وفيما يلي نص المقال كاملًا:
"يزيدنا غير يزيدكم. يزيدكم تحدّد مواصفاته وفقاً لمراجعكم بالحقد والقتل والدماء. أمّا يزيدنا فيستند إلى سرديّة نعيشها اليوم، سرديّة حزم وعزم وإعادة بناء. يزيدنا ينادي بالدولة ومؤسّساتها ووحدة الكيانات وسيادتها. أمّا يزيدكم فمغمّس ببحر من الدماء، وأيّ دماء، دماء يعود نسبها إلى خاتم الأنبياء.
غريب أمر “الحزب” وإعلاميّيه وبعض الناشطين الشتّامين. ألا يوجد من عاقل يقول لهم إنّ المملكة العربية السعودية هي دولة مرجع للعرب والمسلمين، والأهمّ الأهمّ مرجع للتسويات التي تجلب السلام، وإعادة الإعمار بعد وقوع المصائب وارتكاب المغامرات الخاطئة التي توصل إلى الخراب.
البحث عن عاقل
أليس هناك من عاقل غير الرئيس نبيه برّي صاحب “النبض الوطني” الدائم ينصت لصوت العقل في داخله، ليصرخ بناسه قائلاً: “تعالوا نفكّر كيف نعيد البناء ليس الحجر فقط، ولا تأهيل الطرقات فقط. بل بناء الإنسان وفقاً لآليّات جديدة وأنماط مبتكرة”، بعدما ثبت فشل كلّ ما سبق من استراتيجيات الصواريخ والمسيّرات والانتحاريّين والصراخ في الطرقات.
أليس هناك من عاقل يضع النقاط على حروف المأزق الذي يعيشه “الحزب”، الذي فقد حرف “ز” من اسمه النقطة التي تتوّجه فبات الاسم “حرب”، ولا شيء خارج الحرب قبل الهزيمة وفي الهزيمة وبعدها وعند توقيع الاتّفاقات.
يزيدنا غير يزيدكم. يزيدكم تحدّد مواصفاته وفقاً لمراجعكم بالحقد والقتل والدماء. أمّا يزيدنا فيستند إلى سرديّة نعيشها اليوم، سرديّة حزم وعزم وإعادة بناء
عندما صعد وليد جنبلاط إلى سوريا بعد الاجتياح الإسرائيلي. عضّ على جرحه ليلتقي قاتل والده حافظ الأسد، الذي بدأ اللقاء بالتنظير عن لبنان وقياداته ومسار الحرب فيه، محاولاً تبرير ما لا يبرّر. فإذا بالزعيم الشابّ في حينه بحضور حكمت الشهابي وعبدالحليم خدّام والوفد الجنبلاطي الذي رافق الوليد يقاطع حافظ الأسد قائلاً: “السيّد الرئيس فلنتكلّم بالخلاصات. لقد خسرنا نحن وأنتم الحرب أمام الإسرائيلي في لبنان. تعال نفكّر كيف نعيد توازن القوى لنخوض بها معارك المستقبل”. تعجّب الحضور وبخاصّة حكمت الشهابي الذي التفت إلى مروان حمادة سائلاً هامساً: “هل شرب شيئاً وليد بك”، فسمعه حافظ الأسد فنظر إليه قائلاً: “الحقّ معه لقد انهزمنا في لبنان”. هل هناك من يتعلّم من التاريخ الحديث؟
تتركّز أزمة “الحزب” اليوم في نقطتين:
1- أنّه لا يغادر الماضي وما يزال في كربلاء. لا بل أكثر من ذلك كما قال محمد رعد يريد العودة إلى كربلاء. لا يغادر أيّ فاصلة من الماضي. لا يريد الاعتراف أنّه خسر زينة رجاله وقادته من السيّد وصولاً إلى آخر مستهدَف بالطائرات المسيّرة على طريق كربلاء. وأتانا الأمين العامّ الذي يبشّرنا بالحرب الأهلية.
2- أنّه يحاور ويناقش ويعادي انطلاقاً من قرار حصريّة السلاح، فيما لا يناقش أسباب هذا القرار والحدث الذي أوصلنا إلى هذا القرار. النقاش الدائر سببه “حرب الإسناد”. لا يريد الاعتراف بالخطأ الاستراتيجيّ الذي تمّ ارتكابه، وبحتميّة دفع ثمن هذا الخطأ في الاستراتيجيات.
