"ليبانون ديبايت" - فادي عيد
عندما تحدّث نائب رئيس مجلس النواب الأسبق إيلي الفرزلي، عن أن لبنان سقط في "هاويةٍ لا قعر لها " في العام 2019، ساد الظنّ في حينه أنه يقصد أزمة الإنهيار المالي والمصرفي في 17 تشرين الأول. لكن اليوم، وعندما يقول الموفد الرئاسي الأميركي توم برّاك، إن "الوصول إلى القاع لم يعد مجرّد احتمال"، فإن هذا مؤشِّر على أنه بات للهاوية قعر، ويقترب منه لبنان مع انتهاء المهل والمواعيد المضروبة أميركياً، وضمناً إسرائيلياً، من أجل المبادرة وإطلاق الدينامية المُنتظرة الهادفة لتنفيذ الطروحات الأميركية المشروطة بنوعٍ من التحذيرات، وربما التهديد من أن إسرائيل يمكن أن تقوم بكل شيء في لبنان، وأن الرئيس دونالد ترامب لا يمكنه أن يضغط على إسرائيل أو يملي عليها ما يجب أن تقوم به.
فهل انتهت المهلة الأميركية قبل الموعد المرسوم في نهاية العام الحالي؟ هذا السؤال يحتمل إجابةً وحيدة مفادها أن التصعيد الإسرائيلي وارد في أي لحظة، اليوم أو في شهر آب المقبل أو أيلول أو تشرين الثاني، أو حتى نهاية العام، وإن كان التصعيد أمر واقع ولم يعد احتمالاً، وطبيعته تحدِّدها إسرائيل وليس واشنطن، وذلك بمعزلٍ عن كل التصريحات التي أدلى بها الموفد الأميركي من بيروت حيث نفى قبيل مغادرته، احتمال شنّ إسرائيل عدواناً شاملاً على لبنان.
فالمبادرة التي يطلبها برّاك من الحكومة اللبنانية، تقتضي قيام الحكومة اللبنانية بخطوات ملموسة في ملف حصرية السلاح، وذلك من خلال قرار واضح يحدِّد آليةً تنفيذية تترجم الموقف السياسي المعلن من الحكومة ومن العهد، الملتزم باتفاق وقف إطلاق النار وبالقرارات الدولية وتحديداً القرار 1701، على أن يأتي التنفيذ لاحقاً وخلال الأشهر القليلة المقبلة.
وبينما يكشف مطّلعون عن هدوء حذر على خطّ الداخل السياسي، كما على خطّ بيروت ـ واشنطن مروراً بباريس، لم يكن عابراً توجيه برّاك الإنذار الأخير للحكومة من خلال وضع مصداقيتها على المحكّ، عبر إثباتها قدرتها على التوفيق بين المبادىء والتطبيق لملف حصر السلاح بيد الدولة.
إلاّ أن هذا الواقع، لا يعني خرقاً أكيداً لمعادلة اللاإستقرار الحالية التي تُبقي كتاب الحرب مفتوحاً أمام بنيامين نتنياهو، من أجل الإمساك بكل السيناريوهات العسكرية على جبهة جنوب لبنان، كما هي الحال في غزة.
ويقرّ المطّلعون ل"ليبانون ديبايت"، بأن الطرح الأميركي يتجاوز قدرة الحكومة على التنفيذ، بدءاً بسلاح "حزب الله" إلى الترتيبات الحدودية مع إسرائيل، وهاتين المسألتين تشكّلان محور مهمة برّاك، التي لن تتوقف مهما تطلّبت من زيارات وجولات ولقاءات علنية أو سرّية في بيروت وخارجها.
ومن هنا، فإن مهمة أو وساطة برّاك التي دخلت أخيراً باريس على خطّها، هي التي أصبحت أمام المهلة الأخيرة، كون زياراته الثلاث فشلت في تطوير وتثبيت وقف إطلاق النار، بدلالة المسعى اللبناني باتجاه الإيليزيه، من أجل استلحاق الجهود الديبلوماسية الأميركية، والحؤول دون تأثيرها السلبي على استحقاق التجديد ل"اليونيفيل"، خصوصاً وأن فرنسا هي حاملة القلم في مجلس الأمن، ودورها محوري لتحقيق هدفين يراهن عليهما لبنان:
ـ أولاً: التدخل في صياغة مشروع قرار التجديد لقوات الطوارىء العاملة في جنوب لبنان، في أواخر شهر آب المقبل.
ـ ثانياً: التواصل مع الولايات المتحدة الأميركية للضغط على إسرائيل، كي لا يأتي هذا التجديد ل"اليونيفيل" "على النار" بل بديبلوماسية.