المحلية

الاثنين 28 تموز 2025 - 06:37

جعجع يواجه بعبدا: منعاً لإنتاج ميشال عون – 2

جعجع يواجه بعبدا: منعاً لإنتاج ميشال عون – 2

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح


منذ نهاية الحرب الأهلية، بقي سمير جعجع ثابتًا على موقفٍ جوهري: لا شريك مسيحي في الزعامة. لم يكن هذا التوجّه خفيًا، بل تجلّى في محطات حاسمة، من مواجهته مع ميشال عون عام 1990 إلى تناحره المستمر مع أي شخصية مارونية تصعد خارج بيئته الحزبية. واليوم، تعود المعركة ذاتها ولكن مع عنوان جديد: جوزاف عون.


عام 1990، شنّ جعجع حربه على “المنطقة الحرة” بقيادة ميشال عون، في لحظة كانت فيها شرعية قائد الجيش مدعومة من شريحة واسعة من المسيحيين. أسست حرب جعجع يومذاك لـ"السوريين" مد أيدهم على الشرعية، ما كرّس فكرة الوصاية، التي وللتاريخ، وضع جعجع لبنتها الأولى، ذلك بعد أن أصبح ميشال عون في المنفى، ومثله الرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل، وبعد أن أصبح رئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون تحت التراب.


لاحقًا، وبعد توقيع اتفاق الطائف، دخل جعجع الحكومة كوزير، ثم ما لبث أن اصطدم مجددًا بالتركيبة السياسية الجديدة لأنه ظن بأنه سيُمنح ما لم يُمنح لغيرة، فإكتشف محدودية التقديمات، ما لبث أن عاد إلى نظرية العنف نفسها، ليسجن أحدى عشر ونيّف في عهد الرئيس إلياس الهراوي عام 1994.


في عام 2005 خرج من سجنه في وزارة الدفاع. كان ميشال عون قد عاد لتوّه من المنفى وسبقهما أمين الجميل. تحالفا قليلًا، ثم انفصل كلٌّ منهما إلى سياسته. تقاتلا وتصارعا، وخاضا في محطات ومحطات، بينها تحالف جعجع مع حزب الله لإسقاط ميشال عون وتياره في إنتخابات ما بعد "ثورة الأرز". بقيت العلاقة في صعود وهبوط، لغاية أن بزغ فجر 2016، حين قررا السير سويًا باتفاق “أوعا خيك” الرئاسي الانتخابي، وشعاره إنشاء “ثنائية” وأكل كل من سلف من بيوتات مسيحية. لكنه، في الحقيقة، لم يكن سوى استنساخ لمرحلة سابقة من السباق على الأحادية تحت سقف الثنائية، كرّس فيها جعجع ضغائنه تجاه أي شخصية مسيحية منافسة له.


فما كان من “أوعا خيك” إلا أن تحوّل إلى “أفرم خيك”، وبعد حين “أفرم العهد”، في أعقاب انتخاب ميشال عون رئيسًا، لينقضّ سمير جعجع على عهدٍ احتفل بأنه عهده، وليتحوّل فجأة إلى “ثورجي” يجوب ساحات 17 تشرين.


انتهى عهد ميشال عون بالطريقة التي انتهى إليها، والتي لا تعفي جماعته من المسؤولية عنها. حينها اعتقد جعجع أن فجره قد بزغ مجددًا، حين اعتبر أن خروج ميشال عون من قصر بعبدا بالطريقة التي خرج فيها، تعني سقوطه سياسيًا، وبالتالي البدء بانحسار شعبيته وشعبية تياره ووريثه الشرعي جبران باسيل.


قبل ذلك، كان جعجع قد استفاد من وضعية عهد عون ليزيد من حضوره السياسي على حسابه في انتخابات 2022 التي كرّسته زعيمًا حقيقيًا للمسيحيين بـ19 مقعدًا نيابيًا.


استمر الأمر على هذا النحو. “فلح” جعجع في كل المعارضين من المسيحيين، تغييريين أم مستقلين على مبدأ فرّق تسد، في خضم فراغ رئاسي إمتدت منذ منتصف عام 2022 إلى أواخر عام 2024، لهدف واحد: المحافظة على تفوقه مسيحياً.


وخلال تلك الفترة، عمل جعجع جاهدًا على تكريس نفسه مرشحًا رئاسيًا فوق العادة، أو على الأقل الجهة صاحبة الحق في تسمية أي رئيس الجمهورية مقبل، أو على الأقل أن يكون أي رئيس قادم بمثابة موظف لدى معراب.


