في الوقت الذي تُفتش فيه حكومة الرئيس نواف سلام على مداخيل للخزينة "بالسراج والفتيلة"، لتغطية نفقات الزيادات على رواتب العسكريين، بعدما أبطل المجلس الدستوري قانونية الزيادة التي فرضتها الحكومة على مادتي البنزين والمازوت، يبدو من المفيد إعادة إلقاء الضوء على الرسوم التي تتقاضاها الدولة على الأملاك العامة البحرية، والتي هي برأي الخبراء والمختصين زهيدة وغير عادلة. وفتح النقاش عن سبب غضّ نظرها منذ سنوات، عن المخالفات التي يرتكبها أصحاب المنتجعات والمؤسسات السياحية على هذه الأملاك، علما أنها يُمكن أن تؤمن للخزينة ملايين الدولارات، والأهم أنها تكرّس العدالة في فرض الرسوم بين مختلف طبقات الشعب اللبناني، وليس كما يحصل في موازنات السنوات الماضية، حيث تستسهل الحكومات المتعاقبة فرض الضرائب على الفقراء، وتغض الطرف عن تقاضي رسوم عادلة على الاغنياء ومنهم أصحاب المنتجعات البحرية، لأسباب متعددها أهمها المصالح المشتركة التي تجمع بينهما.
رسوم تزيد عن 250 مليون دولار!
بلغة الأرقام، يمكن أن تؤمن الرسوم على الأملاك العامة البحرية بين 250 و 500 مليون دولار سنويا، إذا تمّ تطبيق المعيار نفسه الذي يتم لإحتساب الرسوم على الأملاك المبنية. أما على أرض الواقع فتنقسم الأملاك العامة البحرية في لبنان بين أملاك عامة بحرية مشغولة بصورة قانونية، أي بمراسيم تُجيز إشغالها، وأملاك عامة بحرية مشغولة بصورة مخالفة للقانون (دون إستصدار مراسيم تجيز إشغالها). وبلغة القانون لا يترتب للشاغل الفعلي بصورة قانونية أي حق مكتسب مهما كانت مدة إشغاله، وهو ما أكدته المادة 30 من قانون الموازنة لعام 1990، بكلتا صورتَي الإشغال (إشغال دون استصدار مراسيم تجيزه، وإشغال مؤقت بمقتضى ترخيص) الملزمتين بالسماح للمواطنين بالوصول إلى الشاطئ.
وفقا لدراسة ل"الدولية للمعلومات"، واقع الأملاك العامة البحرية يتوزع بين إشغالات مرخصة، قبل العام 1975 وبعده حتى العام 2012 ولكن بدلات الإشغال متدنية جدا، مقارنة بقيمة الأراضي والمساحات المشغولة تبعا لموقعها، وتعديات على الأملاك العامة البحرية من الذين سبق وحصلوا على تراخيص قانونية وهم النسبة الأدنى، وتعديات من أشخاص والرسوم العادلة على الأملاك البحرية تؤمن 250 مليون دولار سنويا ...لماذا تتغاضى الحكومة عن تطبيقها؟
الموازنة لعام 1990، بكلتا صورتَي الإشغال (إشغال دون استصدار مراسيم تجيزه، وإشغال مؤقت بمقتضى ترخيص) الملزمتين بالسماح للمواطنين بالوصول إلى الشاطئ.
وفقا لدراسة ل"الدولية للمعلومات"، واقع الأملاك العامة البحرية يتوزع بين إشغالات مرخصة، قبل العام 1975 وبعده حتى العام 2012 ولكن بدلات الإشغال متدنية جدا، مقارنة بقيمة الأراضي والمساحات المشغولة تبعا لموقعها، وتعديات على الأملاك العامة البحرية من الذين سبق وحصلوا على تراخيص قانونية وهم النسبة الأدنى، وتعديات من أشخاص ومؤسسات لم تحصل على أي ترخيص. الدولة اللبنانية حتى اليوم لا تتقاضى أية بدلات لقاء هذه الإشغالات غير القانونية، التي تقوم بها جهات حزبية وسياسية تسيطر على الدولة، وتحول دون إصدار أي قانون أو مرسوم لتحصيل العائدات التي تقدر بملايين الدولارات سنويا. وقد أدى هذا الواقع إلى إحجام الكثيرين عن طلب إشغالات أملاك بحرية قانونية، في ظل استمرار الإشغالات غير القانونية.
كيف نحتسب الضريبة؟
بحسب الخبراء يمكن إحتساب بدل الأشغال للأملاك العام البحرية، وفقا للمعايير التالية، المسابح والحمامات البحرية دون إنشاءات للمنامة 0.5 بالمئة من سعر الأراضي اليابسة القائمة أو المردومة. و0.1 بالمئة للمسطح المائي غير المحصور و1 بالمئة للمسطح المائي المحصور.المجمعات الفندقية والسياحية البحرية 0.75 بالمئة من سعر الأرض. و0.1 بالمئة للمسطح المائي إذا كان غير محصور و1 بالمئة إذا كان محصوراً. المؤسسات الصناعية والتجارية 0.5 بالمئة من سعر الأرض. 0.1 بالمئة للمسطح المائي غير المحصور 0.2 بالمئة للمسطح المائي غير المحصور.الإستعمال الخاص، 2 بالمئة من سعر الأرض و0.1 بالمئة للمسطح المائي غير المحصور و0.5 بالمئة للمسطح المحصور،الإستعمال الزراعي 0.1 بالمئة من سعر الأرض.
صالح: رسوم الأملاك البحرية في موازنة ال2025 لا تتجاوز 25 مليون دولار!
