"ليبانون ديبايت" - المحرر السياسي
لطالما كانت المؤسسة العسكرية ومصرف لبنان المركزي تحت المظلة الأميركية، ولم تتعكّر العلاقات بين هاتين المؤسستين وواشنطن على امتداد العقود الماضية، حتى أن مرجعاً سياسياً بارزاً يدأب على التأكيد أن الحليف الوحيد لواشنطن في لبنان هو الجيش. ولذا فإن تعثر مسار العلاقات ما بين الجيش والإدارة الأميركية، والذي أدى إلى ترحيل زيارة قائد الجيش رودولف هيكل إلى الولايات المتحدة في الوقت الحالي، يكتسب دلالات عدة لجهة التوقيت أو الرسائل الموجهة إلى لبنان الرسمي.
وتكشف مصادر دبلوماسية واسعة الإطلاع ل"ليبانون ديبايت" عن انطباعات "سوداوية" لهذا التعثر في التواصل ما بين الدولة اللبنانية وليس الجيش والإدارة الأميركية الحالية، مشيرةً إلى أن ما حصل كان متوقعاً وإنما ليس بهذا الشكل "غير الدبلوماسي"، خصوصاً وأنه لم يصدر عن الجانب الأميركي أي توضيح أو عرض للأسباب التي دفعت نحو إلغاء بعض مواعيد قائد الجيش في واشنطن.
وبينما تنقل هذه المصادر "صمت" جهاتٍ أميركية لدى سؤالها عن هذا الموضوع، توضح أن ما حصل كان نتيجةً وليس سبباً، بمعنى أن الإستنتاج الأولي هو أن علاقة جديدة قد بدأت ما بين واشنطن ولبنان، ذلك أن العلاقات ما بين واشنطن والمؤسسة العسكرية تمر بدورات كاملة من المساعدات والدعم ثم التباعد، بمعنى أن لبنان اليوم يشهد نهاية الدورة التي بدأت في العام 2006 إلى العام الحالي.
هل من مسؤولٍ إذاً عن هذا الوضع؟ تحمّل المصادر الدبلوماسية المسؤولية للسياسيين اللبنانيين الذين لم يتوقعوا الوصول إلى هذا الوضع، ولم يتوقفوا عند قول السفير توم براك إن "لا مصلحة لأميركا في اللعبة" أي لم يعد هناك من اهتمام استراتيجي بلبنان. وفي هذا الإطار، تشدد المصادر على "التعاطي السلبي" من قبل اللبنانيين مع برّاك، الذي يمسك بالملف اللبناني ويعبّر عن موقف الإدارة الأميركية.
وتأسف المصادر لعدم توظيف ثقل لبنان الحضاري لدى واشنطن من أجل تحقيق مصلحة اللبنانيين، والتعاطي من قبل السياسيين اللبنانيين مع دور لبنان في المنطقة، على أساس أنه محور هذه المنطقة ولا يمكن للدول الغربية والعربية "التخلي عنه". ولذلك، ترفض المصادر تسليط الضوء على أداء الجيش أو تحميل المسؤولية لقيادة الجيش، معتبرةً أن ما حصل هو "فشل" دبلوماسي بدأ في نيويورك، وفشل مالي في الإجتماعات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولين، في ظل حراك سياسي لبناني "دون المطلوب" باتجاه واشنطن، قد يكون سببه "حياء لبناني من فريقٍ داخلي يعادي الولايات المتحدة".
وإذا كان المسؤولون يحذرون من "حرب أهلية" ويعرضون لبنان لحرب ٍ إسرائيلية، كما تتابع المصادر الدبلوماسية، فإن الخطر المحدق باللبنانيين اليوم هو الوصول إلى حرب إسرائيلية وحرب داخلية في آن، بحسب المصادر نفسها.
بالمقابل، لا يمكن إغفال مشهد الأمس في البيت الأبيض والمصالحة التي تمت بين الولايات المتحدة والعالم السنّي العربي برئاسة السعودية، مع ما يتضمنه هذا المشهد من مصالح وصفقات تجارية، ما يطرح سؤالاً أساسياً عن الثمن الذي ستحصل عليه إسرائيل لتوافق على بيع طائرات ف ـ35 للسعودية. وهنا لا تُخفي المصادر خشيتها من أن يكون الثمن هو حصول إسرائيل على "ضوء أخضر أميركي في لبنان".