لن نعيد سرد الأحداث الماضية، حول ما جرى مع قائد الجيش السابق جوزاف عون، وكيف كان جعجع يترفّع حين يسميه معتقدًا بأن الأحوال لن تميل له، وكيف جسّد ذلك في مواقفه ما بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، حين اعتبر أن نتائجها تعدّ فوزًا لهم، لا يصبح معها مقبولًا الإتيان برئيس من خارج صفوفهم.


لكن السفن سارت عكس رياح جعجع. ومع حسم اسم جوزاف عون رئيسًا للجمهورية على نحوٍ دقيق غير قابل للطعن، قبل حوالي شهر من موعد الاستحقاق، بدأ جعجع “الحرتقة”، حين رفض زيارة عون في منزله بصفته المرشح الأكثر تقدمًا للرئاسة، بل طلب أن يزوره عون شخصياً في معراب، حتى يظهر في خلفية المشهد أنه صانعته، قبل أن تتدخل السعودية وتكسر نرجسيته السياسية وتُجبره على النزول إلى اليرزة.


ما أمكن تسجيله في اللحظات الأولى للعهد، كان احتفاءً قواتيًا بالنصر، واعتبار جعجع أن “العهد عهدُنا” تماماً كما فعل مع ميشال عون. لاحقًا، قرّش جعجع “نصره” المزعوم مشاركةً في الحكومة، وقد سجل “المعرابيون” أوسع مشاركة للقوات منذ حكومة ما بعد الطائف عام 1990.


كل ذلك لم يشفِ غليل قائد القوات، الذي كان بين الفينة والأخرى يتحيّن الفرصة للانقضاض على عهد جوزاف عون وانتقاده، ومحاولة توجيهه أو تصوير نفسه راعيًا أو مرشدًا روحيًا له، ما تسبب، ويتسبب، بحالة من العتب والانزعاج لدى عون شخصيًا، الذي بات يعتبر أن جعجع “يزايد على العهد”، ويتسلّل الامتعاض إلى فريق مستشاريه وكثير ممن يحمل رتبة نائب.


مشكلة جعجع مع جوزاف عون، وقبله مع ميشال عون وداني شمعون وطوني فرنجية، وبينهما مع إيلي حبيقة وفؤاد أبو ناضر وحنّا العتيق (الحنون) و "كوجاك" (جورج الأعرج)، وأمين الجميل وسامي الجميل وسليمان فرنجية، وربما حتى مع بشير الجميل نفسه، أنه يطمح لأن يكون زعيمًا أحاديًا للمسيحيين. لذلك، لا يناسبه أن يتقدّم جوزاف عون في عهده، ولا أي أحد آخر، ببساطة لعدم تكرار استثنائية ميشال عون أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وأن يأتي من ينافسه مسيحيًا.


اليوم، يفتح سمير جعجع معركة جديدة ضد قصر بعبدا، عنوانها أن القصر يريد الانخراط في الانتخابات النيابية المقبلة العام المقبل، ويتهمون مستشاريه بأنهم يجرون لقاءات مع مرشحين محتملين للانتخابات ويفتحون لهم أبواب القصر، بعلم الرئيس. وقد أقتنعت معراب نفسها بأن القصر حسم خيارهم في دعم “أسماء” في الانتخابات المقبلة.


وإن جزمنا بإمكانية حدوث ذلك، فعداء جعجع له ما يبرّره، ونقزته منه تختصر في الجو في معراب، أن الرئيس يريد الأكل من صحن القوات، أو مزاحمتها في ساحتها، وبالتالي مزاحمة جعجع في الحضور.


وجعجع يعلم جيدًا أن عون يستطيع تحقيق نقاط على حسابه، ببساطة لأن المجتمع المسيحي أقرب إلى الشرعية منه إلى الأحزاب، ولأن سمير جعجع مهجوس بفكرة إنتاج ميشال عون ثانٍ.


يقول أحد الزوار الدائمين إلى القصر إن انتقادات القوات، وتصرفات بعض أركانها، ومواقفها ومواقفهم، لا تبرير لها سوى أنها بسبب ما يعتقد جعجع من أن الرئيس يسعى إلى تشكيل “كتلة نيابية” من مستقلين يشكّلون “منظومة دعم” للعهد. والمشكلة التي تحمل على الإنتقادت، ليست بالنسبة إلى جعجع، استراتيجية رئيس الجمهورية في معالجة سلاح حزب الله أو غير ذلك.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة