في الأشهر الماضية، اجتاز العراق استحقاقين صعبين: الأول، تجنّب الانزلاق في نيران الحرب بين إسرائيل وإيران وتداعيات الضربات الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية؛ والثاني، الامتناع عن التدخل لإنقاذ نظام بشار الأسد في سوريا. واليوم، يتطلّع العراق إلى استحقاق ثالث يتمثل في الانتخابات البرلمانية المقرّرة في تشرين الثاني، التي ستحدّد شكل البرلمان المقبل واسم رئيس الوزراء.
في مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط"، تناول رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أبرز تطورات المرحلة، وتحدّث عن مستقبل التوازنات الإقليمية، الحرب الإسرائيلية - الإيرانية، العلاقات مع سوريا، وإيران، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى الملف الكردي والاستحقاق الانتخابي المقبل.
قال السوداني إن العراق جزء من الجغرافيا السياسية للمنطقة، وإنه لا يقف متفرجًا بل يساهم في بلورة موقف يضمن الأمن والاستقرار. وأوضح أن العراق عارض خرق أجوائه خلال العدوان الإسرائيلي على إيران، وتقدّم بشكوى إلى مجلس الأمن، مؤكداً أن موقفه الرافض كان واضحًا وثابتًا، سواء على المستوى الدولي أو الداخلي، من خلال بلورة موقف وطني موحّد.
وأضاف أن العراق لم يتلقّ أي طلب من إيران خلال الحرب، بل كان مبادِرًا في نقل الرسائل والسعي نحو وقف التصعيد والعودة إلى المفاوضات، مؤكّدًا أن طهران أبدت انفتاحًا في تلك اللحظات شرط وقف العدوان.
وفي ما يتعلق بإدارة الوضع الداخلي، أشار إلى أنّ حكومته نجحت في احتواء انفعالات الفصائل العراقية المتحالفة مع إيران، ومنع تطوّرها إلى أفعال تهدد الأمن. ولفت إلى أن شعار "العراق أولاً" لم يكن مجرد خطاب، بل أصبح منهجًا فعليًا في إدارة العلاقات والسياسات.
أما في شأن العلاقة مع الولايات المتحدة، فأكّد السوداني وجود تنسيق مستمر، لا سيما في ما يتعلق بخرق الأجواء العراقية ودعم منظومة الدفاع الجوي. كما لمّح إلى احتمال التوصل إلى صفقة أميركية - إيرانية مستقبلاً، مشيراً إلى أن طهران لا تتبنى قرارًا رسميًا أو دينيًا بامتلاك السلاح النووي.
في السياق السوري، أكد السوداني أن العلاقات مع النظام الجديد في دمشق طبيعية وتسير في مسارها الصحيح، كاشفًا عن تعاون أمني واقتصادي وتنسيق مستمر على مستوى تبادل المعلومات وحماية الحدود. وعبّر عن تحفظه على بعض الممارسات، منها تجنيس المقاتلين الأجانب، داعيًا إلى عملية سياسية شاملة في سوريا.
وفي ما يتعلق بملف الفساد، شدّد رئيس الوزراء على أن حكومته أوقفت انهيار المال العام، مستعيدًا أكثر من 500 مليون دولار، ومؤكّدًا على إصلاح المؤسسات الرقابية، ومحاكمة المتورطين في فضيحة "سرقة القرن"، بمن فيهم مسؤولون سابقون.
أما عن العلاقة مع كردستان، فنفى السوداني وجود نية لتجويع الإقليم، موضحًا أن الخلاف تقني قانوني يتعلق بعدم التزام حكومة الإقليم بتسليم النفط والإيرادات غير النفطية. وكشف عن تشكيل لجنة وزارية للبحث في حلّ ملف الرواتب، مؤكداً أن العلاقة مع الرئيس مسعود بارزاني متينة.
بالنسبة للانتخابات المقبلة، أعلن السوداني أنه سيخوضها بتحالف سياسي واسع عابر للطوائف، وعبّر عن أمله بعودة التيار الصدري للمشاركة، معتبرًا أن حضوره ضروري لتوازن واستقرار البلاد.
وفي ملف السلاح، أكد السوداني أن حكومته لن تقبل بوجود سلاح خارج إطار الدولة، وهو مسار مدعوم دينيًا وسياسيًا وشعبيًا. أما عن البيئة الاستثمارية، فكشف أن العراق تجاوز عتبة 100 مليار دولار من الاستثمارات خلال عامين.
واختتم السوداني حديثه بتأكيد التزامه بالنهج الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة، مشدداً على رفضه لحكم الفرد أو الصلاحيات المطلقة، وواصفًا السلطة بأنها مسؤولية لا امتياز.
أما عن حياته الشخصية، فأشار إلى أنه يبدأ يومه في السابعة صباحاً، ويعشق الطرب العراقي الأصيل وشعر الجواهري، ويجد في مؤلفات الدكتور علي الوردي مرآة لفهم المجتمع العراقي.