المحلية

الجمعة 08 آب 2025 - 14:48

جوزاف عون… القرار الذي غيّر المعادلة

جوزاف عون… القرار الذي غيّر المعادلة

"ليبانون ديبايت" – المحرر السياسي


منذ لحظة دخوله قصر بعبدا، أعاد الرئيس جوزاف عون صياغة مقاربة الدولة اللبنانية للإصلاح. فعلى مدى عقود، اعتادت العهود السابقة معالجة تداعيات الأزمات بدلاً من الذهاب مباشرة إلى جذورها، مكتفية بالمسكّنات السياسية لشراء الوقت وتأجيل الانفجار، فيما أصل المشكلات بقي على حاله. لكن الرئيس عون قرر أن يطرق الباب الصحيح: حصر السلاح بيد الدولة باعتباره المدخل الأساس لأي عملية إصلاح حقيقية وجذرية.


هذا المبدأ ليس اجتهاداً شخصياً فحسب، بل هو ثابتة وطنية نصّ عليها اتفاق الطائف بوضوح، من خلال الدعوة إلى حل الميليشيات وتسليم أسلحتها وتقوية القوى الشرعية لتكون صاحبة الولاية الحصرية للقوة. الجديد في عهد جوزاف عون أنه نقل هذا النص من خانة الشعارات الجامدة إلى حيّز التنفيذ العملي، مستنداً إلى رؤية واضحة تقوم على ركيزتين أساسيتين: الحفاظ على الوحدة الوطنية والاستقرار الداخلي، والمضي بحزم نحو تثبيت مبدأ الحصرية الكاملة للسلاح.


هذه الرؤية بدأت تتجلى على أرض الواقع مع القرار الأخير لمجلس الوزراء بتكليف الجيش إعداد خطة عملية لحصر السلاح قبل نهاية السنة، في خطوة تمثل أول مسار مؤسساتي واضح في هذا الملف منذ سنوات طويلة، وتنقله من دائرة الخطاب السياسي إلى خانة التنفيذ الرسمي. ولم يكن هذا التحول وليد لحظة سياسية عابرة، بل ثمرة مفاوضات هادئة وشاقة قادها الرئيس عون بعيداً عن الأضواء مع حزب الله، بهدف الوصول إلى تفاهمات تمهّد الطريق لتطبيق مبدأ الحصرية. وبفضل الثقة التي بناها مع مختلف الأطراف، نجح في تبديد معظم هواجس الحزب الداخلية، حتى وصل الأمر للمرة الأولى في تاريخ المقاومة إلى عدم رفض مبدأ الحصر، بل حصر الاعتراض في الشروط مثل الانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق ووقف الاغتيالات، ما يعكس تحوّلاً جوهرياً في طبيعة النقاش.


ومع ذلك، لم تحظَ هذه المقاربة دائماً بدعم كامل من كل القوى السياسية. فقد اختار بعض الأطراف، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة وفريق “القوات اللبنانية”، انتهاج خطاب تصادمي بدل تبني نهج تكاملي مع رئاسة الجمهورية. ورغم أن هذا النهج قد يبدو للبعض موقفاً حازماً، فإنه في الواقع يضعف الموقف الوطني العام ويحوّل الملفات السيادية إلى منصات مزايدات سياسية، بدل أن تكون ساحات توحيدية للعمل المشترك.


التجربة أثبتت أن النجاح في الملفات الوطنية الحساسة لا يتحقق بالمواجهة أو بالمزايدة، بل بمزيج من صرامة الهدف وهدوء الوسيلة: التمسك بتحقيق الحصرية دون أي تنازل، وفي الوقت نفسه حماية الاستقرار والوحدة الوطنية كشرطين لا يمكن المساس بهما. هذا ما فعله الرئيس جوزاف عون، فحافظ على جسور الحوار مع كل الأطراف، وفتح مساراً مؤسساتياً غير مسبوق نحو تنفيذ أحد أهم بنود الإصلاح الوطني.


اليوم، من الواضح أن ما تحقق لم يكن صدفة أو نتيجة ضغط شعبوي، بل نتاج مسار طويل من العمل الدؤوب قاده الرئيس عون بحكمة سياسية ورؤية استراتيجية. وإذا كان لا بد من تسمية البطل الحقيقي وراء هذا التحول، فهو بلا شك جوزاف عون، الذي وضع لبنان على سكة الدولة القوية التي لا سلاح فيها إلا سلاحها الشرعي، ورسّخ قناعة بأن الإصلاح يبدأ من معالجة أصل المشكلة لا من الالتفاف حولها، مثبتاً أن الإنجازات الكبرى تصنع بهدوء وإصرار، لا بضجيج الخطابات أو بحدة المواجهات.

تــابــــع كــل الأخــبـــــار.

إشترك بقناتنا على واتساب

WhatsApp

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة