يظهر التباين في الموقف الأميركي بين ما صرّح به برّاك وما أعلنته وزارة الخارجية الأميركية أن هناك انقساماً في الإدارة الأميركية حول كيفية التعاطي مع الملف اللبناني، لا سيما مع تمسك حزب الله بالسلاح من جهة، والتعنت الإسرائيلي في وقف الاعتداءات والانسحاب من لبنان، فما ستكون عليه الأيام المقبلة؟ وهل يتجه الحزب إلى تسليم السلاح قبل الأشهر الثلاثة التي تحدث عنها برّاك لتنفيذ بنود الاتفاقية؟
أوضح الكاتب والمحلل السياسي بشارة خيرالله في حديث لـ"ليبانون ديبايت" أن الموفد الأميركي توماس برّاك، وإن كان من أصول لبنانية، إلا أنه يعبّر بشكل واضح عن سياسة الإدارة الأميركية، وتحديداً عن نهج الرئيس دونالد ترامب. لا يمكن لمسؤول أميركي أن يتحدث بغير ما تم التوافق عليه ضمن المسارات الرسمية فيما يتعلق بلبنان.
وأضاف خيرالله: "الولايات المتحدة اليوم تُظهر استعجالاً واضحاً للحل، وهي ترعى مجموعة من الاتفاقات في المنطقة تهدف إلى تهدئة الأوضاع، منها اتفاق في غزة، وآخر مع إيران، وثالث يتعلق بلبنان. الاتفاق اللبناني سبق أن تم، ولولاه لما كنا شهدنا وقفاً لإطلاق النار، لكنه أُبرم في عهد الرئيس جو بايدن وليس في عهد ترامب، وقد تولاه ممثل رسمي عن الإدارة الأميركية ضمن لجنة حكومية.
وتابع: "اليوم، يبدو أن الأميركيين توصلوا إلى قناعة بأن ما تم الاتفاق عليه لم يُنفّذ كما يجب، لا من الجانب الإسرائيلي، ولا من جانب حزب الله. الحكومة اللبنانية من جهتها لم تقم بالدور المطلوب، بل بقيت تراعي موقف حزب الله، ما حال دون التطبيق الفعلي للاتفاق. في المقابل، لا تزال هناك أراضٍ لبنانية محتلة، منها التلال الخمسة، في ظل تصعيد إسرائيلي مستمر يستغل غياب الردّ ليؤكد أنه حاضر ومتمكن، عبر الغارات اليومية".
وشدّد خيرالله على أن الموقف الأميركي اليوم يجمع بين التفهم والضغط. الإدارة الأميركية مستعجلة للوصول إلى تسوية، لكنها محرجة أيضاً، لأنها لا ترغب بأن يرى العالم أن لبنان يُترك لمصيره أمام إسرائيل من دون أي قدرة للجم التصعيد. وفي المقابل، الدولة اللبنانية غير قادرة على إلزام حزب الله بتنفيذ الاتفاق أو وقف العمليات. وهنا المأزق الحقيقي.
وكشف بشارة خيرالله أن زيارة ثانية مرتقبة للمبعوث الأميركي، ومن المرجّح أن تحمل معها مقاربة مختلفة وإجراءات أوضح، في ظل استعجال أميركي للحل، وحرص على عدم ترك الأمور مفتوحة على مزيد من التدهور.
وأشار إلى أن الجيش اللبناني من جهته بدأ بتكثيف نشاطه في منطقة الجنوب، في خطوة تعكس تبدلاً في مقاربة الدولة للميدان، وإن كانت لا تزال تتم بهدوء وبعيداً عن الإعلام. وأضاف: "ما يجري على الأرض مغاير لما يظهر في العلن، إذ ينفذ الجيش سلسلة من الإجراءات الميدانية من دون ضجة إعلامية، ومن دون تصوير، ومن دون تغطيات دعائية أو بروباغندا".
واعتبر خيرالله أن هذا التوجه يعكس رغبة لبنانية بالتعاطي الجدّي مع التطورات من جهة، وفي الوقت نفسه محاولة لضبط الوضع ضمن الإمكانات المتاحة، تجنباً لأي تصعيد قد تستغله إسرائيل للذهاب نحو مواجهة أوسع.
ونبّه إلى أنه ليس هناك شيء اسمه جنوب الليطاني وشمال الليطاني، يبدأ سحب السلاح من هناك حتى لا يبقى أي سلاح خارج إطار الشرعية إذا كان اللبناني يريد أن ينعم بهدوء ويعيد الإعمار وكل ما يخدم كل اللبنانيين، وفي مقدمتهم البيئة الحاضنة لحزب الله.
ورأى أنه أصبح لحزب الله مصلحة بتسليم السلاح، بمعزل عن قرار باقي اللبنانيين أو رغبة الشعب اللبناني الآخر والحكومة اللبنانية، لأنه تبيّن أنه فقد وظيفته بعد عجزه اليوم في الدفاع عن لبنان وتفوق إسرائيل البحري والجوي والتقني. والدليل أنها تحتل أراضٍ لبنانية والحزب لا يستطيع فعل شيء، حتى إنه عاجز عن الدفاع عن إيران، بمعنى أن سياسة المحاور طارت بأكملها، وبالتالي ربط الساحات قد تفكك، والوظيفة التي أُنشئ من أجلها السلاح لم تعد تجدي نفعاً، لذلك من مصلحة الحزب الذهاب في طريق آخر وهو السياسة، لا سيما أنه لديه جمهور ونواب كما بقية المكونات، فلماذا تبقى "النجمة على كتفه" بأنه يملك السلاح؟
أما عن وجود أجنحة داخل الحزب، فأكد خيرالله أن الدولة اللبنانية لا تتعاطى مع أجنحة بل مع الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، والموضوع يفرض نفسه، مذكّراً بما حصل بموضوع الخيمة التي نصبها الحزب على الحدود ولم تجرؤ إسرائيل على ضربها، بل فاوضت على ذلك. فالزمن قد تغيّر، لا سيما أنه كان هناك السيّد نصر الله الذي يقول لها "بوقفك على إجر ونص"، وكان هناك خطاب يخيف إسرائيل ليس على أساس أنها قد تخسر الحرب، بل على أساس الخوف على مدنها المأهولة من الاستهداف.
وبرأي خيرالله، أنه بعد طوفان الأقصى، تعوّد الإسرائيلي على الدم بعد مقتل عدد من الإسرائيليين، لذلك لم تعد تخشى من الحرب. ولكن نبّه إلى أنه في حال رُفض تسليم السلاح، فمن المؤكد وبكل أسف أننا سنشهد على تصعيد إسرائيلي جديد.
وركّز على أن مصلحة الحزب اليوم تسليم السلاح، وأيّة ضمانات يطلبها الحزب لتسليم هذا السلاح هي حتماً تحت سقف الدستور اللبناني.