدني، عبر تسهيل حركة صهاريج المياه وتوفير الطاقة والتجهيزات الضرورية، مشيدًا بشجاعة العناصر الذين واصلوا مهمتهم رغم تواضع الإمكانيات.
كما أشار إلى أن البلدية ستتقدّم بادعاء قضائي لفتح تحقيق حول الحادثة، محذّرًا من التهاون أو التغاضي عن أي شبهة إهمال أو فعلٍ متعمّد.
اللافت أيضًا، كان تحميل كريمة – بوضوح – مسؤولية هذا النوع من الكوارث إلى "تراكم الإهمال وغياب خطة الطوارئ الوطنية"، في إشارة إلى الإهمال المزمن الذي تعانيه المدينة من قبل الوزارات والإدارات المركزية، وهو ما دفعه للمطالبة بخطة عادلة تنصف طرابلس وتُخرجها من دوّامة الحريق والإهمال.
الحريق الكبير الذي شهدته طرابلس اليوم، لا يبدو معزولًا عن سياق أوسع من الإهمال البيئي والخلل الإداري في إدارة ملف النفايات، ولا عن تراكم النقاط السوداء في محيط الأحياء الشعبية. واللافت أن هذه المناطق لا تزال خارج أي خطة متكاملة لإعادة تأهيل البنية التحتيّة أو لتنظيم الأسواق والتخلّص الآمن من الإطارات والمخلّفات.
طرابلس، التي تعاني منذ سنوات من حرائق متكررة بسبب النفايات المشتعلة والإطارات المتراكمة، لم تعد بحاجة إلى زيارات ميدانية أو كلمات تضامن فقط، بل إلى قرار حاسم يُنهي هذا الإهمال المزمن، قرار يضع حدًّا لهذا المسلسل القابل للاشتعال دائمًا… دون إنذار.