"ليبانون ديبايت"
لم تكن الرسائل التي وجهها من باريس، الموفد الأميركي توماس برّاك إلى الدولة اللبنانية، حول "الفرصة الأخيرة"، إلاّ دلالة على وحدة الموقف بين واشنطن وأوروبا من ورقة المقترحات الأميركية التي سيردّ عليها لبنان، والتي تتركز على تنفيذ بنود اتفاق وقف النار لجهة حصرية السلاح وإطلاق عملية الإعمار وبسط سلطة الدولة على كل الأراضي اللبنانية. لكن المستشار القانوني في المفوضية الأوروبية الدكتور محيي الدين شحيمي، يستبعد حصر العملية الجارية من أجل إعادة بناء الدولة، بفرصة زمنية أو بمهلٍ محددة، معتبراً أن المعالجات تسير ببطء على بعض المسارات وبسرعة على مسارات أخرى، إنما الصورة العامة جيدة ومقلقة في الوقت نفسه.
ويوضح الدكتور شحيمي في حديثٍ ل"ليبانون ديبايت"، أن القلق يعود إلى العواقب المحتملة للتأخير في تنفيذ الدولة لالتزاماتها، وهي ليست فقط عسكرية حيث أن الخروقات الإسرائيلية لوقف النار تتواصل، إذ أن العواقب السياسية قد تأتي من الدول الصديقة للبنان الحريصة على عدم التخلي عن لبنان، والتي ستبدل من طريقة تعاملها حيث لن يكون لبنان أولويةً منفردة، بل من ضمن الأولويات.
ورداً على سؤال حول الجهة المسؤولة عن عدم الإلتزام بالإتفاقات، يؤكد شحيمي أن العبء الأساسي يقع على عاتق الدولة بالنسبة لأولوية حصرية السلاح بشكل جدي وليس فقط بالتصريحات، فيما الأولوية الثانية تنحصر بالإصلاحات في الإدارة وفي القطاع المصرفي والإقتصاد ومكافحة المؤسسات المالية غير الشرعية، لأن هذه الإصلاحات هي التي تمنح الساحة اللبنانية ملاءة العمل الحقيقي للعبور نحو الدولة، ما يدفع الخارج للإعتراف بوجود دولة ودعمها.
ويشدد شحيمي، أن من شرط هذا العمل الذي تقوم به الدولة أن يكون مقروناً بجهد دبلوماسي، من أجل الضغط على إسرائيل للإنسحاب من النقاط التي تحتلها، كما على الدولة بالمقابل أن تسحب كل ما قد يؤخر تطبيق اتفاق وقف النار الذي وقعت عليه كما الأطراف المعنية أي الثنائي الشيعي، لأن الأساسي اليوم هو بعدم السماح بحصول انقلاب على هذا الإتفاق، وذلك ليس بمعنى التنصّل منه بل بمعنى إضاعة الوقت واستخدام خطابات العهد القديم لترميم العهد الجديد.
وعليه، يتحدث شحيمي عن أهمية تحقيق نتائج سريعة لأن لبنان لا يملك ترف الوقت، وهو ما يفرض على الدولة أن تكون حازمة من أجل قطع الطريق على تضييع الوقت من قبل الحزب عبر تفسيرات غير صحيحة لا تخدم لبنان ولا تخدم الحزب نفسه، كالتذرع بأن ورقة براك هي اتفاق جديد بينما هي خطة مسهلة للبنان لتطبيق خطوات للضغط على العدو الإسرائيلي.
وفي هذا المجال، يعتبر شحيمي أن مصطلحات وخطاب الشيخ نعيم قاسم، هي مصطلحات وصدى لخطاب الأمين العام الراحل السيد حسن نصرالله، أي مصطلحات العهد القديم التي لم تعد صالحة اليوم، فيبدو خطاب الشيخ قاسم وكأنه في عالم منفصل وموازٍ، وكأن الواقع ما زال كما كان عليه قبل الحرب ولم تحصل حرب أميركية – إيرانية، أدت وباعتراف إيران لخسائر وضرر في منشآتها النووية.
ويخلص شحيمي إلى التأكيد بأن فائض قوة السلاح لم يعط الحزب طمأنينة ولو حتى بصفة شخصية، ما يجعل من الضروري اليوم الإلتزام بما تمّ الإتفاق عليه في تشرين الثاني الماضي، لأن ما من ميليشيا تدوم إلى الأبد، خصوصاً إذا ما تحولت إلى فريق ممانعة ضد الدولة وإعادة بنائها.
في المقابل يجد شحيمي أن الدولة تتصرف بطريقة حكيمة والأطراف الدولية متفهّمة للخاصية اللبنانية، ولكنها لن تنتظر إلاّ لفترة معقولة، وتطالب بخطوات وبنتائج على الأرض، وبأن لا تكون حازمة أكثر مع السلاح الموازي، فيما تأتي مشهدية السلاح الأخيرة، كمشهدية رخيصة وفاقدة الصلاحية وتشبه مشهدية استقبال نواف سلام في المدينة الرياضية.