على مدى 14 عاماً من عمر الحرب السورية، كانت العلاقة بين المكوّن الدرزي والرئيس المؤقت أحمد الشرع، أو ما كان يُعرف باسم أبو محمد الجولاني سابقاً، سيئة نتيجة الأعمال التي قامت بها “جبهة النصرة” التي كان يقودها ضد الدروز.
ويعتقد البعض أنّ العلاقة السيئة بين الطرفين بدأت عقب ارتكاب “جبهة النصرة” مجزرة في بلدة قلب لوزة الدرزية في ريف إدلب صيف 2015، غير أنّ الصحيح أنّ التوتر بدأ قبل ذلك بسنوات نتيجة قيام الجبهة بتنفيذ إعدامات بحق الدروز، ومنهم ضباط منشقّون عن جيش نظام بشار الأسد.
ومع وصول الجولاني إلى قصر الشعب ثم خروجه باسم أحمد الشرع، أدرك الدروز أنّه لا بدّ من فتح قنوات التواصل تزامناً مع خطاب جديد لقائد العمليات العسكرية وقتها. ومع مرور الأشهر، شهدت العلاقة حالة من المدّ والجزر حتى شهر حزيران الماضي، عندما بدأ الحوار المباشر بين الطرفين.
أبلغ ممثلو الدروز قيادات الشرع هواجسهم ومطالبهم ورؤيتهم لسوريا الجديدة، وسيطر الحذر الإيجابي على الأجواء مع انقضاء هذا الشهر، غير أنّ التسريبات التي وصلت إلى السويداء من دمشق حول نظرة الرئيس المؤقت ورجاله إلى طروحات الدروز جعلت أبناء السويداء على يقين بأنّ السلطة الجديدة تُحضّر لأمرٍ ما.
في نهاية شهر نيسان 2025، وأبان أحداث صحنايا وجرمانا، بدأ البدو الذين أصبحوا يشكّلون ذراعاً عسكرية للشرع في محافظة السويداء بمناوشة الدروز على أرض محافظتهم. وتزامناً مع بدء الحوار، نشطت اعتداءات على العابرين من الدروز إلى دمشق، وكان يقف خلفها البدو الذين انضمّوا إلى جهاز “الأمن العام”.
لم تلقَ مناشدات الدروز إلى سلطة دمشق والمطالب بوقف اعتداءات البدو آذاناً صاغية، حتى وقعت الواقعة يوم السبت 12 تمّوز 2025، مع قيام جماعات مسلّحة تابعة لـ”الأمن العام” بخطف تاجرٍ درزي كان ينقل الخضار إلى المحافظة وسلبه أمواله. وعلى الأثر بدأت عمليات الخطف والخطف المتبادل.
صباح الأحد 13 تمّوز 2025 حاولت فصائل درزية تحرير مختطفين دروز في حيّ المقوّس التابع للبدو في مدينة السويداء، فاندلعت على الأثر اشتباكات عنيفة. وشهدت ساعات النهار تقدّماً درزياً نحو الحي، حيث تمكّن المقاتلون الدروز من السيطرة على معظمه باستثناء مبنى معمل السجاد، حيث تحصّن المسلّحون البدو داخله.
في ساعات المساء الأولى، كانت الأمور تتجه نحو التهدئة والذهاب باتجاه وقف القتال والقيام بعملية تبادل شامل للمخطوفين من الطرفين، مع التعهّد بوقف عمليات الخطف والسرقة والتشليح وعودة الأمور إلى ما كانت عليه. لكن عند الساعة 21:00 بدأ جهاز “الأمن العام” بمهاجمة البلدات الواقعة على أطراف السويداء شمال وغرب المحافظة.
ومع أولى ساعات الفجر يوم الاثنين 14 تمّوز 2025، وسّع “الأمن العام” والجيش السوري هجومهما وفتحا عدّة محاور. وقد استفادت قوات السلطة بشكل كبير من المساعدة التي قدّمها ليث البلعوس الذي أدخلها إلى ما يُعرف بـ”المقرن الغربي” أو الريف الغربي، وتحديداً إلى بلدة المزرعة، لتصبح على بعد كيلومترات قليلة من مدينة السويداء. وفي المقابل، تكفّل رجل الشرع الآخر في المحافظة، سليمان عبد الباقي، بإدخال خلايا إلى مركز المدينة نفسه، تحضيراً لإثارة البلبلة من الداخل وتسريع السقوط. وجدير بالذكر أنّ الاتصالات التي جرت بين خبراء سياسيين خارج سوريا وقيادات المحافظة تمحورت حول أمرٍ واحد ينصّ على أنّ الصمود لـ 72 ساعة كفيل بتغيير المزاج الدولي ودفع الدول المؤثرة إلى التدخل ورسم خطوطٍ حمراء، وتُعدّ أحداث الساحل التي لم تستمر سوى 24 ساعة أبرز مثال على ذلك.
ولعله يجدر لفت النظر إلى حدوث أمرين لم يكن أبناء السويداء يتوقعونهما: الأول ما يصفونه بـ”خيانة” الثنائي البلعوس وعبد الباقي عبر إسقاط الجبهة الغربية وإدخال خلايا نائمة ليصبحوا بين فكي كماشة؛ والثاني زجّ الشرع بدباباته وصواريخه في اللحظة الأولى، إذ كانت التوقعات تشير إلى أنّ الموجة الأولى ستبدأ بهجوم عشائري يتلوه هجوم عسكري بالسلاح الثقيل، إلا أنّ حكومة دمشق بدأت مباشرةً بالقصف الثقيل على المحافظة. وتجدر الإشارة إلى أنّ فصائل درزية عديدة، كـ”رجال الكرامة” و”لواء الجبل”، لم تدخل المعركة منذ البداية ظنّاً منها أنّ دمشق لا تريد سوى إعادة الهدوء إلى المحافظة، غير أنّ المجازر وعمليات التنكيل التي وقعت في المدينة بعد دخول الجيش السوري إليها دفعت قيادات هذه الفصائل إلى الانضمام للقتال.
غداً: الجزء الثاني — الهجري وتفاصيل نداء “يا غيرة الدين” الذي أنقذ الدروز.