يشرح مدير المحاسبة السابق في وزارة المالية، ورئيس الهيئة الأهلية لمكافحة الفساد الدكتور أمين صالح ل"ليبانون ديبايت"، أن المفاهيم التي تطرح حول الرسوم خطأ، بمعنى أن الضرائب والرسوم وعائدات الدولة من أملاكها لا تُخصص لنفقات معينة، بل تُخصص جميعها لنفقات الدولة على إختلافها، والإستثناء هو تخصيص ضريبة معينة لتغطية نفقات خدمة معينة، لكن مبدأ الشمول والشيوع، يقتضي بأن تُخصص رسوم وضرائب الدولة لمختلف نفقاتها العامة، ما عدا بعض الهبات التي يُمكن أن تُخصص لغايات معينة".
يضيف:"الدولة لا يمكنها بيع الأملاك العمومية البحرية لأنها ذات منفعة عامة، وتستطيع إستثمارها أي تأجيرها إلى الآخرين. ما يحصل أن الدولة حين تقوم بتأجير هذه الأملاك، حيث يتقدم طلبات من أصحاب العقارات الملاصقة للأملاك العمومية البحرية، وهناك شروط لهذا الإستثمار منها أن يكون العقار محاذي للأملاك العامة البحرية، وأن يُترك ممر على البحر للعامة من الناس، وغيرها من الشروط التي ينظمها مرسوم إستثمار الأملاك البحرية"، لافتا إلى أن "هناك مراسيم صدرت عن الدولة اللبنانية تحدد قيمة التأجير بحسب نوعية الإستثمار، سواء أكان زراعيا أو صناعيا أو سياحيا، وبالتالي نوعية الإستثمار هي التي تحدد الرسوم التي تستوفيها الدولة. لكن لغاية تاريخه هذه الرسوم (بدلات تأجير الاملاك العامة البحرية)، هي رسوم ضئيلة جدا وحتى بموازنة ال2025 كانت لا تتجاوز 25 مليون دولار".
يفسر صالح سبب ضآلة الرسوم "بأن قسم من الأملاك البحرية مُعتدى عليه وغير مؤجر، والمعتدين يضعون أيديهم على هذه الأملاك وهو إشغال من دون ترخيص.القسم الثاني المرخص له، ويدفع رسوم زهيدة جدا مع أن الإستثمارات في الأملاك العمومية البحرية، تدرّ أرباحا هائلة على المستثمرين بصورة قانونية أو المعتدين عليها (منتجعات سياحية ومسابح وفنادق...)"، مشددا على أنه "من المفروض أن تؤجر هذه الأملاك وفقا للقيمة العادلة للعقار. مثلا الشقة السكنية التي تتقاضى الدولة عليها ضريبة الأملاك المبنية، فإنها تحتسب قيمة التأجير ب5 بالمئة من القيمة السوقية للعقار، مثلا إذا كان ثمن العقار 100 ألف دولار، قيمته التأجيرية يجب أن لا تقل عن 5 آلاف دولار سنويا، ويخضع لضريبة الأملاك المبنية وفقا لشطور معينة. فإذا كان التأجير بالدولار من المفروض أن تحتسب الضريبة، على أساس سعر صرف الدولار في تاريخ بدء عملية التأجير، والسؤال هل ما تطبقه الدولة على ضريبة الأملاك المبنية، يتم تطبيقه على الأملاك العمومية البحرية؟ هذا الأمر لا يحصل".
يضيف:"رأينا أن العقارات المحاذية للأملاك العمومية البحرية معروفة(منتجعات سياحية)، وأسعارها معروفة أيضا أي قيمة المتر المربع والقيمة السوقية للمنتجع، وعلى الدولة فرض ضريبة على أساس مساحتها، أي تحديد القيمة السوقية للمنتجع وإحتساب الضريبة على أساس مساحة المنتجع وسعر المتر المربع الرائج بالسوق"، جازما بأن "هناك عقارات ملاصقة للشاطئ سعر مترها المربع يفوق 15 ألف دولار أميركي، ويجب أن يتم إحتساب ضريبة على كل الأملاك البحرية المشغولة سواء أكانت إعتداء او بالترخيص القانوني. هذا الملف مطروح منذ زمن وتم طرحه من قبل أكثر من وزير أشغال، وتمّ إبلاغ القوى الأمنية بالإعتداءات، لكن لم يتم مقاضاة المتعديين بسبب صلتهم بالسياسيين وأصحاب النفوذ".
ويرى أن "الحل هو بتطبيق الضريبة على الأملاك البحرية، على غرار ما يحصل مع الأملاك المبنية، وتقديراته تشير إلى أنه لن تقل الحدود الدنيا للإيرادات من الأملاك البحرية ،عن 250 مليون دولار كحد أدنى سنويا وقد تصل إلى 500 مليون دولار سنويا"، مشيرا إلى أنه "منذ 1994 هناك الكثير من العقارات لم تسدد الرسوم ويتم تسديد الغرامات، وتقوم الدولة بالتسويات على هذه الغرامات أي أنها لا تتقاضى قيمة التأجير ولا الغرامات بقيمتها الكاملة".
ويختم:"الأملاك العامة البحرية هي من عائدات أملاك الدولة، التي تساعد في خفض عجز الموازنة وزيادة الواردات بالعملة الاجنبية لإنفاقها على القطاع العام، والرواتب والأجور التي فقدت أكثر من 85 بالمئة من قيمتها، وما يحصل هو وضع يد على أملاك تخص كل الشعب اللبناني" .