ليس يزيد بن فرحان من اتّخذ قرار “حرب الإسناد”، ولا هو من قال لقيادة قوّة الرضوان أن تجتمع في شقّة مكشوفة أمنيّاً لتغتالها إسرائيل ظهيرة يوم من الأيّام
البحث عن عدوّ
يبحث “الحزب” عن عدوّ جديد. لا يقوى على الإسرائيلي، ولا يقوى على الأميركي والتصويب عليهما لم يعد مفيداً ولا إمكانية “لصرفه” شعبياً بعد نتائج الحرب الأخيرة. فوجد ضالّته بالمملكة العربية السعودية بشخص الأمير يزيد بن فرحان.
بدايةً اسم يزيد أزعج “الحزب”، فكيف إن كان هذا اليزيد هو ابن فرحان الذي لا يهوى الإعلام ولا كاميرات الإعلاميين، ولا التصريح ولا قصائد مدح السلطان. صبّوا عليه جمام أحقادهم وانفعالاتهم وارتباكاتهم ونسوا أنّه يحمل معه لهم قبل غيرهم طوق النجاة.
ليس يزيد بن فرحان من اتّخذ قرار “حرب الإسناد”، ولا هو من قال لقيادة قوّة الرضوان أن تجتمع في شقّة مكشوفة أمنيّاً لتغتالها إسرائيل ظهيرة يوم من الأيّام، ولا هو من قال للسيّد هاشم صفيّ الدين أن يلتزم مخبأه الذي لم يعد سرّياً بالمنطق الأمنيّ بعدما تمّ اغتيال السيّد حسن نصرالله قبل أيّام.
حمل بن فرحان معه تعليمات وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
– أوّلها، ضمان الاستقرار الدستوري بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة تلتزم المعايير الدولية والعربية من أجل بداية الخروج من الانهيار الاقتصادي.
– ثانيها، ضمان استعادة الدولة سيادتها وقرارها الحر، وتنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بأمن واستقرار لبنان. والأهمّ تأكيد استمرار الدور السياسي لـ”الحزب” شريكاً في كلّ المؤسّسات الدستورية وفي صناعة مستقبل البلد وعدم التصرّف بمنطق “العزل” السياسي تجاهه أيّاً كانت الظروف.
– ثالثها، تنظيم العلاقات اللبنانية مع النظام السوري الجديد، والأهمّ بداية ضبط الحدود بين البلدين فلا تكون مصدراً للتهريب أو للتهديد لأيّ من البلدين. وهذا ما يرعاه الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي ويحضر اجتماعاته الأمير يزيد.
وصل بن فرحان إلى بيروت ليبدأ حفر جبل الفوضى السياسية بإبرة الحكمة والصبر والاستماع إلى كلّ وجهات النظر المتناقضة. وللدقّة لا بدّ من القول إنّه استعمل “المعول” مرّة واحدة في مسار الحفر حماية لقرار “الخماسية” التي يمثلها.
نجح المبعوث السعودي في ضمان الاستقرار الدستوري وعاد إلى بلاده ليتابع التطوّرات، مؤكّداً ثلاثيّة ما كُلّف به دون أن يتدخّل مباشرة إلّا إذا طلب منه الجانب اللبناني ذلك.
هذه الوقائع عمرها سبعة أشهر وكأنها معركة لا تتوقّف بين دبيب النمل السياسي الحكيم وبين فائض الجنون المنتشر بعد فقدان فائض القوّة، دون أن يلاحظ “الفاقد” أنّ موجة الصراخ العالية هي خسارة إضافية واستراتيجية له.
لذلك كلّه يزيدنا غير يزيدكم. ربّما أخطأتم بقراءة التاريخ ومقاربته، حيث يكتب التاريخ اسم يزيدين: الأوّل يزيد بن أبي سفيان فاتح بلاد الشام، والثاني يزيد بن معاوية المتّهم وفقاً لرواياتكم بقتل الإمام الحسين، واليوم هناك يزيد ثالث لا تنفع معه المقاربات التاريخية لأنّه يتحدّث عن الغد. يحثّ بتوجيهات من ولي العهد السعودي اللبنانيّين والسوريّين على صناعة المستقبل".
ولقراءة المقال على موقع أساس ميديا، اضغط هنا.